عبد العزيز الشويعر: رجل قدّر النعمة فأحسن العطاء لبلده ومواطنيه!
لم أتعود الكتابة عن الأشخاص، إلا مرة واحدة فيما أذكر، كتبت فيها عن الأمير سعد بن خالد، بعد وفاته، رغم أنني لم أعرفه في حياته، لكن استثارني ما عرفته عنه، وما انعكس في خاطري من شعور بالخسارة لعدم معرفتي به، وكان محور ما كتبت هو لماذا لا يعرف الأفذاذ إلا بعد وفاتهم؟ في حين أن من حق الناس أن يعرفوهم ليقدروهم، ويقتدوا بهم، ويدعوا لهم.
واليوم لا أجد حرجا في الكتابة عن شخصية يندر وجود مثلها، ليس فقط في البر والوفاء والعطاء، بل في الصفات الشخصية التي قل أن تجتمع، جنبا إلى جنب، مع الثروة!..، ذلكم هو رجل الأعمال الأستاذ عبد العزيز بن علي الشويعر (أبو زكي)، وكتابتي عنه تأتي من منطلقين، الأول الإشادة بدوره المهم في المجتمع، الذي قد لا يعرفه البعض، فلعل ذلك يكون محفزا ودافعا لغيره للاقتداء به، والسير على نهجه، والثاني أن الكتابة عنه، وهو موجود، تأتي من باب وفاء المجتمع له، وإشعاره بالتقدير لما يقوم به في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه، وإضفاء اللمسات الإنسانية على مختلف جوانبه، فالأستاذ الشويعر منحه الله حظا وافرا من الذكاء والفطنة ساعده على تلمس أوجه الخير، فأسهم فيها إسهاما فاعلا، وكأنه ممن عناهم الشاعر بقوله:
تراه إذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
تعوّد بسط الكف حتى لو أنه
ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله
وحين يبسط كفه فإنه يبسطها في خفيه، حتى لا تعرف شماله ما تنفق يمينه، مع كرهه الشديد للإعلان عما ينفق، والذي لا يعرف الناس منه شيئا، إلا ما ينشر أحيانا من خطابات شكر من قبل الجهة المتلقية، وحين ينفق يبدو وكأنه يتمثل بقول الشاعر:
لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى
وإن قلّ مالي لم أكلفهم رفدا
ولا أحمل الحقد الدفين عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلا
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
وأعلم يقينا أنه سيعتذر لو أنني استأذنته في الكتابة، لكن أحسب أنني "أمون" عليه بحكم علاقة الأخوة والصداقة، التي تربطني به منذ عقود، لم تشبها شائبة من أي شراكة، غير شراكة الود العميق، عندما تزاملنا في العمل سويا في ديوان المراقبة العامة، حينما لم يكن أحد منا يملك رصيدا غير رصيد الأمانة والإخلاص!....
إن من أتحدث عنه يعد مثالا للعصامية بمعناها الحقيقي، حيث بدأ أعماله من دكان صغير لبيع البرسيم يملكه والده، رحمه الله، ولم يبدأ من ثروة، كغيره، وكان سلاحه في عمله الأمانة، والصدق، وحسن الخلق، وأحسب أن هذه الصفات قد فتحت له أبواب الرزق من كل جانب، وصفة حسن الخلق هذه عرفتها فيه منذ اللحظة التي عرفته فيها، فهو يقوم للصغير كما يقوم للكبير، ويقرب البعيد مثلما يقرب أقرب الناس إليه، كما يحرص على عيادة المرضى، وزيارة كبار السن، وحضور المناسبات الاجتماعية، وحين يكون هناك عزاء فإنه لا يكتفي بزيارة واحدة، بل تجده ملازما لأهل الميت، يواسيهم ويتقبل التعزية معهم وكأنه واحد منهم، وعلاوة على ذلك فهو نموذج للوفاء، إن غفلت عنه لم يغفل عنك، وإن نسيت الاتصال به، بادر بالاتصال بك، وإن زرته وجدته متهللا مغتبطا لزيارتك، وإن دعاك كنت أنت المتفضل في نظره بقبول دعوته، وإن دعوته كنت كأنك المدعو عنده!....
مما يبهرك فيه تواضعه الجم، الذي يندر أن يتوافر لغيره، فلم تغير فيه الثروة هذه الصفة، إن لم تكن زادته تمسكا بها، ويبدو أن صفة التواضع هذه متأصلة في هذا الرجل، حيث جيّرها بدوره لأفراد أسرته، ومن ذلك التزامه بتزويج أبنائه وبناته ضمن احتفالات أسرية حميمية، محدودة، بعيدا عن المظاهر، رغم إمكاناته!..،
أما بره بوالده، رحمه الله، ووفاؤه له، طيلة حياته، وأثناء مرضه، فهي قصة أخرى يجب أن تروى للأجيال، لعلها تستفيد منها، وتقتدي بها، في برها بالوالدين، إذ لم يسبق لي أن رأيت رجلا في مثل سن (أبي زكي) ومكانته يعامل والده بمثل ما كان يفعل!...
إن أصحاب الثروة، في هذا البلد، كثيرون، وفيهم من يفوق (أبا زكي) ثروة، وقد جمعوا ثروتهم بفضل ما وفره لهم هذا الوطن، من بيئة استثمارية ملائمة، لا يوجد مثيل لها، لا يسأل فيها صاحب الثروة عن شيء، فيما عدا حق الله، أي الزكاة، ومع ذلك لا يؤديها على وجهها الصحيح إلا القليل منهم، كما أن مجالات البر كثيرة، ولم تعد قاصرة على الأمور التقليدية التي كانت معروفة، مثل بناء مسجد بجوار مسجد، فقد اجتهد علماؤنا، ووفقوا في توسيع دائرة الأعمال الخيرية، حيث شملت الإسهام في مكافحة الأمراض الخبيثة والمستعصية، كالسرطان، والفشل الكلوي، والتوحد، وزراعة الأعضاء، ورعاية الأيتام، وإطلاق السجناء، وتوفير المساكن للفقراء، وإنشاء المراكز الصحية، والمستشفيات، ودور الإيواء، والمدارس، وأعمال الوقف، وكراسي البحث في الجامعات، وغير ذلك كثير من مجالات البر التي لا تحصى، ولو أن كل صاحب ثروة خصص، على سبيل المثال، 5 في المائة من ثروته (عدا الزكاة) لمثل هذه الأعمال، فإن ثروته لن تنقص بسبب ذلك، بل ستزيد، ويبارك الله له فيها، كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده"، وإنني لأعجب ممن وهبه الله الثروة، حين يقصر عن أعمال الخير، وأمامه هذا الوعد، من الصادق الأمين، بأن يعوضه الله عما ينفق، وعلاوة على ذلك، فإنه سيكسب حب الناس ودعاءهم له، وراحة الضمير في الحياة، والذكر الحسن بعد الممات.
والله من وراء القصد!...