المرأة السعودية القضية

عودة إلى ما جاء في مشاركة الدكتور محمد السعيدي في الندوة (المرأة السعودية ما بين الأسلمة واللبرلة) التي لم تنشر في الصحف رغم أهميتها نجد أنه في استعراضه للنقاط المحورية في هذا الموضوع كان منطقيا أكثر مما ذكره الدكتور الحبيب الذي ناقش القضية رغم أهميتها بطريقة سطحية جدا، وضاعت أفكاره في المصطلحات التي امتلأت بها ورقته والنماذج المحدودة التي استعرضها التي كان من خلالها يناقض نفسه عندما ذكر: (ففي الوقت الذي يرى فيه الحداثي أو الليبرالي المسلم أن المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية هي قضايا دنيوية، وأن الجانب الديني فيها هو جانب أخلاقي وقيمي، يعطي توجهات أخلاقية عامة، دون الدخول في تفاصيل العمل باستثناء ما جاء فيه نص قطعي الدلالة والثبوت، يرى الإسلاموي ألا فصل بين الديني والدنيوي، وأن الدين يدخل في أغلب تفاصيل تلك المسائل إن لم يكن كلها، وبالتالي فإن كل عمل لا بد أن تتم أسلمته مهما كان دنيوياً. ولأن مصطلحي الأسلمة واللبرلة، فيهما كثير من الخلط والحساسية، فقد آثرت أن أستخدم مصطلحين أرى أنهما رديفان لهما في سياقنا هذا، وهما السلفية والحداثة ووضع المرأة السعودية بينهما).
فهو هنا يجمع بين نقيضين عندما يذكر أن هناك ليبراليا مسلما !!فهذا المصطلح يحمل النقيضين اللذين لا يتطابقان إطلاقا لهذا جاء تطبيقه لهذا المصطلح في تناوله لقضية المرأة، كما يقال بين الأسلمة واللبرلة، هشا متناقضا مع الواقع الاجتماعي الذي نعيشه نحن النساء المسلمات السعوديات. وما أجده أنه مهم هو أننا عندما نناقش قضية المرأة في مجتمعنا لا ينبغي أن نناقشها، ونحن نضع معايير التحليل هو النموذج الغربي في واقعه المستمد من الفلسفة الوضعية ومن اتجاهات الحركات التحريرية النسوية ثم التي تحولت إلى حركة التمركز حول الأنثى ! وهو واقع يتناقض مع النموذج الإسلامي الذي ترسمه الشريعة الإسلامية للمرأة، وعدم تطبيقه كما جاء في هذا النموذج هو السبب في الخلل ولهذا المطلوب منا نحن النساء أن نصحح هذا الخلل بإصلاح آليات تطبيق النموذج القرآني كي تتحقق العدالة في الأرض، كما جاءت في نموذجنا التاريخي الإسلامي، وليس أن نركض خلف ما تطالب به اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) !
هذه الاتفاقية وما تطالب به في جميع المؤتمرات العالمية والإقليمية، بل والخليجية التي تشرف عليها مكاتب الأمم المتحدة لم تحقق للنساء في الغرب نفسه أي أمن أو عدالة، فكيف ستحقق لنا هنا ونحن مسلمات ولدينا تشريع لا يترك أي جزئية في حياتنا بدون تقنين سماوي أو نبوي؟
إذا ما جعلنا المعيار لذلك هو ما تقرره الديانات السماوية وليس القوانين الوضعية التي لا تحقق العدالة بين البشر.
لهذا أرى أن مشاركة الدكتور السعيدي كانت أقرب لمناقشة واقع المرأة، ومن خلال ما قيل أن الليبراليين يطالبون به للمرأة، ولكنهم يرفضون ما يرون أنه لا يطابق افتراضاتهم، سواء على مستوى المطالبة بتوسيع نطاق عمل المرأة، ولكنهم، كما يقول الدكتور محمد السعيدي: (وقفوا ضد المستشفيات النسائية الخاصة بحجة أنها مكلفة جدا، مع أن هذه المستشفيات التي قررت وزارة الصحة البدء في تجربتها ثم لم نعد نسمع لذلك ذكرا أقول إن تلك المستشفيات ستشجع الآلاف من بناتنا على تقبل مهنة التمريض والعمل بها، والعجيب هو هذا الاعتذار بالتكلفة المادية وهو عذر لا يقبلونه هم حين يقال إن التوسع في توظيف النساء سيؤدي أيضا إلى تكلفة مادية رفيعة، كما أن التكلفة الكبيرة على افتراض وجودها واقعة في محلها، ولا سيما إذا عرفنا أن العمل المختلط في المستشفيات قد ثبت تأديته إلى الكثير من المشكلات الأخلاقية التي تتعرف عليها جيدا حين يرتاح لك خاطر مدير الشؤون القانونية في إحدى المديريات الصحية في المملكة فتذهل من كثرة ما يمر به من الشكاوى، وتذهل أكثر حين تجد أنه من كثرتها لم يعد يستطيع اتخاذ إجراءات صارمة فيها، إذاً فالتكلفة المادية صائرة في موضعها الصحيح فلماذا نحارب أمرا فيه حفاظ أخلاقي من أجل تكلفة مادية مع قولنا بالسعي لتحرير المرأة، فمثل هذا التناقض في الطرح يدعم قضية الشك التي تحدثنا عنها قبل قليل، لأنه يتضح جليا أن عمل المرأة ليس هو المراد لذاته لكنه طريق جيد لتبرير الاختلاط . الاختلاط الذي لم يعودوا يجدون حرجا في المطالبة به صراحة، بعضهم يسوغه للضرورة ويرى أن حاجة المرأة للتوسع في العمل ضرورة، والبعض الآخر لا يشترط هذه الضرورة، بل يطالب به مطلقا، لكنهم لا يجدون أمامهم مبررا مقبولا للإصرار على هذه المطالبة رغم رفض المجتمع جملة لهذا الأمر سوى العمل فيقرنون الحاجة إلى العمل بالحاجة إلى الاختلاط . وحتى العمل تساورنا الشكوك في مقاصدهم من المطالبة بالتوسع فيه لأنهم يقولون: إن في التوسع في العمل حل لمشكلات كثير من النساء المالية، حيث يتولين إعالة أهلهن وأطفالهن، وموضع الشك من هذه المطالبة أنهم يريدون حل مشكلة بمشكلة أخرى وعلاج خطأ بخطأ، فكون المرأة تعول أحدا أو تتولى المسؤولية المالية عن أحد فهذا خطأ ينبغي أن يطالب بتصحيحه وإلغائه لا تكريسه بتحميل المرأة مسؤوليات لا تتحملها شرعا ولا طبعا)، ويكمل الدكتور السعيدي بقوله:
(والعجيب أن الاستدلال بأحكام الشريعة واللجوء إلى خلافات العلماء إنما يكون، حيث تسعفهم تلك الخلافات في بعض ما يطالبون به، لأنهم في مثل هذه القضية لا يلجأون إلى أقوال العلماء وأحكام الشريعة لأن أقوال العلماء في هذه المسألة لا تسعفهم، فالفقهاء يجعلون عمل المرأة في دائرة المباح لا الواجب ولا يعلقون على المرأة أية مسؤولية في عملها المباح هذا مهما كانت إيراداته . ولو أن هؤلاء المطالبين بتوسيع نطاق عمل المرأة كانوا صادقين في دعواهم برفع الحاجة عنها لدعوا إلى رفع الظلم عنها في هذه المسألة بدلا من تشريعه، فالمرأة لا تضطر إلى العمل إلا إذا كانت تعول أهلها أو صغارها، وها هنا مكمن الظلم، فمن الذي ظلم المرأة وألزمها بإعالة أهلها ؟ ينبغي أن تكون المطالبة بإلزام العائل الحقيقي بأداء واجبه، فهو إما زوج مفرط مستغل لزوجته أو مطلق مهمل لأولاده أو قريب منشغل عن قرابته. فإن لم يكن هناك من يتولى الإعالة أو كان هناك من يتولى الإعالة ولكن ما يقدمه غير كاف، فالإعالة هنا من أوجب الواجبات على الدولة . لكننا على كثرة ما نرى من المطالبة بالتوسع في إعطاء فرص العمل لا نجد غير القليل من الكتاب وفي أوقات متباعدة من يتحدثون عن واجبات وزارة الشؤون الاجتماعية في استحداث نظام لإعالة المرأة التي لا عائل لها ووضع سلم بالرواتب لهذا الشأن بدلا من أن نكلفها بتحمل مشاق العمل وترك المفرط على حاله من السوء والتفريط . والكل يعلم أن عمل المرأة إما أن يكون في القطاع العام أو الخاص، أما القطاع العام فلا يشك اقتصادي أن التوسع في عمل المرأة فيه يؤدي إلى البطالة الحتمية التي لا علاج لها إلا بفصل النساء من وظائفهن، فهل نغامر هذه المغامرة ونتوسع في عمل المرأة كي نجد أنفسنا في حاجة إلى فصلها من عملها ؟ أم نقف عند الحل الصحيح وهو أن تعمل المرأة فيما نجد أن العمل محتاج إليها، فيه وحين لا يكون للعمل حاجة إليها فلا بد أن تتفرغ لعملها الواجب عليها شرعا، وهو رعاية البيت وتربية أهله. وإذا واجهت قصورا في مواردها المالية لفقد العائل فلا بد من الإلحاح في مطالبة الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية من استحداث النظام الذي أسلفت الإشارة إليه، ولا بأس من المطالبة بإعطاء النساء العاملات في بيوتهن رواتب من الدولة إذا نظرنا إلى أن المرأة العاملة على تربية أبنائها منتجة وصانعة للمجتمع، بل هي أولى بمسمى المنتجة).
هذه السطور للدكتور محمد السعيدي مهمة جدا، وسبق أن طالبت بها، وكتبت عني بعضهن !! أني ضد عمل المرأة !!وأنا شخصيا أعمل ولست ضد أن تعمل المرأة إطلاقا ولكن أرفض أن تتحمل هي إعالة أسرتها !!فالإسلام لا يحمل المرأة هذه المسؤولية، والبديل هو ولي أمرها الذي لا بد أن يلزم بهذه الإعالة أو أن تتحمل الدولة هذه المسؤولية، خصوصا للنساء اللاتي لا عائل لهن وهنا هو فضاء نجاحاتنا كنساء نبحث عن الخير لسوانا من النساء المحتاجات!! (تابع).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي