مليارا برجوازي جديد!
أسهم ظهور طبقة وسطى جديدة في تغيير العالم .. ولكن ماذا لو غرقوا ثانية في الفقر؟
يحب الناس السخرية من الطبقة الوسطى. فضيق أفقهم ورضاهم واتباعهم الأعراف مصدر غني للكتاب والروائيين الهزليين. إلا أن ماركس كان يعتقد أن "البرجوازية.. لعبت الدور الثوري الأكبر" في التاريخ. ومع أن "الإيكونوميست" نادرا مع تتفق مع منظر الشيوعية الأول، إلا أن ماركس محق في هذا.
وخلال الـ 15 عاما الماضية، ظهرت طبقة وسطى جديدة في الأسواق الناشئة، وأنتجت ثورة صامتة في الشؤون الإنسانية- ثورة إيجاد الثروات والتطلعات الجديدة. وقد كان التغير صامتا لأن المنتفعين منه بدأوا بتغيير الدول بشكل مخفي مستمتعين في الوقت نفسه بثمار النجاح. إلا أن هذا النجاح كان نتاج النمو. ومع انهيار النمو، قد تسهم الطريقة التي تستجيب بها الطبقة الوسطى لإحباط توقعاتها في تغيير التاريخ نحو اتجاه لا يزال من المستحيل التنبؤ به.
وتتألف الطبقة الوسطى الجديدة من أشخاص يتبقى لهم ثلث دخلهم للإنفاق الاختياري بعد توفير الاحتياجات الأساسية من الطعام والمأوى. فهم ليسوا أغنياء ورثوا مالا كافيا لا يضطرون معه إلى الكفاح من أجل الوجود، وليسوا فقراء أيضا يعيشون عيشة الكفاف بحيث يجدون ما يكفيهم دون أن يتبقى لهم شيء من دخلهم. ويعتبر التنوع أحد أهم خصائصهم: فأفراد الطبقة الوسطى يتفاوتون بصورة كبيرة من حيث الخلفية والمهنة والدخل. ويُقال إن أعدادهم لا تزيد بشكل قليل، حيث يتبعون النمو الاقتصادي ويزيدون بنسبة 2 أو 5 أو 10 في المائة، وفي مرحلة ما تزيد أعدادهم بشكل كبير. فقد حدث هذا في الصين قبل عشر سنوات تقريبا، وهو يحدث الآن في الهند. وفي الأسواق الناشئة، زادت الطبقة الوسطى من ثلث سكان العالم النامي عام 1990 إلى أكثر من النصف اليوم. ولم يعد العالم النامي مليئا بالفقراء فقط.
ومع دخول الناس إلى الطبقة الوسطى، لا يسهمون فقط في إيجاد سوق جديدة، فهم يفكرون ويتصرفون بصورة مختلفة. وهم أكثر انفتاحا وقلقا بشأن مستقبل أطفالهم، وأكثر تأثرا بالقيم المجردة من تأثرهم بالأعراف التقليدية. وكما يقول David Riesman، عالم الاجتماع الأمريكي، فإن عقلهم يعمل كالرادار، حيث يلتقط إشارات من القريب والبعيد، ولا يتمحور فقط حول نقطة معينة. فمن الناحية الأيديولوجية، يميلون إلى الأسواق الحرة والديمقراطية، التي تكون عادة أفضل من أنظمة أخرى في موازنة المصالح المتنوعة والمتضاربة. وقد وجد مسح جديد للطبقة الوسطى في العالم النامي أن مثل هؤلاء الأشخاص أكثر سعادة وتفاؤلا ودعما للديمقراطية من الفقراء.
وتسهم هذه المواقف في تغيير الدول والاقتصادات, فالطبقة الوسطى أكثر احتمالا للاستثمار في المنتجات والتقنيات الجديدة من الأغنياء، الذين يميلون إلى الدفاع عن أصولهم القائمة. وهي أكثر قدرة من الفقراء على قفز الحواجز للدخول إلى الأعمال ويمكنها بالتالي إنشاء شركات كبيرة بما فيه الكفاية لإيجاد فرص عمل. وبسبب طموحاتها وقدرتها على تأخير الإشباع، تعد الطبقة الوسطى أكثر ميلا للاستثمار في التعليم ومصادر رأس المال البشري الأخرى، الضرورية للازدهار. وقد ربط صنّاع السياسة لسنوات عديدة النجاح الاقتصادي بالأغنياء (اقتصاد التساقط ـ انتشار المنفعة الاقتصادية إلى ذوي الدخل الأقل وبقية الاقتصاد) وبالفقراء "النمو الشامل". إلا أن الطبقة الوسطى هي المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي.
والآن تتعرض الطبقة الوسطى في كل مكان لخطر كبير. فقد ازدهر أفرادها في أماكن ودول انفتحت على الاقتصاد العالمي- الساحل الشرقي للصين، جنوب الهند، والمناطق الحضرية في البرازيل. فهم نتاج العولمة، ومع انعكاس مسار العولمة سيتضررون بصورة أكبر من الأغنياء أو الفقراء. وهم يعملون في صناعات التصدير، وبالتالي فإن وظائفهم غير آمنة. وبدأوا بالاقتراض، لذا تضرروا جراء الأزمة الائتمانية. ولديهم منازل وأسهم، لذا بدأت ثروتهم في التقلص بسبب انخفاض أسعار الأصول.
ماذا سيفعلون حين تتوقف الموسيقى؟
إن أولئك القابعين في أسفل السلم ليسوا بعيدين عن الأرض، لذا فإن السقوط لن يؤثر فيهم كثيرا. ولكن ماذا سيحدث إذا تسلقت بضع درجات، وانضممت إلى الطبقة الوسطى الجديدة وتواجه الآن احتمالية السقوط مرة أخرى في أحضان الفقر؟ يشير التاريخ إلى أن أفراد الطبقة الوسطى قد يتصرفون بطرق مختلفة جذريا. فالطبقة الوسطى الناشئة في بريطانيا في القرن الـ 19 جادلت بصورة سليمة للتصويت، وفي أمريكا اللاتينية في التسعينيات كان النوع نفسه من الأشخاص يدعمون الديمقراطية. إلا أن الطبقة الوسطى كانت تدعم كذلك الحكومات الفاشية في أوروبا في الثلاثينيات، ودعمت في البداية المجالس العسكرية في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات.
ولا أحد يعلم الاتجاه الذي ستسلكه الطبقة البرجوازية الجديدة الحالية المكونة من نحو 2.5 مليار شخص إذا تم إحباط طموحاتها. وإذا استمر الانكماش عاما أو عامين فقط، قد لا تتغير مواقف هؤلاء الأشخاص على الرغم من ألم تخفيض النفقات. ولكن إذا طال الانكماش فقد يتسبب في تراجع كثير من التقدم الذي تم إحرازه في العالم النامي أخيرا نحو الديمقراطية والاستقرار السياسي. ومن الصعب تصور خطر أكبر من ذلك.