مخطط الرياض الاستراتيجي يصنع الجيل الأول من المخططين السعوديين
تبنت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض منهجية عمل مبتكرة في إعدادها للمخطط الاستراتيجي الشامل للعاصمة السعودية، تجعل من التخطيط والتطوير الشامل لجميع قضايا التنمية الحضرية في المدينة، عملية مستمرة لا تنحصر في إطار مخطط يعد في فترة معينة ثم ما يلبث أن يفقد كثيراً من مقوماته نتيجة تغير الظروف والمعطيات التي بني عليها.
فقد استندت الهيئة في منهجيتها في العمل على مجموعة من المبادئ الرئيسية، من أهمها: تكوين قواعد من المعلومات الحديثة والمتنوعة المتعلقة بجميع القطاعات المختلفة في المدينة، والاعتماد على الكوادر الوطنية مع زيادة صقلها بالتدريب على رأس العمل، والاستفادة من بيوت الخبرة المحلية والعالمية، إضافة إلى الاطلاع على نماذج مختارة من خبرات وتجارب كبرى المدن العالمية، واتباع منهجية المناقشة والتشاور مع جميع الجهات والفئات ذات العلاقة بجوانب عمل هذا المخطط.
ففي الوقت الذي يهدف فيه المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، إلى مراجعة وتقويم الوضع الراهن لمدينة الرياض، وضبط النمو المتواصل الذي تشهده المدينة في جميع المجالات، وتحديد تبعات هذا النمو على حاضر المدينة ومستقبلها في مختلف الجوانب، يضع المخطط تصورات عامة للتنمية المستقبلية في العاصمة، ويعالج مختلف قضايا التنمية الحضرية فيها، ويضع تصورات عامة للرؤية المستقبلية للمدينة.
ويستند المخطط في أعماله على إجراء الدراسات التفصيلية عن كل قطاع من قطاعات المدينة، ومن ثم طرح البدائل المتاحة لبلوغ الأهداف المنشودة، وتقويم هذه البدائل، ودراسة تكلفة كل منها، والخروج بالبديل الاستراتيجي المفضل لكل قطاع، وذلك للخروج بوضع آليات لتنفيذ الاستراتيجيات على أرض الواقع وهو ما تم حتى الآن، حيث بدأت الهيئة في تنفيذ جملة من البرامج والمشاريع في مجالات التطوير الحضري والعمراني والنقل والمواصلات والاقتصاد والمعلوماتية في مدينة الرياض.
تجارب تخطيطية سابقة
وحتى نهاية الثمانينيات الهجرية ( الستينيات الميلادية) لم تكن مدينة الرياض تخضع إلى مخطط ينظم عملية التنمية فيها، وكانت التنمية الحضرية انعكاسا مباشرا للقرارات الحضرية التي تم اتخاذها في ذلك الحين حينما ظهرت أحياء الملز، والمطار القديم وغيرها من أحياء الرياض الحديثة حينها.
إلا أن الجهات البلدية أدركت بسرعة أهمية وضع ضوابط لعملية التنمية الحضرية حيث جرى تطوير المخطط الرئيسي الأول لمدينة الرياض (مخطط دوكسيادس) الذي تم إعداده في عام 1971 (1391هـ) بواسطة "شركة دوكسيادس" وتم اعتماده في عام 1974.
ولم يكن النمو السكاني السريع لمدينة الرياض والذي حدث بعد عام 1975 (1395هـ) متوقعاً، حيث أدت الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة إلى زيادات عالية في الإنفاق الحكومي، وبلوغ معدل التطوير الحضري مستويات مرتفعة حسب المقاييس العالمية، ما ساهم في تخطيط مساحات كبيرة خارج حدود المدينة بشكل يتجاوز حدود (مخطط دوكسيادس).
ونتيجة لهذه التطورات بدأت الجهات المسؤولة عن تطوير المدينة، وضع المخطط الرئيسي الثاني لمدينة الرياض (مخطط شركة ست) الذي حاول الاعتماد على فكرة المخطط السابق، والانطلاق منها للمناطق الأخرى، حيث تم تنقيح وتحديث المخطط الرئيسي الأول في عام 1976 (1396هـ) بواسطة شركة "ست إنترناشونال" وتم الانتهاء من إعداده في عام 1402هـ. وفي غضون أقل من عقد واحد، تجاوزت التنمية الحضرية حدود هذا المخطط أيضا، ما أفقده القدرة على توجيه التنمية المستقبلية في العاصمة السعودية.
وبعد مضي نحو 15 عاماً على إعداد آخر مخطط توجيهي للمدينة، أصبحت الحاجة ماسة إلى إعداد مخطط حديث يوجه نمو العاصمة المستقبلي، ويحدد متطلباتها الرئيسية، عبر نظرة شاملة لجميع جوانب التنمية، ويحدد محاور النمو وأنماط التطوير المناسبة، على أن يكون مختلفاً عن المخططات التي سبق إعدادها للمدينة، ويتلافى الأخطاء التي وقعت فيها تلك المخططات.
وكان من بين متطلبات المخطط الجديد، أن يكون مستمراً ومتجدداً، وقادراً على التعامل مع القضايا والمستجدات بحركية مستمرة، وأن يتسم بالنظرة الشاملة لجميع جوانب التنمية والتطوير.
58 برنامجا تنفيذيا
وفي ظل مسؤوليات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض نحو التخطيط والتطوير الشامل للعاصمة، أقرت إعداد المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الذي يعد بمثابة قاعدة تخطيطية استراتيجية تستوعب جميع العوامل المؤثرة في نمو المدينة، ضمن إطار استراتيجي تكاملي بعيد المدى، وقد نتج عنه رؤية للمدينة للـخمسين عاماً المقبلة، وإطار استراتيجي يتكون من خطط وسياسات للتنمية للـ 25 عاماً المقبلة، وبرنامج تنفيذي لعشر سنوات يشتمل على 58 برنامجاً تنفيذياً ذا طبيعة استراتيجية في مجالات تنموية محددة، تتولى تنفيذها الهيئة بالتعاون مع بقية الجهات العاملة في المدينة كل حسب تخصصه.
مبادئ عمل رئيسية
وقد استندت الهيئة في إعدادها للمخطط إلى مجموعة من المبادئ الرئيسية، من أهمها جمع المعلومات الحديثة والدقيقة والمتجددة التي تغطي قطاعات المدينة كافة، وقد تحقق ذلك من خلال تأسيس نظام للمعلومات الحضرية يوفر معلومات شاملة موحدة المقاييس لكل ظواهر المدينة ومكوناتها، يجري تحديثه باستمرار، فالمعلومات الموحدة تُشكل أساساً لصنع القرارات الموحدة الرؤية، والخطط التنفيذية المشتركة.
كوادر وطنية مؤهلة
كما استندت الهيئة في أعمالها على احتضان الكوادر الوطنية المؤهلة، وصقلها بالتدريب والتأهيل المستمر، والذي يأخذ أساليب متعددة من أهمها التدريب على رأس العمل الذي يتحقق من خلال المشاركة الفاعلة والموجهة والمتدرجة في البرامج والمشاريع المختلفة، إضافة إلى التدريب المبرمج بالترتيب مع نخبة من الجامعات ومراكز العمل في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأوروبا، وزيارات العمل التي تشمل الشركاء الاستراتيجيين في أنحاء العالم.
تجارب مدن عالمية
كما عملت الهيئة على الاستفادة من بيوت الخبرة المحلية والعالمية التي سبق لها ممارسة التخطيط الاستراتيجي والاطلاع على نماذج مختارة من خبرات بعض المدن العالمية في مجال التخطيط الاستراتيجي، والاستفادة من التقنيات المستخدمة في هذه المدن في مختلف القطاعات، ونقل التجارب والأفكار الناجحة لمدينة الرياض بما يتلاءم مع احتياجات المدينة، ويتناسب مع بيئاتها الاجتماعية والطبيعية والاقتصادية.
#2#
مشاركة فعالة للسكان
كما التزمت الهيئة بتفعيل مشاركة سكان المدينة في العملية التخطيطية لمدينتهم في مختلف مراحل العملية، وذلك من خلال عقد حلقات نقاش وورش عمل يجري خلالها تقويم كل مرحلة من مراحل العمل في المخططات، وتبادل الأفكار والآراء حولها.
وتتم في هذه الحلقات والورش دعوة عدد كبير من المختصين في المجالات المهنية المختلفة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وبعض فئات المجتمع، والأكاديميين والمهنيين المختصين من داخل المملكة وخارجها، وكان لهذه الحلقات أثر إيجابي تمثل في الحضور الكبير من المشاركين الذي بلغ نحو 150 مشاركا في كل حلقة.
وتتجسد صور أخرى من المشاركة المجتمعية في عمليات التخطيط التي تقوم عليها الهيئة، في تشكيل لجان متابعة وتنسيق على مستويات مختلفة تمثل جميع الجهات ذات العلاقة في المدينة، ما عمق من مفهوم التكامل فيما بين الهيئة والجهات الأخرى العاملة في المدينة، بما يتجاوز مجرَّد تبادل المعلومات والتنسيق الزمني والمكاني بين الأعمال والأنشطة والمشاريع، إلى العمل وفق رؤية موحدة وخطة عمل شاملة، تُحدِّد أدوار الجميع وتسهم في ترشيد جهدهم وزيادة كفاءة أعمالهم.
تدرج في التوطين
وفي بداية انطلاق مشروع المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، كان أمام الهيئة خياران أساسيان هما: إيكال مهمة إعداد المشروع إلى استشاري عالمي يكون مسؤولا عن المنتج النهائي للمشروع، و يعني هذا الخيار أن الرؤية والمشاركة المحلية في اتخاذ القرارات واختيار البدائل لتخطيط المدينة، ستكون متدنية نتيجة الإدارة الأجنبية لعملية التخطيط، إضافة كون هذه الخيار يحرم المختصين السعوديين في مجال التخطيط من المشاركة تحقيق هذا الإنجاز، ويفقدهم الفرصة في اكتساب الخبرة اللازمة التي يحتاجون إليها في المستقبل لتنفيذ برامج هذا المخطط، وغيرها من متطلبات المدينة التخطيطية.
أما الخيار الثاني، فيتمثل في تولي الهيئة قيادة مشروع إعداد المخطط بالاستعانة بالمختصين السعوديين من فريق الهيئة، مع تطعيمهم بالخبرات اللازمة من داخل المملكة وخارجها في جوانب معينة ومحددة، وتكون نسبة قيادة فريق الهيئة للمشروع تصاعدية بشكل مستمر، حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة من المشروع، ليتولى فريق الهيئة السعودي إدارة دفة العمل بشكل كلي، وهو ما تحقق بالفعل بفضل الله.
معايير لجودة المنتج
ونتيجة لتفضيل الهيئة للخيار الثاني في تحديد الجهة التي تنفذ مشروع المخطط، تمت مخاطبة عدد كبير من المكاتب الاستشارية المحلية والعالمية المتخصصة في مجالات تخطيط المدن، حيث أبدت 90 شركة محلية وعالمية رغبتها في المشاركة في إعداد المخطط. أعقب ذلك خطوة تالية تمثلت في إرسال نطاق العمل إلى هذه المكاتب ومطالبتهم بتقديم بيانات توضح إمكانات كل منهم وخبراتهم العملية، إضافة إلى تصور لأسلوب العمل، وخطة الإدارة المقترحة للمشروع، وخبرات المختصين المرشحين للعمل فيه .
وفي تلك المرحلة تلقت الهيئة عروضا من 25 مجموعة استشارية من بين المكاتب الـ 90 التي أعربت عن رغبتها في المساهمة في المشروع. وكان من بين أهم الخطوات المتخذة لاختيار الاستشاري المشارك في إعداد المراحل الأولى من المخطط، تحليل وتقويم خطوات الاختيار من قبل فريق من المختصين من داخل الهيئة وخارجها ضمن معايير محددة لتقويم العروض في كافة الجوانب الفنية والمالية والإدارية، والاشتراط على المجموعات الاستشارية بأن يتم أداء الدفعات المالية على أساس نواتج كل مرحلة من المشروع، وليس على أساس مدتها، وذلك لضمان جودة المنتج فنيا. وقد ساهم توفر المعلومات والدراسات الحديثة ضمن نظام المعلومات الحضرية الذي أسسته الهيئة، ومبادرتها لاستقطاب الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة، وتهيئة التجهيزات المكتبية والمكاتب في مقر الهيئة في خفض تكاليف المشروع إلى حدودها الدنيا.
متابعة سير العمل
كما شكلت الهيئة حينها، عدة لجان متخصصة من داخل الهيئة وخارجها لمتابعة سير العمل في إعداد المخطط، تضمنت «لجنة الإشراف» تضم أعضاء يمثلون الإدارات المختلفة في الهيئة وممثلا عن أمانة منطقة الرياض، تتولى المتابعة والتنسيق حول أعمال المخطط. كما شكلت «اللجنة الفنية» والمكونة من 12 عضوا يمثلون الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وتقوم بمهمة الربط بين أعمال المخطط الاستراتيجي والجهات الممثلة في هذه اللجنة، وشكلت أيضاً "اللجنة الاستشارية" التي تتكون من ثمانية خبراء سعوديين في مختلف التخصصات ذات العلاقة بالمخطط الاستراتيجي، يتولون تقديم المشورة المهنية في جميع التخصصات المختلفة للفرق العاملة في المخطط الاستراتيجي.
المشاركة في القرار
وقد برهنت الهيئة على مفهومها في توسيع دائرة المشاركة في القرار، كأحد أركان منهجيتها في العمل، باعتبارها جميع الأجهزة العاملة في المدينة "شركاء عمل" في مسؤولية تضامنية عن تطوير المدينة، وجعلها من النظرة تجاه كافة الأعمال التخطيطية والميدانية مع هؤلاء الشركاء تكاملية في جميع مستويات عمل الهيئة ومهامها التكاملية في منظومة عمل الهيئة، فقد عقدت الهيئة خلال مراحل إعداد المخطط، العديد من حلقات النقاش وورش العمل التي جرى خلالها تقويم الأداء وسير العمل في كل مرحلة من مراحل العمل، وتبادل الأفكار والآراء حولها، ويجري في هذه الحلقات والورش دعوة عدد كبير من المختصين في المجالات المهنية المختلفة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وبعض فئات المجتمع والأكاديميين والمهنيين المختصين من داخل المملكة وخارجها، وكان لهذه الحلقات أثر إيجابي ومردود مميز تمثل في الحضور الكبير من المشاركين.
كما اتبعت الهيئة منهج عرض نواتج العمل على الجهات ذات العلاقة في مقراتها بهدف اطلاعهم على جميع نواتج مراحل المشروع المختلفة والاستماع إلى وجهات نظرهم، وعقدت العديد من الاجتماعات واللقاءات بين أفراد فريق العمل وتلك الجهات على جميع المستويات، وتمت الاستعانة بمختصين وخبراء من خارج الهيئة للمشاركة في تقويم نواتج وتقارير المشروع بهدف ضمان الجودة الفنية لمخرجاته.
صعوبات وتحديات
ونظراً لضخامة المشروع، وتشعبه وتعدد نواتجه ومخرجاته، فقد واجه عدداً من التحديات خلال مراحل إعداده من أهمها: ضرورة إنجاز الأعمال المطلوبة خلال فترات زمنية محددة تطلبها الجدول الزمني للمشروع، واختلاف اللغات بين عدد من المشاركين في فريق العمل وبعض الخبراء الذين لا يتحدثون اللغة العربية، ما شكل بعض الصعوبات في النقاشات المختلفة وكتابة التقارير، إضافة إلى ندرة المصطلحات العربية لبعض مصطلحات "التخطيط الاستراتيجي" الأمر الذي دفع فريق العمل إلى الاجتهاد في استخدام بعض المصطلحات التي بدت مترجمة بشكل واضح.
كما واجه المشروع صعوبات في اختيار المختصين الذين سيشاركون في مراحل العمل المختلفة، لأن توفير مختصين لمدد محدودة، كان أمرا في غاية الصعوبة في ظل عدم توفر معلومات كافية بشكل مبكر، إلى جانب عدم توافر معلومات كافية عن الخبرات المحلية في الجامعات والجهات الحكومية الأخرى عند الاستعداد للبدء في تنفيذ المشروع.
غير أن من بين الصعوبات الكبرى التي واجهت مشروع المخطط، تمثلت في استيعاب مفهوم "التخطيط الاستراتيجي" على مستويات مختلفة، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى الاختلاف في وجهات النظر بين المتلقين سواء كانوا من الجهات الحكومية أو المسؤولين أو فئات المجتمع، ما يدفعهم إلى طلب المزيد من التفاصيل حول هذا المفهوم، أو السؤال عن مقترحات لم يتم بعد التطرق لها في مرحلة ما من إعداد المخطط.
وحالياً يقود المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، خبراء ومختصون سعوديون من فريق الهيئة، اكتسبوا خبرات وقدرات مهنية عالية خلال مراحل مشاركتهم في إعداد المخطط، تمخضت عن تجاوزهم لتجارب وصعوبات عديدة خلال مراحل العمل، واحتكاكهم مع فئات مختلفة من الخبراء المحليين والأجانب من القطاعات الحكومية والخاصة، والأكاديميين الذين كانت لهم مشاركات متنوعة في ورش العمل واللقاءات التي عقدت خلال مراحل الإعداد للمشروع، والتي عقدت للاستماع إلى جميع وجهات النظر وتبادل الخبرات والتجارب المختلفة حول القضايا المطروحة، ما يسهم في نهاية الأمر في توحد الأفكار والرؤى في بوتقة واحدة، على الرغم من اختلاف التجارب والرؤى، ويستند هذا المنهج في العمل إلى مبدأ يعتمد على تسيير الأفكار في اتجاهات محددة مسبقاً مع فتح الأبواب لأية أفكار جديدة.
قياس المتطلبات والنواتج
ومن بين أهم المكتسبات التي حققتها مدينة الرياض من المخطط الاستراتيجي الشامل تشكيله أرضية مشتركة للجهات العاملة في المدينة التخطيطية منها والتنفيذية، وتأطيره للعمل وتوحيده للجهود وتوظيفها التوظيف الأمثل، إلى جانب كون المخطط أصبح بمثابة أداة لقيادة المدينة لتقييم ما تحقق، وما هو مطلوب في حاضر ومستقبل المدينة، ويضع الآليات والمتطلبات التي تتحقق من خلالها هذه البرامج، فهو بمثابة أداة لقياس المتطلبات والنواتج.
جيل مهني ممارس
وإضافة إلى نواتج المخطط الاستراتيجي لمدينة الرياض المتمثلة في ناتج الرؤية المستقبلية للمدينة للـ 50 عاماً المقبلة، والإطار الاستراتيجي الذي يتكون من خطط وسياسات للتنمية للـ 25 عاماً المقبلة، والبرنامج التنفيذي لعشر سنوات الذي يشتمل على 58 برنامجاً تنفيذياً ذا طبيعة استراتيجية في مجالات تنموية محددة، تتولى تنفيذها الهيئة بالتعاون مع بقية الجهات العاملة في المدينة كل حسب تخصصه، فإن المخطط ساهم في خلق جيل مهني ممارس من الكوادر السعودية في مجال التخطيط الاستراتيجي، حيث يندر قبل وضع "مخطط الرياض الاستراتيجي"مشاركة مخططين سعوديين في عملية تخطيط استراتيجية كبرى مماثلة لـ «مخطط الرياض».
وقد كان المخطط الاستراتيجي بمثابة تجربة جديدة وإضافة كبيرة للخبرات المحلية في مجال التخطيط، ساهم في تحقيقها بعد عون المولى عز وجل، الإصرار والحافز القوي لتحقيق الانجازات لدى المشاركين في إعداد هذا المخطط، الذي بادلهم بتقديم الكثير من المكتسبات العلمية والتدريبية والتطبيقية المتراكمة.
تجربة قابل للنقل
كما أن تجربة الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في وضعها للمخطط، يمكن أن تكون مثالاً يحتذى في مجال التخطيط الحضري سواء على مستوى المملكة أو خارجها، وبشكل خاص بعد الاتجاه لدى بعض مناطق المملكة الأخرى نحو خوض غمار تجربة التخطيط الاستراتيجي، ووضع مخططات استراتيجية شاملة لها مماثلة لمخطط الرياض الاستراتيجي.
تحديث وتجديد
تجدر الإشارة إلى أن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تنفذ حالياً برنامجاً لتحديث المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الذي أقر في نسخته الأولى في عام 2004 (1424هـ) والذي انطلق برنامجه التنفيذي على اعتباره الإطار التنظيمي والتخطيطي والتنفيذي للجهات العاملة في المدينة، وأداة لتنظيم العمل المشترك، والتخطيط للمستقبل، وموجها لتوفير الخدمات لساكني المدينة، والرفع من مستوى العيش فيها.، يهدف إلى تقويم ومراجعة البرامج والمشاريع التنفيذية في المخطط ، لمراعاة مستجدات التنمية والتوقعات السكانية والاقتصادية وانعكاسها على الخطط الموضوعة، إلى جانب تحديد المتطلبات من الاستعمالات والأنشطة المختلفة والبرامج التنفيذية اللازمة للتنمية المستقبلية لمدينة الرياض.
وقد عقدت الهيئة ورشتي عمل أخيراً بمشاركة العشرات من أعضاء اللجنة الفنية المشكلة لمتابعة وتنسيق أعمال التحديث من قبل الجهات ذات العلاقة، وعدد من الأكاديميين، وممثلين من القطاع الخاص، وتضمنت الورش تقديم عدد من العروض من قبل فريق العمل عن المخطط وما تحقق منه وما يزال قيد التنفيذ وما هو في طور التخطيط والدراسات، حيث جرى عرض للتحديات المستقبلية التي تواجه المدينة، واستعراض للسياسات المقترحة في القطاعات التخطيطية المختلفة.
وينطلق مشروع تحديث المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، من تقويم ما أنجز من مشاريع ضمن المخطط في ضوء المستجدات التي طرأت على المدينة، سواء فيما يتعلق بتركيبة السكان، أو في الجوانب الاقتصادية والخدماتية، للخروج بنظرة جديدة للمخطط، وهو ما يؤكد أن المخطط غير جامد بل متجدد ومواكب للمتغيرات، ويتمتع بمرونة عالية ويتفاعل مع الظروف المتغيرة في المدينة، ويؤطر عمل وحياة سكانها نحو الأفضل بمشيئة الله.
وعلى ضوء ذلك تتلخص منهجية العمل في مشروع تحديث المخطط الاستراتيجي الشامل، في الاستفادة من التجربة الأولى في وضع المخطط، مع تقليص السلبيات والاستفادة من الأفكار الجديدة، والمراجعة المركزة لأهم مخرجات المخطط، ومن المتوقع انتهاء أعمال مشروع التحديث خلال النصف الأول من العام الحالي.
تخطيط إقليمي مواز
وامتداداً لمفهومها الشامل نحو التخطيط الاستراتيجي، اتجهت الهيئة إلى إحداث تنمية متوازنة في منطقة الرياض، من خلال وضع مخطط استراتيجي إقليمي، يهدف إلى ضبط نمو مدن المنطقة ومحافظاتها، وفق استراتيجية تخطيطية حضرية شاملة، تعالج كافة الآثار السلبية التي تعانيها المنطقة، والتي تمثل عبئا على مدينة الرياض نتيجة مضاعفة أعباء واحتياجات نمو المدينة، وسينتج عن هذا المخطط بمشيئة الله، عدد كبير من البرامج التنفيذية في قطاعات التنمية المختلفة.