الصحة .. كيف نحافظ عليها ؟ ملفات مفتوحة أمام الوزير الجديد

عندما يكون الحديث عن الصحة في أي مجتمع فذاك يعني الحديث عن (صحة أمة كاملة) بجميع أفرادها في مختلف مراحل أعمارهم, ومستوياتهم التعليمية, وفي جميع مواقعهم ومناطقهم, مهما كانت نائية, فهو حقهم الشرعي ومن هنا تأتي أهمية تحسين هذه الخدمات ومحاسبة أي مقصر في أدائها وعدم إلقاء التبعات على المواطنين فقط وأنهم مسئولون كما أن وزارة الصحة مسؤولة!!
إن الحديث عن الأخطاء الطبية وحدها هو حديث الهموم والآلام والجراح النفسية، التي ينكأها ذكر هذه العبارات فكم من غال فقدناه أو أصيب بمرض مزمن أو إعاقة مرضية حبسته عن ممارسة حياته وأداء عمله, وأصبح عالة على آخرين يقومون عنه بخدمته لأن هناك خطا طبيا في التشخيص أو إجراء العملية أو نقل الدم أو عدم وجود الرعاية التمريضية السليمة, أو إعطائه الدواء الخطأ أو الجرعة الخطأ!! أو أن عملية إسعافه تأخرت لعدم وجود الطبيب المناوب أو الطبيب المختص أو بعد المنطقة التي سينقل منها هذا المريض كي يبحث عن العلاج في مستشفى آخر توافر فيه الرعاية والعلاج!!
هذه صفحات ليست مضيئة جميعها في تاريخ وزارة الصحة, قد نجد من سيقول هناك خلط وعدم وضوح فيما يطلق عليه أخطاء طبية, ونعرف جميعا أن هناك عناصر أخرى تتعلق بكفاءة الطبيب أو الممرض أو نوعية وكفاءة الهيئة الإدارية المشرفة على هذه الخدمات, ليس فقط على مستوى التفاهم اللغوي بين المرضي وهؤلاء الممرضات اللاتي لا يتحدثن باللغة العربية!! تقول لي إحداهن من نسائنا القرويات وجدتها في أحد المستشفيات هنا في جدة تراجع بعد حدوث أخطاء طبية في علاجها هناك في مستوصف في مدينة قريبة من قريتها: (والله يا ابنتي لا نفهم ماذا تقول!!).
وقد يأتي من يقول إن هذه الأخطاء الطبية تحدث في جميع دول العالم !! كنوع من التبرير وإسقاط الخطأ على المجهول, أو اتساع دائرة المحاسبة.
نعم هناك أخطاء طبية حتى في الدول المتقدمة وكما ذكر أحدهم في معرض حديثه عن الأخطاء الطبية أنه في أمريكا ومن خلال الإحصائيات وجد أن عدد الوفيات الناتجة من الأخطاء الطبية التي كان بالإمكان تلافيها خلال (عام 2000م) يفوق عدد وفيات حوادث السيارات البالغ عددها 43458 حالة سنويا, ووفيات سرطان الثدي وعددها 42297 سنويا, عدد الوفيات نتيجة هذه الأخطاء الطبية في أمريكا - النموذج المفضل عند بعضهم للمقارنة - يراوح بين 44000 و98000 حالة وفاة سنويا، حتى هذه الأرقام لا ننسى أنها نسبة من ملايين وملايين من قاطني أمريكا, لذا تظل نسبة قليلة مقارنة بما يحدث لدينا سنويا، حيث نعترف بأنه ليس هناك إحصائيات دقيقة وصحيحة عن أعداد الوفيات من هذه الأخطاء, وكما تقول إحدى العاملات في أحد المستشفيات الحكومية فإنه عندما نشاهد اجتماعات مكثفة بين الأطباء صباحا وتحاط بالسرية ندرك أن هناك (مصيبة حدثت)!! هذه حقائق لا يمكن أن نتجاهلها أو نقول إن هناك تحاملا على أداء أطباء المستشفيات الحكومية مثلا. وربما ما يحدث في معظم المستشفيات الخاصة أسوأ!! وهذا وحده ملف ضخم كان الله في عون الوزير لتصحيح أخطائه وتحويله إلى ملف لتقديم الخدمة الصحية الحقيقية بعيدا عن مسار التجارة والمرابحة في أجساد المرضى ومعاناتهم. وليس هذا سرا ففي معظم المدن هناك مستشفيات خاصة مشهورة بتجارتها في المرض!!
أيضا إذا ناقشنا جانب هذه الأدوية أو الشامبوهات أو صبغات الشعر ومعاجين الأسنان التي تسبب السرطان فالسؤال هنا ليس لوزارة الصحة فقط بل لجميع الجهات المسئولة عن استيرادها وهي الأنواع التي يفترض عدم دخولها البلاد أصلا ونجدها موجودة في الأسواق منذ فترة طويلة ولها وكلاء أو موزعون بل ونجدها على رفوف المراكز التجارية والدكاكين التي تبيع ما يقال إنها علاجات بالأعشاب, خصوصا في الأحياء الصغيرة رغم أن الهيئة العامة للغذاء والدواء أكدت أن تحديد علامة الشامبوهات المتسرطنة التي حذرت منها، سواء كانت أصلية أو مقلدة يعود إلى الشركات المصنعة ومكافحة الغش التجاري في وزارة التجارة والصناعة. وقد ذكر الدكتور صالح باوزير نائب الرئيس التنفيذي لهيئة الغذاء والدواء لشؤون الدواء، في حديث له لـ "الاقتصادية": (إن المواطن لا يستطيع أن يفرق بين علامات منتجات الشامبو، إذا لم تقم الشركات بتوضيح الفرق بين المقلد والأصلي، إضافة إلى ضرورة مخاطبتها الجهات الرسمية لسحبها من الأسواق).
إنه هنا يتحدث عن المشتري الذي يتقن القراءة سواء باللغة الإنجليزية أو العربية, ولكن ماذا عن المشتري الذي لا يقرأ ولا يكتب, وهم نسبة لا ننكرها، من الذي سيحميهم من بائعي هذه المنتجات في ظل تهريبها من مناطق يحدث فيها المتابعة المستمرة من قبل الجهات المعنية والمناطق التي لا يمر عليها أحد منهم إلا نادرا؟؟
لماذا لا تكون هناك حملة توعية لجميع هذه المنتجات بالصور والإعلانات في القنوات التلفازية, وفي برامج الإذاعة, واستخدام اللوحات الإعلانية في الأحياء وفي المدارس والجامعات والكليات لنشر الوعي بخطورتها وإغلاق الطريق أمام كل مستهتر بهذه الصحة؟؟
والحديث عن نشر الوعي الصحي لا بد أن يحتوي على أهمية توضيح خلو بعض الأطعمة كالدونات والشوكولاتة من المنتجات الحيوانية (دهن الخنزير على وجه الخصوص)، فما يصل إلى الجميع من تحذيرات مستمدة من المواقع الخاصة بهذه المنتجات عن استبدال ما كان يضاف إليها من مواد نباتية بمواد مستمدة من أحشاء هذا الحيوان يدفع الجميع إلى البحث عن دور واضح من الجهات المعنية عن الصحة للكشف عن أي غذاء أو دواء يمكن أن يكون ضارا بصحتنا جميعا, وهو سؤال مهم حول جدية المساءلة القانونية لأي خلل صادر من أي جهة مسئولة يؤدي إلى مزيد من المرض أو مسبب له, أو يتناقض مع سلامة ما يتناوله من طعام قد يحتوي على أطعمة محرم تناولها شرعا.
** إن الحديث عن صحة المجتمع هو حديث عن المسئولية وهي أمانة حملها الإنسان وأعرضت عنها السماوات والأرض, ونسأل الله التوفيق لمن حملها, فهي ليست تشريفا قدر ما هي تكليف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي