بكين تستعرض عضلاتها

بكين تستعرض عضلاتها

في غرفة اجتماعات أحد الفنادق، اكتظت الغرفة بالأشخاص في أحد أيام الربيع المشمسة وأصبح الجو خانقا بالنسبة لأولئك المكدسين فيها بحيث أن العديد منهم ندموا لأنهم أحضروا معاطفهم معهم. واستطاع بعض المحظوظين الجلوس على المقاعد القليلة المتوافرة، أما البقية فكانوا يقفون محشورين بجانب بعضهم بعضا فيما كان الجميع يستمع باهتمام لخطاب متشدق دام ساعة ونصف الساعة حول خطر الإمبريالية الأمريكية, وكيف ستؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تزايد المواجهة بين الصين والغرب.
ويعرف Zhang Hongliang، الذي كان يلقي خطابه وهو يجلس أمام صورة كبيرة لـ Mao Zedong أيام شبابه، كيف يعزف على وتر المشاعر القومية المناهضة لليبرالية لدى جمهوره. فكلمات خطابه الطويل تراوح بين التملق لـ Mao والاحتقار لأمريكا (التي ليس لديها تاريخ أو ثقافة) وبين التحذير من "الإرهاب الأبيض" إذا نجح اليمينيون (الليبراليون). فالأزمة الاقتصادية هي خطأ الغرب وحده تماما، وقد ينقلب الغرب على الصين مع تعمق هذه الأزمة. لذا حان الوقت لبناء حاملة طائرات، فنتيجة الحرب مع أمريكا ستكون الخسارة ولكن على الصين ألا تخاف منها.

ويزداد "اليساريون" في الصين نشاطا مع تصدع الاقتصاد العالمي. وينتمي Zhang إلى مجموعة متطرفة تحن إلى مبدأ المساواة الذي نادى به Mao، وإلى ملكية الدولة، وإلى الحقيقة التي تؤكد أن أمريكا هي العدو. وقد تم تنظيم ندوته هذه من قبل موقع Maoflag الإلكتروني، أحد المواقع الإلكترونية في الصين ذات الأفكار المتشابهة التي تمتلئ لهجتها بالإحساس بأن دولتهم ضحية تتوق للانتقام. ويستمد المترددون من مثل تلك المنتديات شجاعتهم وحماسهم من سلسلة من الاحتفالات العفوية في جميع أنحاء الدولة في كانون الأول (ديسمبر) للاحتفال بيوم ميلاد Mao الذي مضى عليه 115 عاما. وتفضل الحكومة التقليل من أهمية هذه الذكرى.
ولا يعتقد الكثيرون أن أنصار Mao المتطرفون يستعدون للعودة. إلا أن لقوميتهم جاذبية واسعة النطاق. ففي الوقت الذي تدرس فيه الصين العالم ويترنح الغرب في المشكلات المالية ويبدو قادته في أمس الحاجة إلى الصين الغنية بالمال لتهب لمساعدته، ترى الصين فرصا استراتيجية. فقد كانت المشاعر القومية تلتهب في الدولة حتى قبل أن تؤثر الأزمة المالية فيها في أواخر العام الماضي. وكان ذلك واضحا في ردود الفعل العامة على الاضطرابات التي حدثت في التبت في آذار (مارس)، ودعم الغرب لدالاي لاما، ونصر الصين الرياضي في الألعاب الأولمبية في بكين في آب (أغسطس). والآن يمثل الغرب هدفا مرضيا للازدراء المكبوت، إذ إنه حتى الحكومة الحذرة عادة بدأت باستعراض عضلاتها قليلا على المسرح العالمي.
وقد لعبت الصين في معظم أوقات العقدين الماضيين (باستثناء المواجهات الغاضبة مع تايوان عام 1995-96 ومع أمريكا عام 2001) لعبة حذرة على الصعيد الدولي. وقد تلخص نهجها في العبارات البليغة ذات الأربع كلمات التي يحب صنّاع السياسة الصينيون إيجاز تفكيرهم من خلالها. وقد ابتكر الراحل Deng Xiaoping سلسلة منها: على الصين الابتعاد عن الأضواء، وعدم أخذ زمام المبادرة، ومراقبة التطورات بصبر، وإخفاء قدراتها. إلا أن المسؤولين يعيدون النظر في ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وضعف الغرب الواضح.
ولا يزال قادة الصين يحاولون بث مشاعر الطمأنينة في خطاباتهم العلنية. فخلال زيارته لأوروبا في أواخر كانون الثاني (يناير) ومطلع شباط (فبراير)، أكد رئيس الوزراء الصيني، وين جيابو، أن تطور الصين لا يشكل تهديدا لأحد. وقال في جامعة كامبردج (الحدث الذي ألقى فيه أحد الطلاب الألمان المحتجين حذاء باتجاهه) إن الصين ستكون قوة عظمى مسالمة ومتعاونة. وقد أصغى بعض الدبلوماسيين الغربيين الحساسين باهتمام بالغ حين قال عبارة "قوة عظمى"، إلا أنه يستخدم هذه العبارة دائما لوصف الصين حتى قبل الأزمة الحالية. واحتراما لمشاعر الأجانب، استخدم النص الإنجليزي للخطاب الذي أصدرته وكالة أنباء الصين الحكومية، Xinhua، كلمة "الدولة" بدلا منها.
إلا أن الصين كانت عنيدة فيما يتعلق بقضية التبت. فبعد أن استسلمت قليلا للرأي العام الغربي العام الماضي عن طريق إجراء ثلاث جولات من المحادثات مع ممثلين عن دالاي لاما في أعقاب الاضطرابات في آذار (مارس)، فقدت الصين اهتمامها الآن. وتم فرض حملة أمنية شاملة على هضبة التبت لمنع أية احتجاجات خلال الذكرى الـ 50 للانتفاضة التي أدت إلى هروب دالاي لاما إلى المنفى في الهند، والتي ستصادف هذا الشهر. وتم منع الصحافيين الأجانب من الدخول تماما (على الرغم من مناشداتهم للدخول).
وفي أواخر شباط (فبراير)، استقبلت الصين وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، بحفاوة. وكان لدى الصين أسبابها للشعور بالفخر. فها هي مسؤولة أمريكية مهمة تسعى بصورة واضحة إلى مساعدة الصين. وكلينتون- التي تفاخرت في السابق بمدى قوتها في التأكيد على حقوق الإنسان خلال زيارتها إلى بكين عام 1995- تقترح الآن أنه يجب ألا يكون سجل الصين السيئ عقبة أمام التعاون بشأن الأزمة المالية والاحتباس الحراري. ولا شك أن Zhang استمتع في ندوته التي نظمها موقع Maoflag بنبرتها الجديدة الناعمة.
وبعد أسبوعين من مغادرة كلينتون، ضايقت قوارب صينية (وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية) سفينة أمريكية غير مسلحة، هي Impeccable، في بحر الصين الجنوبي. وكانت السفينة تبعد 75 ميلا (120 كيلومترا) فقط عن ساحل الصين وكانت تبحث على الأرجح عن غواصات صينية. ولكن بغض النظر عن اعتراضات الصين، كثيرا ما تنتشر سفن البحرية الأمريكية في المياه الدولية قبالة الصين لمراقبة الأنشطة العسكرية. وقد استجاب الصينيون في هذه الحالة بعنف أكبر من المعتاد، حيث أحاطوا بالسفينة الأمريكية وحاولوا منعها من الانسحاب. وفي وقت لاحق، أرسلت أمريكا مدمّرة ذات قذائف موجهة لحماية Impeccable.

ضربة حذرة

ومن الواضح أن الصين لا ترغب بالمبالغة في ذلك، حيث ربما لا تزال تتذكر الأزمة الضخمة في العلاقات التي حدثت عام 2001 حين اصطدمت مقاتلة صينية بطائرة تجسس أمريكية ما أجبرها على الهبوط في قاعدة جوية صينية. وتم احتجاز الطاقم الأمريكي لمدة 11 يوما. واستجابت الصين هذه المرة عن طريق إرسال سفينة صيد مخصصة للمراقبة (التي لا تضاهي المدمّرة) إلى المنطقة. إلا أن Shi Yinhong من جامعة Renmin يقول إن الحادثة الأخيرة دلالة على القوة الجديدة في تعامل الصين مع الغرب.
ومع أن الصين قد تمتنع عن مضايقة أمريكا بقوة، إلا أن الأمر مختلف مع أوروبا. فقرارها المفاجئ بإلغاء قمة مع الاتحاد الأوروبي كان من المقرر عقدها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي يظهر أن الصين مستعدة، حتى في وسط الأزمة العالمية، لتوجيه رسالة ازدراء قوية لقادة أكبر شريك تجاري لها. والسبب في ذلك هو الاجتماع بين الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ودالاي لاما (كانت فرنسا تتولى حينها رئاسة الاتحاد الأوروبي). واتفق الاتحاد الأوروبي والصين على إعادة جدولة وقت عقد القمة لوقت لاحق من هذا العام، ولكن لم تغفر الصين لساركوزي بعد. فقد تجنب وين جيابو، رئيس الوزراء الصيني، فرنسا خلال جولته الأخيرة في أوروبا، وقال: "لقد نظرت إلى خارطة أوروبا وأنا في الطائرة، وجدول الرحلة لا يسمح بالتوقف في فرنسا".
ولا شك أنه لم يتم تجاهل نصيحة Deng بأن تتجنب الصين أخذ زمام المبادرة. فقد استجابت الصين ببرود للاقتراحات القائلة إن حل المشكلات الاقتصادية العالمية يكمن بصورة أساسية بيد قوتين، هما الصين وأمريكا- اللتان يدعوهما بعضهم مجموعة الاثنان (G2). وكان Fred Bergsten، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قد أثار هذه الفكرة في مقال له في Foreign Affairs في تموز (يوليو) الماضي. وقال في مقاله إن الصين لا تزال تتصرف "مثل دولة صغيرة ليس لها تأثير يذكر في النظام العالمي بشكل عام وبالتالي لا تتحمل مسؤولية كبيرة عليه". ولكن حتى قبل الأزمة الحالية، كانت الصين تشكل تحديا متزايدا على القواعد والمؤسسات الدولية، كما قال Bergsten: حيث أعاقت التقدم في جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية، وساعدت دولا أجنبية دون أي اعتبار لحقوق الإنسان أو البيئة، وعارضت تبني سياسة سعر صرف مرنة. واقترح أنه من الأفضل أن تعمل الصين وأمريكا معا كمجموعة ثنائية "لتوفير قيادة مشتركة للنظام الاقتصادي العالمي".
ورحب رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، وكبير الاقتصاديين فيه، Justin Yifu Lin، بفكرة المجموعة الثنائية في مقال نشر في Washington Post في 6 آذار (مارس). ومع أنهما لم يكررا انتقاد Bergsten لما سمّاه "نشوز" الصين، إلا أنهما قالا إنه "دون وجود مجموعة ثنائية قوية، ستفشل مجموعة العشرين". إلا أن بعض المسؤولين الصينيين يرون أن هناك فخا في ذلك. فقد قالت مجلة Liaowang التي تنشرها Xinhua، إن الباحثين الصينيين يعتقدون أن هذه الفكرة "ستضر أكثر مما ستنفع". فأمريكا لن تتنازل أبدا عن السيطرة على النظام العالمي، ولن تسعى الصين أبدا بأي حال من الأحوال إلى ممارسة الهيمنة.
ولا شك أن الصين تشعر بالبهجة من فكرة أن قوتها العالمية بدأت بالتنامي. وعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين الغربيين، فإن الاجتماع بين الرئيس باراك أوباما ونظيره الصين، هيو جينتاو، على هامش قمة مجموعة العشرين في لندن في 2 نيسان (أبريل) سيكون أكثر أهمية من اجتماع مجموعة العشرين نفسه. وقد سرقت الصين الأضواء في قمة مجموعة العشرين الأخيرة حين أعلنت عن رزمة حوافز بقيمة أربعة تريليونات يوان (565 مليار دولار) قبل القمة بوقت قصير. ولا تزال تنتشر شائعات تقول إنها تستعد للإعلان عن رزمة أخرى، وهذا سيرضي الجميع.
إلا أن الصين لا تسعى (بعد على أية حال) إلى إسقاط أمريكا من عليائها. فهي تضغط من أجل أن تكون كلمتها مسموعة فيما يتعلق بها وبدول نامية أخرى في صندوق النقد الدولي الذي تمتلك فيه أمريكا في الواقع حق النقض. ولكنها لا تطالب بالحصول على حق النقض. وفي مؤتمر صحافي تم عقده في 13 آذار (مارس)، تحنب وين جيابو القول فيما إذا كانت الصين ستمنح صندوق النقد الدولي مزيدا من المال لتعزيز قدرته على التعامل مع الأزمة المالية. ويعتقد الدبلوماسيون أن مقدار ما ستقدمه الصين يعتمد على مدى كون كلمتها مسموعة. واقتبس مقال نشر في صحيفة China Daily الرسمية في 17 آذار (مارس) قول أحد الاقتصاديين الصينيين المؤثرين، هو Yu Yongding، قوله إن على الصين ألا تمنح صندوق النقد الدولي كثيرا من المال - خاصة لأن بعض الدول على قائمة الإنقاذ التي وضعها صندوق النقد الدولي، خاصة بعض الدول من أوروبا، "مناهضة للصين في تفكيرها".

حصة من أمريكا

ويتداول بعض الباحثين والمعلقين الصينيين رؤى أكثر راديكالية عن الطريقة التي ينبغي على الصين استخدام الأزمة الحالية بها لتعزيز نفوذها الاستراتيجي. فقد جاء في مقال نشر أخيرا في Economic Reference، التي تنشرها مؤسسة فكرية حكومية، أن الأزمة ستضعف بصورة حادة القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية للدول المتقدمة. وسيوجد هذا "فرصة تاريخية" للصين لتقوية موقفها. ويجب على الصين أن تصدّر رأس المال إلى دول جنوب شرق آسيا لتقوية اقتصاداتها. وستساعد بذلك على منع نشوء اضطرابات سياسية وتحظى بنفوذ استراتيجي في المنطقة.
واقترح المقال أن على الصين شراء شركات في أمريكا للحصول على المعرفة المتطورة. وإذا رفضت الحكومة الأمريكية ذلك، "يمكن للحكومة الصينية استخدام مدخراتها بالدولار الأمريكي كورقة مساومة لإجبار الحكومة الأمريكية على الموافقة على عمليات الاستحواذ من قبل الصين". ويقول الدبلوماسيون إن تهديدات صدرت من مسؤولين صينيين أدنى مرتبة بأن الصين قد تبيع أذون الخزانة الأمريكية إذا أغضبت واشنطن الصين بشأن التبت؛ قد تكون الشرارة مثلا اجتماعا بين أوباما ودالاي لاما. وليس هناك الكثيرون الذين يعتقدون أن الصين ستخاطر حقا باستخدام مثل هذا الأسلوب الذي قد يضر بها، إلا أن بث مثل هذه الآراء يوحي أن بعض المسؤولين بدأوا بالشعور بالخيلاء. وسيعد قرار الصين في 18 آذار (مارس) باستخدام قانون لمكافحة الاحتكار لمنع عرض من شركة كوكا كولا بقيمة 2.4 مليار دولار لشراء شركة Huiyuan الصينية لتصنيع العصير دليل على ذلك من قبل بعضهم في أمريكا.
وقد اتضحت هذه الثقة بالنفس أيضا خلال زيارة قام بها نائب الرئيس، Xi Jinping، إلى أمريكا اللاتينية في شباط (فبراير). فخلال اجتماع في المكسيك مع صينيين مغتربين، اتهم Xi، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه الوريث الأكيد للرئيس هيو جينتاو، "الأجانب الذين يحصلون على تغذية ممتازة بأنهم لا يجيدون سوى توجيه أصابع الاتهام" إلى الصين. وقال Xi إن دولته لا تصدر الثورة أو الفقر أو الجوع أو "تعيث الفوضى" في الدول الأخرى، "فماذا يمكن أن يقال بعد هذا؟" ويعتقد زملاء Xi الأكثر دبلوماسية أن نوبة غضبه كان مبالغا بها، ومع أن المواقع الإلكترونية القومية فرحت بتعليقاته، إلا أنه تم منع وسائل الإعلام المحلية من نشرها.
وقد بذل القادة الصينيون جهودا كبيرة لتجنب إعطاء الانطباع بأن الصين مترددة في التزامها بتسويق الرأسمالية (وإن كانت ممزوجة بصورة كبيرة بسيطرة الحكومة). إلا أن اقتصاد الصين تضرر جراء الفوضى. وتشير تقديرات المسؤولين إلى أن نحو 20 مليون عامل مغترب فقدوا وظائفهم حين انهارت صناعات تتطلب عمالة كثيفة، التي تنتج منتجات رخيصة للتصدير. وبدأ الموظفون الإداريون بالمعاناة أيضا. فقد تم تسريح بعضهم من العمل فيما تم تخفيض مكافآت وأجور كثير منهم. ولا يزال القادة الصينيون يقولون إن الدولة قد تحقق نموا بنسبة 8 في المائة هذا العام، بعد أن كانت النسبة 9 في المائة العام الماضي، ولا يزال البنك الدولي، الذي يتوقع أن تكون نسبة النمو 6.5 في المائة فقط، يشير إلى أن الصين "بقعة منيرة نسبيا في الاقتصاد العالمي الكئيب." ولكن من المؤكد أن عهد الازدهار قد ولى.

أتباع آدم سميث

وينتقد قادة الصين طوال فترة الأزمة مخاطر الحمائية، حيث يدركون أن التجارة مع الغرب أمر حيوي. ولخيبة أمل اليساريين على الإنترنت في الصين، أشاد وين جيابو مرارا بآدم سميث في خطاباته ولقاءاته مع الصحافيين. وفي لندن، قال لصحيفة Financial Times إنه يحمل معه كتاب "نظرية المشاعر الأخلاقية" لآدم سميث في حقيبته.
ويشرح وين جيابو السبب بقوله إن الكتاب يحمل رسالة مهمة وهي أنه إذا لم يتم تقاسم ثمار التنمية الاقتصادية من قبل الجميع، سيكون هذا "غير سليم أخلاقيا"، كما سيكون خطرا يهدد الاستقرار الاجتماعي. وترددت أصداء وجهة النظر هذه بقوة بين الكثير من الصينيين الذين يشعرون بالمرارة بسبب التوزيع غير المتكافئ لثمار النمو السريع في الصين. وربما تمكن القادة الصينيون من تسجيل النقاط في الوطن بسبب مواجهتهم لنظرائهم الغربيين، ولكنهم يعلمون أنهم عرضة للانتقادات بأنهم لا يبذلون جهودا كافية لمساعدة ضحايا التباطؤ الاقتصادي من الصينيين. ويحاول وين جيابو أن يظهر أنه يهتم بهم عن طريق التشديد على هذا الجانب من فلسفة سميث.
إلا أن الحكومة لا تريد أن تنشغل الصين بالنقاش نفسه الذي يعصف بالحكومات الغربية حول كيفية التعامل مع الأزمة. فقد تم عقد الدورة السنوية لمؤتمر الشعب الوطني، البرلمان الصيني، هذا الشهر لمدة تسعة أيام بدلا من أسبوعين كالمعتاد. ومع أنه حتى وسائل الإعلام الرسمية تريد المزيد من التفاصيل حول خطط الإنفاق، إلا أن الأجندة التي وضعتها الحكومة كانت هزيلة بشكل مذهل. واستغل رئيس البرلمان، Wu Bangguo، هذه المناسبة لإلقاء خطبة طويلة ضد الديمقراطية على النمط الغربي. وقال للنواب: "سيتم تعزيز قيادة الحزب أكثر ولن تضعف بأي حال من الأحوال". ولا بد أن ما أثار حماس Wu هو أن هناك أصوات مهمة تقترح العكس.
ولكن لم يتم الكشف عن الكثير من تفاصيل رزمة الحوافز في المؤتمر. وقالت الحكومة إنه لن يتم تحديد تفاصيل برنامج إنفاق شامل منفصل لإصلاح الرعاية الصحية (850 مليار يوان على مدى ثلاث سنوات) إلا بعد انتهاء الدورة البرلمانية. وفي إشارة عابرة إلى القلق العام، كشفت أن الإنفاق على مشاريع الرفاه الاجتماعي سيزيد من 1 في المائة إلى 4 في المائة من رزمة الحوافز. وسيتم تخفيض الإنفاق على البنية التحتية من 45 في المائة إلى 38 في المائة. إلا أنه سيتم أيضا تخفيض الإنفاق على المشاريع البيئية من 9 في المائة إلى 5 في المائة. ويبدو أن التزام الصين بقضية البيئة بدأ في التضاؤل.
ولا يوجد لدى اليسار أي سبب للاحتفال. فالمؤسسات المملوكة للدولة ستكون من كبار المنتفعين من الإنفاق من رزمة الحوافز (لا يزال أنصار موقع Maoflag في حالة فوضى بسبب تفكيك عديد من المؤسسات المملوكة للدولة قبل عقد من الزمن). إلا أن الاقتصاديين الليبراليين في الصين يخشون أن تتقاسم البنوك المملوكة للدولة والمقربين إليهم من المؤسسات المملوكة للدولة الغنائم، ولا يتركون شيئا للشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة. ويخشون أيضا من توقف الإصلاحات.
وأخيرا، نشر معهد الصين للإصلاح والتنمية، وهو معهد ليبرالي فكري بارز، تقريرا من 171 صفحة بعنوان "الأزمة المالية العالمية تتحدى الإصلاحات في الصين". ويصف التقرير الأزمة الاقتصادية بأنها أكبر مشكلة تواجه الدولة في تاريخها منذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح قبل 30 عاما (واجهت أيضا بعض الأزمات الكبيرة، خاصة احتجاجات تيانانمين عام 1989، والأزمة المالية الآسيوية عام 1997-98، وإعادة هيكلة المؤسسات المملوكة للدولة التي تسببت في فقدان ملايين الأشخاص وظائفهم).
ويقول التقرير إنه دون تنفيذ المزيد من الإصلاحات الموجهة نحو السوق، فلن تفشل رزمة الحوافز فقط في تحقيق هدفها، ولكنها ستؤدي أيضا إلى مشكلات طويلة الأجل. ويقول التقرير إن ما هو بحاجة للتغير هو ضوابط الأسعار التي تفرضها الحكومة على المياه والطاقة والاحتكارات الحكومية في صناعات مثل الاتصالات وسكك الحديد والطيران. ويدعو إلى إصلاحات مالية أسرع مثل تشجيع تطوير المؤسسات المالية غير الحكومية، وتحرير الضوابط على أسعار الفائدة، والسماح بتعويم اليوان.
وفي 13 آذار (مارس)، في نهاية الدورة البرلمانية، قال وين جيابو إنه لمواجهة الأزمة "يجب على الصين تسريع الإصلاحات". وقال إن عليها "إطلاق العنان لقوى السوق في تخصيص الموارد" وتشجيع تنمية القطاع الخاص. وقال أيضا إن عليها مواصلة الإصلاحات السياسية من أجل "ضمان حرية وحقوق الشعب". إلا أن الأزمة الاقتصادية لم تثر رغبة المسؤولين في التغيير. فالكثير منهم أكثر قناعة أن الدور الكبير الذي تضطلع به الحكومة في الاقتصاد (خاصة ملكيتها للبنوك) ونظام الحزب الواحد السائد في الدولة (في أي دولة أخرى تعلن الحكومة عن مثل خطط الإنفاق الكبيرة هذه دون نقاش لا طائل منه؟) هي أمور مساعدة وليست عقبات.
وعلى الأرجح أن الحكومة ستصبح أكثر حذرا في نهجها تجاه السياسة المحلية مع تعمق الأزمة. ولكن إذا زادت المشاعر الحمائية في الدول الغربية، سيميل القوميون الصينيون إلى مطالبة الحكومة بأن تواجه تلك الدول. والكتاب الذي نشر في الصين هذا الشهر بعنوان "الصين التعيسة" (بطبعة أولية تبلغ 70 ألفا كما تقول إحدى وكالات الدعاية) يهدف إلى استغلال ما يعتقد المؤلفون أنه شعور عام واسع النطاق بالاستياء من الغرب. ويقول أحد المقالات إن الأزمة المالية قد تؤدي إلى إثارة حسد الغرب وشن حرب على الصين لإحباطها.
وليس الكثيرون متشائمون إلى هذه الدرجة. فأحد مؤلفي الكتاب (الذي يتحدث في أحد فروع ستاربكس في أحد مراكز التسوق الفاخرة) يقول أن الحكومة تشعر بالقلق من مثل هذه الكتب لأنها تغذي الشكوك في الغرب بأن الصين تعتبر مصدر تهديد. وأزال الناشرون قسما من الكتاب بشأن ضم منطقة Sikkim من قبل الهند عام 1975، وذلك لأنهم اعتقدوا أن هذا قد يثير انزعاج الهند. وتريد الصين أن تكون الأولى، ولكنها لا تزال تفضل أن تصل إلى المكانة الأولى دون أن تكسب أعداء أقوياء.

الأكثر قراءة