الطفولة الآمنة .. متى تتحقق؟

أشفق على هذه الطفلة التي أصبحت مادة للإعلام على مدى سنوات, وازداد الوهج الإعلامي أخيرا وهي الطفلة التي لقبوها بـ (طفلة اللعان) واكتملت مأساتها ليس بما ينشر من دقائق قصة والديها واتهام الزوج زوجته والدتها بعدم شرعية الجنين الذي كان في بطنها! لقيامها بشكواه في قسم الشرطة بعد تكرار اعتدائه عليها بالضرب, الذي كان سببا في طلاقها منه سابقا قبل أن تعاد إليه, وكما نشر أنه عندما تم استدعاؤها للمحكمة اعتقدت أن القضية تتعلق بالشكوى المقدمة ضد هذا الزوج, ولكنها فوجئت بأن زوجها أنكر أبوته لما في بطنها! وولدت الطفلة وهي غير معترف بها من قبل من يفترض أنه والدها. استقبلتها الدنيا محملة إياها بمثالب واقع أخفق والداها في ترميمه, وتم اللجوء إلى القضاء كي ينتهي كل رابط شرعي ولكن عبر اتهامات لم تحسم حسبما نشر, فالأم أنكرت, ولكن الانفصال وقع وأصدرت المحكمة صكا شرعيا بذلك, وكانت هي الضحية
وهناك تفاصيل أخرى مرعبة ومحزنة ومخيفة في الوقت نفسه, امتدت على مدى سنوات عمرها وهي تدخل عامها العاشر الآن دون تعليم! إلا لمدة عام أو عامين حسبما نشر في بعض الصحف ولا أعرف مدى مصداقيتها, فالخلط في النشر عن هذه المأساة لا يحتمل.
لم يتم الاكتفاء بالحديث عنها وذكر قصتها والإعلان عن اسمها ووالديها باسميهما الكاملين! وكان الأفضل عدم التصريح بذلك. وهو ما اعتبره انتهاكا لنشر قصتها إعلاميا! بل أيضا اكتملت المهزلة بنشر صورتها في الصحف ومشاركتها في المؤتمر الذي عقد في الرياض لمواجهة العنف ضد الطفولة.
أعرف أن هناك ثورة لما بدر من هذا الزوج وإنكاره أبوتها, وتعاطف من الجميع معها لحرمانها من التعليم لعدم وجود الوثائق الرسمية التي تطالب بها جهات التعليم. وجميعنا يرفض هذا الموقف وهذا الإجحاف في حقها, ولكن أثق تماما بأن التناول الإعلامي ليس صحيا ولا نظاميا, فلا يصح تصفية العنف بين الزوجين بهذا الأسلوب, ولا يصح أن نوافق في المجتمع بهذا الاستعراض لهذه التفاصيل الصغيرة متوجة بتعريف من هي الضحية!
أثق بأن ما يمر بهذه الطفلة هو الألم الذي قد لا يمحى من ذاكرتها على مر السنوات, فهي أصبحت قصة للنشر وللتداول وللشائعات أيضا والإضافات على قصة والديها, فعدد من الصحف كتب إضافات على هذه القصة المحزنة لها! ثم عاد وأنكرها!
هي سطور إذا تكتب ثم يعتذر عنها وينسى من كتبها ومن نشرها أي شيء يتعلق بها بعد ذلك؟! ولكن هذه السطور نجدها تحفر آثارها الدامية في هذه النفس البريئة الغضة. ولنتخيل ما الذي ستحمله هذه الذاكرة من مشاهد محزنة ومؤذية من هذه الوقائع ؟
بل من عبارات عن حد القذف وحد الزنا! واستخدمت هي وسيلة ضغط على من أنكر أبوتها! ووسيلة استدرار للقضية التي كان يفترض أن تحسم منذ سنوات, خصوصا أن مسؤولا في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة, ذكر أن الجمعية تتابع نتائج هذه القضية أولا بأول مع الجهات التنفيذية المختصة بما يكفل حقوق هذه الطفلة وإثبات نسبها. وأن خالها وإخوتها كانوا يتابعون هذه القضية مع القضاء!
أنا هنا لن أتدخل في شرعية أو رفض استخدام تحليل الحمض النووي DNA لحسم الموضوع بل المأساة, ولكن أثق بأن الوسائل المستخدمة الآن وهذا الانتشار الإعلامي لهذه التفاصيل الدقيقة جناية على الطفلة بمستوى أعلى من مستوى إنصافها قضائيا وإعلاميا.
وقيل إن هذه الضحية طفلة العشر سنوات، وجهت رسالة إلى الأب المفترض, دعته إلى حسم مصيرها في قضية لا ذنب لها فيها، مؤكدة أنها تأمل في التمكن من عيش طفولتها، وتلقي تعليمها كبقية الأطفال بدلا من تحميلها المسؤولية في القضية.
والدتها المنكوبة في أمومتها وشرفها تردد: (ليتني مت وماتت .. )! وتستعيد البداية مع زوج سيئ الأخلاق- حسب أقوالها - كانت تسليته اليومية ضربها وضرب أطفالها التسعة، أثبتت وبصكوك شرعية حالات الضرب تلك والاعتداء عليها وكانت حاملا بالطفلة صاحبة القضية في الشهر الثالث.
بعد حصول الطلاق رفض الزوج إثبات بنوته للطفلة ووصل الأمر لقضية اللعان لتلحق الطفلة بالأم التي توجهت إلى عديد من الجهات الحقوقية والحكومية لإجبار الزوج على إجراء تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) ولكنها لم تجد أذنا صاغية!.
حرمت الطفلة من دخول المدرسة والعلاج بسبب نقص أوراقها الثبوتية، بينما يشعر أشقاؤها بالعجز ويقول شقيقها الأكبر الذي رفض الكشف عن اسمه! بينما اسمها ينشر في كل الصحف: (عشر سنوات ونحن نحاول بكل الطرق إقناع والدي بأن يعترف بفاطمة ويمحو العار الذي لحق بنا ولكنه رفض).
ويصر الوالد بحسب أقوال الأم على أنه لن يجري التحليل إلا بأمر ملكي، مدعيا أنه لا أحد يجبره على إجرائه.
أعود مرة أخرى للتأكيد على أن المفروض أن يتعامل الإعلام مع هذه القضايا دون الإفصاح عن الأسماء, فالذاكرة الاجتماعية ستحتفظ بتفاصيل مأساة هذه الطفلة سواء تم إيجاد حل شرعي وقضائي أم لا. وستكون هي المتضررة بالدرجة الأولى الآن ولاحقا. ولا أعرف ما دور الاختصاصيين النفسيين ورأيهم في نشر هذه التفاصيل عن مأساة الطفلة؟ وأيضا جميع ما يتعلق بقضايا الاغتصاب, وأهمية عدم نشر الصور أو الأسماء.
إن الصحف ترفض نشر أسماء المرتشين الذين يتاجرون بصحة الأفراد, بل تنشر صور المجرمين بعد تضليلها! فكيف تتم استباحة طفولة وأمن هذه الطفلة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي