وضع النوافذ في المسجد يؤثر في وظيفته
على الرغم من تباين اتجاهات التصاميم الهندسية الحديثة للمساجد اليوم، إلا أن عديدا من مهندسي ومصممي المساجد يتفقون على ضرورة مراعاة المعايير الهندسية التي من شأنها تحقيق الوظيفة الأساسية للمسجد، منطلقين في ذلك من تصميم المسجد النبوي كما كان في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم، الذي يعد النموذج المثالي في هذا الخصوص، وبالنظر إلى هذا الجانب تعد النوافذ التي بدأت في الاختفاء في كثير من التصاميم الحديثة واحدة من أهم المعايير التي يجب الاهتمام بها, وذلك فيما يخص وضعيته ومكانه، وكذلك من ناحية الوظيفة التي تقوم بها.
#2#
وفي هذا الخصوص أكد الدكتور نوبي محمد حسن أستاذ العمارة في كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك سعود في الرياض, أن وضع النوافذ في المسجد يؤثر بشكل قاطع في وظيفته، وهذا من شأنه التأثير المباشر في المصلين أثناء تأديتهم الصلاة، وأضاف نوبي أنه من الضروري مراعاة وضعية وأمكنة هذه النوافذ وعدم وجودها في مستوى نظر المصلين، وبشكل خاص في حائط القبلة أو الحوائط الجانبية. وأضاف نوبي أنه من الممكن تحقيق الاتصال بين حيز الصلاة والفراغ الخارجي من خلال الانسيابية العلوية, وذلك من خلال فتحات السقف أو من الحوائط الجانبية في مستوى نظر أعلى من المصلين وأيضاً من الحوائط الخلفية.
وأضاف نوبي أن مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما بُني في المدينة لم تكن فيه فتحات في حائط القبلة أمام المصلين، وما كان موجوداً هو فتحات في ظهر المسجد خلف المصلين للإضاءة، والأغلب أن ظلة الصلاة كانت تفتح بكامل طولها الموازي للقبلة على ظلة الصلاة.
واستند نوبي في قوله هذا إلى الحديث النبوي الذي أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "أمرنا أن نبني المساجد جماً، والمدائن شرفاً" والجم هو البناء الذي لا شرفة له, وبهذا أخذ عامة أهل العلم، ذلك لأن المساجد محل للعبادة والصلاة والذكر، فالأولى أن تجنب كل ما يشغل المصلي، وليس معنى هذا أن تجعل المساجد مظلمة ولكن يمكن أن ترفع النوافذ بحيث تكون وسيلة إضاءة، وألا يرى من في داخل المسجد من هو في خارجه.
استواء التصاميم
في الإطار ذاته عرج نوبي على بعض التفاصيل الخاصة بصحن المسجد وتحدث عن أرضيته, حيث نادى بضرورة أن تكون في مستوى واحد, لأن وجود عدة مستويات مختلفة داخل الأرضية نفسها من شأنه أن يؤدي إلى عدم انتظام الصفوف وصعوبة وصل الصف حين يكون مصل بجوار آخر وكلاهما في مستوى مختلف.
كما تحدث عن ضرورة استواء الإمام والمأمومين في أرضية المسجد, واستند في ذلك على أقوال الفقهاء الذين يرون عدم استحباب وقوف الإمام في مكان أعلى من المأمومين، إلا في حالة أن يكون للإمام غرض ما من ارتفاعه، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: "رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلس على المنبر أول يوم وضع له فكبر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى وسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتتعلموا صلاتي".
تفاصيل فقهية
وأما عن ارتفاع المأموم على الإمام فتقول المصادر الفقهية التي استندنا إليها أنه جائز، وهذا ما يتضح في الحديث الذي رواه سعيد بن منصور والشافعي والبيهقي وذكره البخاري تعليقاً عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام، وعن أنس (رضي الله عنه) أنه كان يجمع في دار أبي نافع عن يمين المسجد في غرفة قدر قامة منها لها باب مشرف على المسجد في البصرة فكان أنس يجمع فيها ويأتم بالإمام، وسكت عنه الصحابة (رواه سعيد بن منصور في سننه). قال الشوكاني: "وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطاً بحيث يكون فوق 300 ذراع على وجه لا يمكّن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع بالإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع".
وفي المسألة نفسها أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية حول سؤال هل يصح شرعاً إقامة المسجد من أكثر من دورين؟ وقد أجابت اللجنة بما يلي: "يجوز أن يقام المسجد من دورين أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويلاحظ أثناء الصلاة فيه تأخر المأمومين عن الإمام مع القرب منه حسب الإمكان للأدلة على أفضلية الصف الأول فالأول، والدنو من الإمام". وفي سؤال آخر ورد إلى اللجنة جاء فيه الاستفهام عن حكم الصلاة في مسجد مبني من دورين، لا توجد فيه سوى فتحة الدرجة فقط، وليست على رأس المحراب؟ أجابت اللجنة بجواز ذلك إذا كان هذا الطابق تابعاً للمسجد، وينبغي أن توضع فيه فتحة قرب الإمام حتى يسمعوا صوت الإمام إذا انقطع التيار الكهربائي.
والظاهر من هذا كله أن وجود أكثر من مستوى (طابق) للمأموم لا يكره وليس فيه حرج، أما مستوى الأرضية في الحيز والمستوى نفسيهما من المسجد فمن الأفضل أن تكون عبارة عن مستوى واحد لأن وجود عدة مستويات مختلفة داخل الأرضية نفسها من شأنه أن يؤدي إلى عدم انتظام الصفوف وصعوبة وصل الصف حين يكون مصل بجور آخر وكلاهما في مستوى مختلف.