كثرة شكوى الموظف أمر مزعج في العمل ومحبط للزملاء
تعبت روزا إيفانس التي تعمل مساعدة شخصية في أحد البنوك الاستثمارية من تأففات زملائها. لقد ازدادت نسبة التذمر في الأشهر الأخيرة بين المصرفيين الذين اكتشفوا انه سيتم تخفيض مكافآتهم. وتقول إيفانس تعليقاً على ذلك: "رغم أن عديدا من زملائهم فقدوا وظائفهم، ورغم أن الرأي العام يعارض حصولهم على أي نوع من المكافآت، فإنني أسمع يومياً مدى ما يشعرون به من استياء. وأقول لهم إنهم محظوظون لأنهم ما زالوا يحتفظون بوظائفهم، ولكنهم لا ينظرون إلى الأمر من هذه الزاوية".
ويصل الأمر بالذين لا عمل لهم إلا التذمر والشكوى إلى درجة أنهم يقصقصون العناوين الرئيسة السيئة من الصحف ويلصقونها فوق مكاتبهم. ولكن هل تدرون ما أثر ذلك علي؟ إنني كلما رأيت أحدهم في هذه الحال فإنني أود أن أقتله".
لا بأس أن يشعر المرء بالضيق ويبث شكواه من حين لآخر. فقد يزيل هذا ما يشعر به الشخص من إجهاد، ويؤدي وظيفة اجتماعية مفيدة، حسبما يقول جورنيك بينز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة YSC الاستشارية في علم نفس الشركات الذي يقول: "ينبغي أن نجتمع ونتقاسم همومنا. ذلك أن بث همومك للآخرين يشبه قيام السعادين بإزالة البراغيث عن بعضها البعض. إنه يقرب الناس من بعضهم بعضا".
ولكن عندما يتحول التنفيس عما بصدرك إلى شكوى مدمرة تثبط معنويات الجميع من حولك في مكان العمل، فإنه يصبح شيئاً ضاراً وقد يفقدك وظيفتك خاصة في ظل الركود الذي نعيشه.
وحسب ثيري جويدج، العالم النفسي المختص في أماكن العمل بجامعة بوسطن: "إن الأشخاص كثيري الشكوى يتعرضون لاحتمال الفصل من العمل في ظل الركود أكثر من غيرهم إذ لا أحد يريد أن يراهم حوله. ذلك أن وجود موظفين يدأبون على الشكوى باستمرار من أكثر معوقات العمل، إنهم يخفضون المعنويات ويقللون الإنتاجية".
ويضيف جويدج أن كثرة الشكوى يمكن أن تثير الخلافات. ذلك أن "حالات الانكماش الاقتصادي تقتضي أن يأخذ الناس بأيدي بعضهم بعضا وأن يثقوا في بعضهم البعض. والمقلق في الأمر أن الناس الذين لا هم لهم إلا انتقاد الآخرين قد ينتقدونك من وراء ظهرك".
وحتى إذا كان لديك سبب وجيه للشكوى، كمستويات القلق العالية، فإن أوقات الركود الاقتصادي قد تستدعي أن تظل متفائلا قدر الإمكان. وتقول جانيت بانكس التي أشرفت على العديد من عمليات فصل الموظفين بسبب زيادتهم عن حاجة العمل بصفتها نائبة الرئيس للموارد البشرية في بنك تشيز منهاتن خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 1994، ومديرة عامة لشركة فليتبوسطن المالية من عام 1996 إلى عام 2003: "لا أحد يرغب أن يكون في نفس المكان مع شخص تعيس يثبط معنويات الجميع".
إن النقد ليس سيئاً تماماً. إذ يرى جويدج أنه يمكن أن يساعد في تحديد المشكلات وتحدي الأمر الواقع للشركة. ويقول في هذا الصدد: "من الجميل أن تتذمر طالما كان التذمر فيه فائدة للشركة. وعلى سبيل المثال، فإن التذمر من تدني مستوى المبيعات في شركة ما يعتبر مؤشراً على وجود مشكلة ينبغي معالجتها".
ويقول بينز إن المهم في الأمر أن تكون بناءً. ويضيف قائلاُ: "النظر إلى السلبيات قد يكون مفيداً، ولكن فقط إذا عملت على التخلص منها".
ويضرب مثالاً برئيس تنفيذي تم تعيينه حديثاً وتعرف في اليوم الأول من عمله على ما يواجه الشركة من مشكلات واشتكى للمدير العام عنها". في البداية، سر المدير العام لأن الشخص الذي عينه حديثاً وضع يده على المشكلات. ومن الطبيعي والعادي أن يتذمر الأشخاص من المشكلات التي ورثوها". ولكن سرعان ما اتضح أن تركيز الرئيس التنفيذي منصب على السلبيات فقط. ولذلك تم إخراجه من الشركة بعد وقت قصير.
ويقول بين ليختلين، مؤلف كتاب "تخلص من التكلفة العالية للمعنويات المتدنية" إن المهم في التذمر هي أن يكون المرء مقتصداً في انفعالاته. ويضيف: "ثورة غضب سريعة يمكن أن تساعدك على التخلص من التوتر والعودة إلى العمل المنوط بك بطاقة متجددة. والكلمة المهمة هنا هي السرعة".
ولكن ماذا لو لم تكن أنت المتذمر؟ إذا تحول أحد الزملاء إلى شخص يواظب على النحيب، فينصحك ليختلين بأن تتجنبه. ذلك أن هذا الشخص وأمثاله " يمكن أن يدمروا مستقبلك المهني. قاوم ما يدعوك إلى التعاطف معهم عبر إضافة ما لديك من شكاوى. ابتسم بأدب واذهب في سبيلك. وإذا لحق بك هؤلاء، فأغلق الباب في وجوههم وأخبرهم أن لديك عملاً مستعجلاً ينبغي أن تنجزه، أو اطلب منهم أن يساعدوك في عملك. والأرجح أنهم سيتركونك وشأنك".
وهناك من يتبع أسلوباً غير رسمي . إذ يتذكر أحد المسؤولين التنفيذيين زميلة معروفة بسلبيتها حيث يقول عنها: "كانت تسبب الكآبة لدرجة أنه إذا صادف أن أمسكت بأحدهم وبدأت تتذمر له لمدة تزيد على خمس دقائق، كنا نقوم بإنقاذ الضحية عبر الاتصال على هاتفه الداخلي".
إن مواجهة شخص كثير التذمر يمكن أن تكون أمراً مربكاً خاصة إذا كان أعلى منك مرتبة. يوجد مستشار في ولاية ميريلاند بالولايات لمتحدة اسمه مارك امتاور كان يواظب بانتظام على حضور الاجتماعات التي تعقدها شركة مملوكة للعائلة. يقول في هذا الصدد: "كانت إحدى البنات كثيرة النحيب والشكوى. وفي منتصف العرض الذي كنت أقدمه كانت تبدأ بالنحيب بصوت منخفض لمدة طويلة. التفت إليها وقلت لها بفظاظة: هلا كففت عن النحيب!" كانت عائلتها تتساهل إزاء سلوكها هذا. ولم تكن لدى الموظفين الشجاعة الكافية لمواجهتها. وقد شجع اعتراضه على نحيبها الموظفين الذين يعملون لديها. ففي إحدى الزيارات اللاحقة، سر امتاور عندما رأى أنهم وضعوا لافتة تقول: هذه منطقة لا يسمح فيها بالنحيب".
كيف ينبغي أن يتعامل المدير مع موظف كثير الشكوى؟ يورد ليختلين قصة عامل في تقنية المعلومات بإحدى شركات التأمين كان لا يكل عن الإساءة للآخرين. وكان محاطاً بمجموعة على شاكلته –ناد للنواح والشكاوى. لقد كانوا غير منتجين بالمرة وكانوا يتسببون في إيجاد التوتر بين العاملين عبر نبذ كل من لا ينضم إليهم.
وبدلاً من مراقبة موقف عامل تقنية المعلومات، بدأ يعقد اتفاقيات عمل، وذلك بالاتفاق على وضع أهداف ومراقبة ما إذا كانت المعلومات تمرر بصورة فعالة. في نهاية المطاف، لم يتمكن العامل المذكور من تحقيق الأهداف التي وضعت له وغادر الشركة.
التعامل مع شخص اعتاد على التذمر أمر يختلف كثيراً عن منع كافة أشكال التذمر في مكان العمل. والمدير الذي يتجاهل الامتعاض كلية شخص مخطئ"، كما يقول بينز. "هناك بعض القادة الذين يحجبون أنفسهم عن الجانب السلبي ويجعلون من الصعب إيصال الأخبار السيئة إليهم. وهناك عموماً بعض الأسباب الحقيقية للشكوى مما يتعين معالجته". وهو يرى أن القائد الجيد "قادر على رؤية الجانب السلبي ولكنه يفعل شيئاً إزاءه".