حررونا من الروتين
حين أقف أمام نصّ جميل مبدع، يقفز إلى خاطري أمر التعلّم من أجل الشّغف والاستمتاع، وسبر غور جانب الجمال في النفس فأفهم تمامًا الفرق بين من يتعلّمون من أجل الارتقاء بملكة الإحساس لديهم، وإيقاظ قدراتهم، وتطوير إبداعاتهم، وبين من يتعلمون من أجل الدرجات!
لحظات من التجليات والتداعيات حضرت أمامي، وأنا أقرأ كلمة لواحد من طلاب المرحلة الثانوية، يصل بها إلى ما يريد، بل إلى ما أراده غيره – حتى من بعض المربين – لكنهم ما وصلوا إليه، لأنهم لم يبحثوا عنه..
في تلك اللحظات العابرة على الإنترنت، التي عادة ما أكرسها للوقوف على جديد العلم، والأدب.. قرأت ما تركه قلم "ثانوي" يراه الكثيرون – في العادة – لاهثًا خلف الدرجات التي ستؤهله لدخول الجامعات.
حين أقرأ، وأمعن في البحث عن معلومات إضافية - أحتفظ بها لوقت حاجتي إليها، حتى لو لم يكن لها علاقة بالتزاماتي التحصيلية في المدرسة – فإنني أُصغي في داخلي إلى نداءات أخرى، قد لا تخطر على بال الكثيرين..
بعض هذه النداءات يقول لي: لقد بات من الصعب جدًا رؤية مربٍّ مستمتعٍ بالتعلم أمام طلبته في الفصل الدراسي!
وبعضها يعبر أذنيّ هامسًا: لنكن صريحين؛ فالمرحلة الثانوية ليست بهذه القيمة التي وُضعت لها، إنها ليست أكثر من خطوة تأخذك باتجاه شيء أكبر!
وبعضها يؤكد لي أنه لا بد لكل طالب أن يكون مسؤولاً بشكل أو بآخر عن تعلّمه! على الطالب أن يعتمد مدى الجهد الذي يبذله في المدرسة، ومدى اعتناقه مسؤولية مواجهة خبرات التعلّم على الهدف الذي رسمه لنفسه في الحياة. فالطلبة الذين يرغبون في أن يصبحوا أطباء ومحامين وقادة، عليهم الاجتهاد والعمل الدؤوب، ليبلغوا تلك الأهداف، بينما أولئك الذين لا أحلام تأتيهم، ولا أهداف تنتظرهم، يظلون نزّاعين إلى تمضية الوقت، بل إضاعته كيفما اتُّفق، وركوب الإهمال، مثلما تسول لهم فيه أنفسهم.
وبعض تلك النداءات تصرخ ، أن أفيقوا، فالتعلّم في المدارس ينبغي ألا يقف عند التعلّم ذاته، هناك متعة التعلّم المضيَّعة، بل المهدورة عمدًا، أو إهمالاً، وليست هذه المتعة مقتصرة على المراحل الدراسية في المدارس، بل تتجه في معظمها إلى تلك المتعة الموعودة في الجامعات، وفي ميادين الأداء بعد ذلك بقليل.
هذه النداءات التي تأتي إلينا جميعًا، معلمين ومتعلمين، إما أن تغادرنا، لأننا أوصدنا عقولنا وقلوبنا أمامها، فخذلناها.. وإما أن تبقى فينا صامتة، في انتظار من يحرّرها من الروتين القاتل الذي عشش في فصولنا، وعلى سبّوراتنا!!
مكتب التربية العربي لدول الخليج