العرب وأمريكا اللاتينية.. جغرافيا تجارية وفضاءات سياسية جديدة
تبدو القمة العربية ودول أمريكا اللاتينية محاولة نوعية للتأسيس لنمط جديد في العلاقات العربية الخارجية، فالعلاقات العربية الاقتصادية التقليدية كانت تركز على أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، ولكن منذ القمة العربية اللاتينية الأولى التي عقدت في البرازيل في أيار (مايو) 2005 التي حضرتها 34 دولة، توطدت العلاقات التجارية العربية مع دول أمريكا الجنوبية.
وجاءت الرغبة في التعاون من الجانبين العربي والأمريكي اللاتيني وخاصة مع وصول اليسار إلى الحكم في بعض الدول في أمريكا الجنوبية ومحاولة فتح أسواق جديدة أمام صناعات أمريكا اللاتينية والخروج من التبعية للولايات المتحدة.
فقد طرحت فكرة القمة العربية – اللاتينية من قبل الرئيس البرازيلي دا سيلفا الذي وصل إلى سدة الحكم في البرازيل عام 2003، وأثناء زيارته إلى الشرق الأوسط في كانون الأول (ديسمبر) 2003، حيث زار خمس دول في المنطقة طرح فكرة القمة بين دول أمريكا اللاتينية والدول العربية والتي وجدت صدى في العالم العربي وعقدت القمة الأولى في البرازيل، وتعقد القمة الثانية بعد أربعة أعوام في الدوحة نهاية الشهر الجاري.
في هذه الفترة حدث تحول مهم في التبادل التجاري بين دول أمريكا اللاتينية والدول العربية، فقد صرح مدير إدارة الأمريكتين في جامعة الدول العربية إبراهيم محيي الدين "أن القمة ستكون فرصة لانطلاقة جديدة للتعاون وبناء علاقة استراتيجية بين الإقليمين بعد النقلة النوعية التي شهدتها منذ عقد القمة الأولى في برازيليا عام 2005.
وأشار محيى الدين إلى أن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والأمريكية الجنوبية منذ قمة برازيليا متمثلا في ارتفاع التبادل التجاري من ثمانية مليارات دولار في عام 2005 إلى 21 مليار دولار". وحسب ما قاله محيي الدين، فإن هناك فرصا للتعاون بين العالم العربي ودول أمريكا الجنوبية في مجالات متعددة مثل التكنولوجيا والاستخدام السلمي للطاقة النووية وصناعة الطائرات ومكافحة التصحر وموارد المياه.
وتعول الدول العربية على عدد الجاليات العربية في القارة الأمريكية الجنوبية والتي تشكل نسبة تقدر بما بين 10 و15 في المائة من سكان القارة في العمل على تطوير العلاقات بين الجانبين، وحسبما ذكره أحمد ياسين رئيس القسم التجاري في الغرفة التجارة البرازيلية والخليج العربي وشمال إفريقيا GOLFOBRAS فإن عدد العرب في أمريكا اللاتينية يصل إلى 20 مليون نسمة منهم 7 ملايين في البرازيل لوحدها.
وكان وزراء خارجية المجموعتين قد عقدوا سلسة اجتماعات خلال الفترة الماضية لبلورة مشروع إعلان الدوحة المقرر صدوره عن القمة المشتركة. وأكد الجانبان في مشروع الإعلان على الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة من خلال حل تفاوضي يؤدي إلى قيام دولة موحدة ومتكاملة داخل حدود واضحة ومعترف بها دوليا، تعيش في سلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. كما أكد مشروع الإعلان على ضرورة تكثيف الجهود لاستئناف عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية للتوصل إلى سلام عادل وشامل على كل المسارات، مشدداً على الحاجة إلى احترام وحدة وحرية وسيادة العراق واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وأعرب مشروع الإعلان عن قلق الجانبين من الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها في اقتصادات الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، مؤكدين الحاجة إلى إنشاء نظام مالي دولي يمنع المضاربات المالية ويضع في الحسبان القواعد الملائمة وإنشاء هذه المنظومة المالية الجديدة لتتوافق مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأثناء عقد لقاء وزراء الخارجية لدول أمريكا اللاتينية والدول العربية الذي عقد في القاهرة في بداية آذار (مارس) الحالي، فقد اقترح وزير الخارجية البرازيلي سيلسون أمورام تشكيل لجنة تعاون مشترك لوضع آلية للتعامل مع الأزمة المالية العالمية؟ مؤكدا أن دول أمريكا الجنوبية لم تتأثر كثيرا بالأزمة المالية لتنوع علاقاتها الاقتصادية.
وأكد من جهة أخرى وزير الخارجية التشيلي الذي تحظى بلاده بصفة مراقب في الجامعة العربية وهي الدولة الثانية من أمريكا الجنوبية التي تحظى بهذه الصفة، أن بلاده مع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل؟ ولكن العلاقات التجارية هي محور العلاقات بين الإقليم العربي والإقليم اللاتيني؟ وحسب الوزير التشيلي فإن الصادرات التشيلية تجد أسواقها بصفة أساسية في السعودية والإمارات وعمان، وهذا يعزز العلاقات في ظل قيود تفرضها الدول الصناعية المتقدمة على المنتجات الصناعية والتجارية لدول أمريكا اللاتينية.
وكان وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية أحمد عبد الله المحمود الذي تستضيف بلاده القمة، أكد في اجتماع القاهرة الأخير، ضرورة الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام سيادة الدول.
ويظهر أن الدولة الرئيسة في أمريكا الجنوبية، وهي البرازيل التي تعد من الدول الصناعية البازغة والمتقدمة في مجال التقنية البيولوجية والصناعات، وهي عضو مجموعة العشرين التي تضم الدول السبع الصناعية وروسيا الاتحادية، والسعودية الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين، ولكن الواقع الذي تعيشه أمريكا اللاتينية هو البحث عن تحقيق المصالح الاقتصادية حيث التقنية العالية والحاجة إلى الطاقة، ففي ظل التقدم الصناعي تحتاج إلى الطاقة التي تتوافر في منطقة الخليج العربي.
وصرح وزير التقنية والعلوم البرازيلي أفيتور لوشيرو، أن بلاده متقدمة في مجال التقنية الحديثة والزراعة، وقد عقد اجتماع للعلماء العرب ودول أمريكا اللاتينية في أيلول (سبتمبر) 2004 في البرازيل، وتحاول البرازيل، كما صرح أيضا وزير الخارجية أنها تريد أن ترى نتائج عملية للقمة وخاصة التجارة والتعاون الصناعي والزراعي.
والملاحظ في ظل الحاجة إلى الطاقة أن هناك دولتين أعضاء في منظمة أوبك هما فنزويلا ودولة الإكوادور، والأخيرة انضمت في عام 1973 إلى "أوبك"، ثم جمدت عضويتها من 1992 إلى عام 2007، حيث عادت إلى عضويتها، وتحتاج دول أمريكا اللاتينية رغم توافر النفط في فنزويلا والإكوادور والمكسيك إلى استيراد النفط الذي يتوافر في الخليج العربي، وترى أن التبادل التجاري قد يوفر لها الطاقة وتستطيع تصدير منتجاتها إلى العالم العربي فدول أمريكا اللاتينية تبحث عن أسواق جديدة لها وهي متوافرة في العالم العربي وحسبما ذكره الرئيس البرازيلي دا سيلفا أن الدول النامية لا تستطيع أن تتنافس مع الدول الغنية أي الصناعية الكبرى، ولكنها في حاجة إلى التعاون فيما بينها.
وتهدف دولة مثل البرازيل والدول اللاتينية الأخرى إلى تعزيز التعاون الإقليمي، حيث تكتل ميركوسورMercosur ، ودول الجامعة العربية وقد أسهمت سياسة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش خلال السنوات الثماني الماضية في تجاهله إلى أمريكا اللاتينية، وما تعانيه من مشكلات سياسية واقتصادية والتركيز على أفغانستان والعراق وصدام واشنطن مع الأنظمة اليسارية في القارة إلى التوجه العام في أمريكا اللاتينية في التعاون مع مناطق أخرى في العالم، وتعد العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبعض دول أمريكا اللاتينية مهمة حيث قدرت قيمة التبادل التجاري للبرازيل مع العالم العربي عام 2005 بثمانية مليارات دولار.
وحسب أرقام 2008، فقد وصلت التجارة مع العالم العربي في النصف الأول من عام 2008، إلى 9.4 مليار دولار، حيث استوردت البرازيل من العالم العربي ما قيمته 5.4 مليار دولار، وصدرت ما قيمته 4.1 مليار دولار وتأتي السوق العربية في المرتبة الرابعة في استيراد المنتجات الزراعية البرازيلية بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.
وفي الوقت الذي يطرح العرب الجانب السياسي تطرح أمريكا اللاتينية الهدف الاقتصادي من علاقاتها مع العالم العربي، وقد نشهد في القمة المقبلة تأييدا للقضايا العربية ولكن ما تهدف له دول أمريكا اللاتينية عقد صفقات تجارية واستثمارات مفيدة وعينها على دول الخليج العربي، حيث الطاقة والقوة الشرائية وأهمية التبادل معها.