محطات الطرق .. مشاهد مسيئة بامتياز!!
محطات الطرق .. مشاهد مسيئة بامتياز!!
يبدو أننا لن نضيف جديدا إذا ما قلنا إن "محطات الوقود" باتت الملاذ الأكثر أمنا للعمالة غير النظامية، والتي أجادت اللعبة فأحالتها إلى بؤر فاسدة تلتقي فيها كل الممنوعات.
ففي الوقت الذي استطاع فيه كثير من دول العالم أن يجعل من مراكز خدمة الطرق محاور لتطوير البيئات والمواقع المحيطة بها، إلا أنها مازالت تعمل بصورة مغايرة لذلك في السعودية.
ولقد أصبحت تلك البؤر تمتلك قوة ثلاثية أبعادها "التستر" و"المنافسة غير الشريفة" وانعدام الرقابة" ملقية بظلال عديد من المشكلات والآثار الأمنية والاقتصادية والصحية والبئية على الوطن والمواطن.
وفي محاولة من "الاقتصادية" لتعرية المشكلة والتعرف على تلك الأبعاد فإنها ستتناول بالوقائع والصور (ضمن سلسلة هذا التحقيق المكون من ثلاث حلقات) رصدا لأسباب الواقع الهزيل لـ "المحطات" لنلقي الضوء في هذه الحلقة على الأسباب ونقف على أحوال المتعاملين معها.
ولعلنا لن ندعي على الحقيقة إذا ما قلنا أن بعض من محطات الوقود ومراكز الخدمة الملحقة بها، بات يعمل اليوم كستارة لتغطية عمليات ترويج وبيع كل شيء بدءا من المخدرات والأفلام الإباحية والإطارات الفاسدة والبنزين المخلوط وليس انتهاء بالمواد الغذائية منتهية الصلاحية، في خضم اندفاع ملاكها إلى تقديم خدمات بتكاليف منخفضة دون النظر إلى العواقب الوخيمة لذلك .
أول ما يتبادر إلى الذهن سؤال كبير مفاده: من المسؤول عن ذلك؟ ومن المسؤول عن المتابعة والرقابة؟ بل من المسؤول عن تلاعب العمالة الوافدة بكل شيء وبيعها كل شيء؟ من المسؤول ومن ومن؟
#2#
مراسلو "الاقتصادية" جالوا على عدد من المحطات على طرق السفر البعيدة والقريبة في كل من: الرياض، جدة، الدمام، الأحساء، المدينة المنورة، وأبها ورصدوا شهادات مرتادي تلك المحطات وردود أفعالهم وخرجوا بمشاهد وصور تحكي واقعا مسيئا.. سنعرضه كما هو، وإليكم التفاصيل:
#3#
التستر.. سيد الموقف
من جانبهم، اعترف عدد من المستثمرين بأن غياب الرقابة من تلك الجهات تسبب في تردي الخدمات وأدى إلى تشغيل عمالة مجهولة وتأجير تلك المحطات لوافدين يقومون بتشغيل بني جلدتهم والمجهولين جراء مبالغ مالية شهرية يحصل عليها المتستر، يقول سطام الهاجري (مستثمر في محطات بنزين) "التستر هو أهم أسباب المشكلة فهو سبب للمشكلات الأمنية والصحية والبيئية وسوء التنظيم والترتيب والأوساخ وضعف الاهتمام فالمحطة باسم سعودي والمشغل أجنبي، ومن المؤكد أنه لن يدفع أي مبلغ إضافي لنظافة دورات المياه أو غيرها من الخدمات، بل حتى مستوى السلامة داخل المحطة يزداد سوءا يوما بعد يوم خصوصا والرقابة معدومة سواء من الجهات المختصة أو من المالك الأصلي".
#4#
ضعف الرقابة وتجزئة الخدمات
وزاد سعيد الودعاني (أحد المستثمرين في مجال محطات الوقود) قوله: "كل مشغل يحرص على الجانب الذي يعمل فيه ويهمل الجوانب الأخرى للمحطة مثل دورات المياه، أو المسجد"، علاوة على عدم الاهتمام بالجانب البيئي والحفاظ على نظافة المحطة، ورقي الخدمات فيها. فيما يضيف مواطن آخر "من المؤكد أن تجزئة الخدمات تضاعف مشكلات الرقابة".
#5#
الاشتراطات والضوابط
ويعود سطام الهاجري ليضيف سببا فيقول: "مع وجود حاجة ماسة إلى إعادة النظر في الاشتراطات والضوابط المطلوبة لإنشاء محطة بنزين سواء داخل المدينة أو خارجها ووضع تعهدات عند طلب رخصة إنشاء محطة بنزين، فالأمر بحاجة أيضا إلى متابعة ومراقبة التطبيق ووضع غرامات مالية كبيرة".
مؤكدا ذلك بقوله: "لا نريد لائحة يكون مصيرها الأدراج" واصفا المحطات بأنها قد أصبحت "بيئة مفتوحة للتستر غير مولدة لأي فرص لتوظيف السعوديين، بل إنها طاردة لهم".
#6#
مواصفات الخزانات.. سبب
وكان عدد من رجال الأعمال وملاك محطات الوقود قد أجمعوا أن القائم حاليا منها لم تراع فيه بالمجمل المواصفات القياسية العالمية كمتانة جدران الخزانات الأرضية و منعها التسرب مؤكدين أن كثيرا منها يتسرب من جدران خزاناتها آلاف اللترات من البنزين والديزل ما يشكل خطرا محدقا بالسكان مع وجود احتمالية لدخولها على شبكات كهرباء وما يقود للتسبب في حرائق قد تولد كوارث بيئية.
يقول محمود رشوان رئيس اللجنة التجارية في الغرفة الصناعية في المدينة المنورة و أحد المستثمرين في قطاع المحروقات إن للقطاع مواصفات عالمية و مقاييس محددة للأبعاد المطلوبة بين خزاناتها و القطر المطلوب لجدرانها إلى جانب المسافات بين مكامن الخطر فيها غير أن هذه المقاييس لا تطبق لدينا في المملكة.
ويضيف: للأسف المواصفات والمقاييس العالمية لا تطبق بالرغم من كونها تطبق بشكل كامل في بلدان أضعف وفقا للمواصفات والمقاييس الأوروبية والأمريكية.
منتقدا مهمة الدفاع المدني الحالية والتي تقتصر على الوقاية ظاهريا من أسباب الحوادث والحرائق دون التأكد من تطبيق اشتراطات السلامة بالشكل السليم على بناء وتأسيس محطات المحروقات وعلى أنواع خزانات الوقود التي من الممكن أن يكون بعضها من نوع سريع الاشتعال أو يسهل مهمة الحرائق في الوصول إلى أبعد مدى.
فيما تكتفي البلديات بمتابعة التراخيص للمطاعم والمرافق الخدمية الأخرى دون أن يترافق ذلك مع مراقبة مشددة على نوع الطعام المقدم في تلك المطاعم والاستراحات .
وأرجع الدكتور عبد الرحمن يماني وهو رئيس تنفيذي لإحدى الشركات الكبرى العاملة في مجال تسويق المنتجات النفطية سبب وجود مشكلات عديدة في محطات الوقود في السعودية إلى غياب أي تصنيف لها وبخاصة على الطرق السريعة إضافة إلى مشكلاتها الأخرى.
المنافسة الحادة
وزاد الدكتور يماني "هناك أيضا المنافسة الحادة وهي ناتجة عن وجود عدد كبير من المحطات يدار من قبل أفراد أغلب همهم الربح وليس خدمة المسافر بشكل لائق ومريح مع عدم وجود مثل أعلى من المحطات يمكن أن يحتذى.
تدني الرواتب
فيما أشار منصور الهندي صاحب محطة وقود على طريق أبو حدرية في المنطقة الشرقية قائلا: "في حين أن توافر وسائل السلامة أمر مهم للغاية إلا أننا نهمل تدريب العمال على استخدام تلك الوسائل، فنحن نستقطب عمالة غيرمدربة وليس لديها استعداد للتدريب أو أهمية السلامة، وذلك بسبب تدني رواتبها الشهرية".
التأجير بالباطن
ويوضح صالح الغامدي (مالك محطة على طريق الملك فهد في الدمام) أن سبب تردي المحطات يرجع لكون أغلب المحطات مستأجرة من قبل ملاك ليسوا بملاكها الأصليين، فلا يهتم المستأجر بمظهر المحطة وتحسين مستواها الجمالي، ناهيك عن تأجير محال لبعض العمالة الوافدة التي تستثمر تلك المحال، غير مبالية بأي تنظيم أو توفير لأمور السلامة، بل إن هدفها الأكبر والوحيد هو الربح.
تصدعات وقاذورات ومواد فاسدة
وحول الآثار المترتبة على تردي أوضاع المحطات على الطرق السريعة بين المواطن تركي الثميري أن أغلبها صار يعاني تصدعات وانخفاضا بسبب انتهاء صلاحية أرضيتها ما يسبب ضررا كبيرا على المركبات خصوصا مع كثرة مرور الشاحنات بحمولتها الثقيلة ،إضافة إلى انتشار الأوساخ والقاذورات في المرافق " فلا دورات مياه نظيفة،ولا سجــاد يصلح لأداء الصلاة ،ولا كهرباء أحيانا ولا تشجير بل قد تجد البنشر بجوار المطعم ما يؤثر في الحالة الصحية العامة. ومع ذلك فلا حياة لمن تنادي!!".
فيما ذهب المواطن عبد العزيز السعد إلى ابعد من ذلك فقال" إنه لاحظ ترويجا لبعض المنتجات غير الصالحة للاستخدام وبيعها للناس من قبل بعض العاملين، سواء من خلال المطاعم والبوفيهات، أو من خلال مراكز التسوق ومحال بيع قطع الغيار مشددا على أهمية تدخل الجهات المختصة.
مشكلات أمنية
من جهة أخرى، أثار المواطن عادل الشهري مشكلة انعدام الأمن في الأوقات المتأخرة من الليل إضافة إلى مشكلة "التستر" لافتا إلى أنه يحدث ليلا أحيانا وبالتزامن مع رغبة بعض السائقين بالتزود بالوقود أن تصبح المحطة أشبه بالمصيدة، لسرقة المسافرين المتعطلين ليلا، مشيرا إلى وجود محطات كثيرة بلا مرافق على الطرق البعيدة، فيما وصف علي سعد الأحمري عديدا من المحطات في المنطقة الجنوبية من المملكة بأنها أضحت مصدر قلق وخوف وذعر للمسافرين- على حد قوله.
وبحماسة واستياء يقول مواطن آخر" إن من يرتادونها تصدر عنهم تصرفات تدعو للريبة والشك فضلا عن أن الاستراحات الملحقة بمحطات الوقود تعد مصدرا للأمراض الجلدية وانتشار الأوبئة نظير غياب النظافة وعدم الاهتمام بالمفارش التي لا يتم استبدالها لأشهر إضافة إلى العبارات السيئة التي تخدش الحياء والتي امتلأت بها جدران الغرف" وأعرب المواطنان عن أملهما أن تتم ترسية محطات الوقود على شركات كبيرة متخصصة لإدارتها في أسرع وقت.
عامل يجلب عاملا
وكان مواطنون آخرون غرب السعودية قد كشفوا لـ "الاقتصادية" عن وجود ظاهرة يمكن وصفها بعبارة "عامل نظامي يجلب عاملا غير نظامي" حيث أوضح عدد من مرتادي محطات الوقود الشهيرة الواقعة بين مدينتين في غرب المملكة أن المحطات التي استجلبت في البداية عددا من العمال لملء الوظائف المطلوبة في الخدمات الضرورية للمسافرين بدأت تشهد من خلال هؤلاء العمال أنفسهم جلب المزيد من العمال بطريقة غير نظامية حيث وجدوا في مواقع تلك المحطات مرتعا آمنا لممارسة "بيع كل شيء" وأعمالا تصعب ممارستها في أماكن أخرى خصوصا داخل المدن، من هنا يتساءل خلف مرزوق (45 عاما) والذي يعمل سائق أجرة فيقول: أعرف حال الكثير من المحطات خصوصا في الطرق السريعة فكيف لعدد وافر من العمال أن يقدموا عددا قليلا من الخدمات الضرورية في المحطة؟ في حين لا تحتاج إلا إلى عامل واحد أو عاملين لتعبئة السيارات بالوقود والعدد نفسه لأعمال (البنشر) وخدمات أخرى صغيرة لا تحتاج إلى عمالة ضخمة!
إنك تلحظ بسهولة وجود عدد كبير من العمال لدى بعض المحطات متسائلا.. ماذا يفعلون؟، ويبين أنه اكتشف أن العمال الزائدين عن الحاجة يسددون أجور استقدامهم وتشغيلهم لعمال آخرين.
والأمن يكشف الغش أيضا
يقول المستثمر محمد يحيى الألمعي من أغرب المواقف التي مرت بها حين تقدم عدد من المواطنين بشكوى للجهات الأمنية بحجة أن سياراتهم تعطلت بعد أن زودوها بالوقود من محطته ليتم إحالة العاملين بالمحطة للشرطة ويكتشف قيام أحد الوافدين من العاملين في المحطة بإضافة مياه إلى صهريج الوقود!!
هذان الطريقان
ونبه الألمعي إلى افتقار طريقين للعدد الكاف من المحطات فقال " طريق القصيم المدينة الجديد وطريق جدة ينبع الجديد يفتقران للمحطات ويغلب عليهما سيطرة أفراد وبعضهم عمالة أجنبية تم التستر عليها عن طريق بعض المواطنين ولقد أدى ذلك إلى عزوف الشباب السعودي عن العمل كعمال في هذه المحطات علاوة على العزوف الموجود لديهم أصلا عن العمل في قطاع محطات الخدمات البترولية حتى وإن كانت داخل المدن".
المحطات والمخدرات..أحمر وأخضر
ويعود السائق خلف مرزوق معلقا على وضع تلك العمالة المخالفة "ليس أمامهم إلا الممنوع والقصص التي نسمعها حول بيع الممنوعات والاتجار بالمخدرات يقف خلفها عمالة من هذا النوع تساندها ظروف البعد الجغرافي لبعض المحطات عن دوائر المراقبة المباشرة.
فيما يقول سائق آخر بعض العمال يسأل بأسلوب ماكر فيقول "أحمر أو أخضر؟" وهو لا يقصد السؤال عن نوع البنزين (أوكتين 95 وأوكتين 91) بل يلمح بطريقة خبيثة إلى بعض أنواع المخدرات رائجة الاستعمال عند المدمنيين على هذه المواد القاتلة! وينصح السائقين بقوله "إذا سألك عامل المحطة عن نوع البنزين الذي تريد؟ فلا تجبه بالألوان بل بالأرقام".
البيئة متضرر أكبر
وشكا عدد من المزارعين في خميس مشيط قيام بعض المحطات بضخ مخلفات الوقود والزيوت والتشحيم في العراء وسط الشعاب ما أدى إلى استقرارها وسط الطرق ووسط المزارع وأضر بهم وأدى إلى اختلاطها بالمياه الجوفية ونتج عنه فساد مياه بعض الآبار وتحولها إلى مياه غير صالحة للري إضافة إلى تسببها في هلاك الزرع والضرع وتفاقم مشكلة (الكفرات) القديمة التي جمعت خلف بعض المجمعات البترولية والتي يقبع جوارها عدد من السيارات التي يشك في أمرها وسلامة إجراءاتها الأمنية حيث تقع في مكان معزول خلف تلك المجمعات.
د. الحمد : نحن بحاجة إلى تحرك عاجل وتكوين لجنة
طالب الدكتور محمد الحمد رئيس جمعية حماية المستهلك بألا يدير محطات البنزين والعناصر الموجود فيها أفراد بل كيانات متخصصة، لها خطط وفكر، وليس كما نراه الآن من انتشار المحطات بجانب بعضها، مضيفا "علينا أن نهتم بجانب السلامة المرورية لمداخل ومخارج هذه المحطات، وأن تكون للمحطات مخارج ومداخل في الزوايا الأربع من الطريق، توفير خدمات إسعافية" مشددا على الحاجة إلى مراكز خدمات تحوي جميع عناصر الراحة وتحقيق الاحتياجات وليس إلى كم هائل من المحطات كما هو حاصل الآن، مؤكدا ضرورة التحرك لتكوين لجنة للنظر في موضوع محطات واستراحات الطرق عاجلا.