الشبكة كمرفق رابع
الشبكة كمرفق رابع
تميزت العولمة في الماضي بالأسواق العالمية المتصلة ببعضها البعض والتي تركز على نشاطات التصنيع وتنويع مصادر الدخل، أما الآن فتتضمن العولمة مستوى آخر من الاتصال عبر الأشخاص والثقافات، حيث ستتدفق المعرفة والابتكار في اتجاهين بين الأسواق الناشئة مثل أسواق الشرق الأوسط الأسواق المتقدمة مثل الأسواق الغربية، ووفقاً لوحدة المعلومات الاقتصادية التابعة للكومونويلث فإن هذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يتجاوز فيها إجمالي الناتج القوي في الاقتصادات الناشئة نظيره في الدول المتطورة، حيث يمثل ذلك تحولاً كبيراً في القوة الاقتصادية منذ صعود الولايات المتحدة قبل 100 عام، ومع تزايد اندماج الاقتصادات الناشئة في الاقتصاد العالمي ووصول مداخيلها إلى مستوى الدول الغنية، فإنها ستوفر أكبر دفعة للاقتصاد العالمي منذ الثورة الصناعية.
عصر التغيرات العالمية الرئيسة
إننا نمر بفترة تشهد أكبر تحول ديموغرافي تاريخ العالم، حيث من المتوقع استمرار النمو السكاني خلال العقدين المقبلين في مناطق آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، إلى جانب ذلك فإننا نشهد تحولات في الاقتصاد التي تتمحور في الأوضاع الاقتصادية المضطربة الظاهرة للعيان، وبمعنى آخر فإننا نعود إلى المستقبل. ووفقاً للبيانات الصادرة من البنك الدولي ومؤسسة أنجوس ماديسون، فإن أكبر اقتصادات في العام 1820م ستصبح مرة ثانية هي الأكبر في العام 2050م، حيث ستكون الهند والولايات المتحدة والصين هي أكبر ثلاث قوى اقتصادية، حيث ستبتعد عن الدول الأوروبية بثمانية مراكز.
وخلال السنوات الخمس المقبلة سيتحول 500 مليون شخص إلى العيش في المدن، الأمر الذي سيوجد طبقة وسطى سترغب في الحصول على السيارات والتلفزيونات وغيرها. وبنهاية هذه السنة سيصبح 50 في المائة من السكان متمدنين، بينما ستصل النسبة إلى 60 في المائة بحلول 2030م. وعند حدوث ذلك ستصبح المدن الكبيرة مدناً أكبر. وبحلول 2025م سيكون لدينا أكثر من 100 مدينة جديدة يصل تعداد سكانها إلى أكثر من مليون نسمة، بينما ستستمر التأثيرات البيئية لهذا التحول في النمو. الجدير بالذكر أن أكبر 20 مدينة تستهلك بالفعل 75 في المائة من الطاقة التي ينتجها العالم.
وسيكون ذلك عصراً حافلاً بالتغيرات العالمية الأساسية، ولكن كيف سنخطط مدننا بطريقة مختلفة لاستيعاب النمو دون تدمير مواردنا الطبيعية مع الحفاظ في الوقت نفسه على معاني المجتمع والأمن والعائلة والصداقة والحفاظ في الوقت نفسه على القدرة على المنافسة عالمياً؟ وكيف ستتمكن المدن من اجتذاب المواهب والمبدعين والنمو السكاني؟ إن كل شيء سيكون متصلاً، والجزء الأكبر من ذلك يتم عبر الشبكة العالمية. ففي عام 2001، تم اتصال 300 مليون جهاز (كمبيوترات وهواتف خلوية وأجهزة كفية). والمتوقع في عام 2010 اتصال 14 مليار "شيء". ونحن لا نتحدث فقط عن الهواتف الخلوية ولكننا نتحدث عن السيارات والمباني وكاميرات المراقبة. إننا في حاجة لفهم ما تعنيه هذه القدرة على الاتصال فيما يتعلق بتخطيط مدننا وتوجيه التطور الاقتصادي والاستثمارات، وإدارة أفضل للمدن وحياة أفضل لمواطنينا. إن مدن المستقبل والعديد من المدن المبتكرة في عالم اليوم تواجه تحديات وفرص هذا العالم الجديد من خلال التفكير في الشبكة باعتبارها "المرفق الرابع".
إدارة مدينة بناءً على المعلومات
إن الأمر لا يتعلق فقط بتركيب شبكة نطاق عريض في البيت، وإنما بوضع الشبكة في قلب خطتك للمدن: حيث يشمل ذلك الرعاية الصحية والنقل والمباني والترفيه وغير ذلك. وستتم إدارة مدن المستقبل الأكثر نجاحاً بناءً على المعلومات التي ستكون ليس فقط مجرد إقامة شبكة، وليس فقط مجرد توصيل الوظائف في مدينتك بشبكة، ولكنها عبارة عن تخطيط ذلك على نحو شامل وبمنظور الوظائف المتصلة. إننا نعتقد أن الشبكة يمكن أن تصبح منصة للتخطيط المدني الشامل والإدارة الشاملة للمدن. هذه هي الطريقة المُثلى للاتصال ومعالجة وتبادل المعلومات في الزمن الحقيقي بكفاءة وفاعلية.
وبما أن الفرصة ليست متاحة لأي شخص لبناء مدينة من لا شيء، فإن المدن المبتكرة في مختلف أنحاء العالم ستجد طرقاً لإدخال الشبكة كمرفق رابع من أجل إحداث تحول في نشاطات المدينة الحالية. ومن أفضل أمثلة ذلك مشروع الحافلة المتصل Connected Bus project الذي يرعاه اتحاد التطوير العمراني المتصل والذي يتم تجربيه في سان فرانسيسكو، حيث يمكن من خلاله تقديم عروض تقنية تفاعلية وتقنيات لا سلكية وإدارة عمليات الصيانة تقنياً والوصول إلى معلومات الانتقال بين المحطات والخطوط عبر الشبكة أثناء الوجود في هذا المشروع Connected Bus project، لأن النقل المتصل هو الأساس لإدارة التأثير البيئي المتزايد الذي توجده المدن.
وهذا النمط من التفكير الشامل المتمحور حول الاتصال يصبح ممكناً إذا كنت تقوم ببناء مدينة من لا شيء، وهذا أمر يحدث في منطقة الشرق الأوسط. ومن أمثلة ذلك مدينة المعرفة الاقتصادية التي تكلفتها ثمانية مليارات دولار والتي يتم بناؤها انطلاقاً من نقطة الصفر في السعودية بجوار المدينة المنورة التي تعد مركزاً إسلامياً من الناحية المعرفية والسياحية.
وينظر خبراء تخطيط المدن المبدعون إلى الشبكة باعتبارها مرفقاً للتحول يقدم خدمات جديدة في المباني عبر الشبكة ويجتذب المستثمرين العقاريين ويحقق العائدات، ويجتذب سكاناً جدد بتحسين جودة الحياة ويعزز الأمن عبر مراقبة المباني من بعد وإجراءات الأمن الأوتوماتيكية. وسيتم إدارة جميع المباني في مدينة المعرفة الاقتصادية عبر الشبكة بحيث تنخفض تكاليف التشغيل من خلال تحويل إدارة الكهرباء إلى تقنية آلية على سبيل المثال. وهذا سيمكن المدينة من إدارة التأثير البيئي بمسؤولية عبر مبادرات مثل الإدارة الذكية للمرور وتشجيع وسائل النقل العام بتغذية معلومات في الزمن الحقيقي إلى الأجهزة النقالة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين مكانة المدينة الدينية باعتبارها مركزاً للعلماء من خلال اجتذاب الجامعات والعلماء وشركات التقنية بفضل ما تتمتع به من تقنية متطورة.
وستكون هذه الأنواع من المبادرات التي تتضمن شبكات ذات أهمية قصوى إذا كنا نرغب في تخفيف التأثير البيئي الكبير الذي تحدثه المدن والنمو في عدد السكان الحضريين، وسيمكن تحقيق ذلك فقط إذا كانت نظرتنا تتميز بالشمولية فيما يتعلق بالشبكة وإدارة المدن. وهذا هو السبب الذي يجعل من المدن المبتكرة في العالم والشركات الخاصة مثل سيسكو التي تتولى قيادة تحالفات مثل "التطوير الحضري المتصل" تسعى إلى إيجاد طرق مبتكرة للاستفادة من التقنية من أجل زيادة كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الابنعاثات الكربونية الناتجة عنها.
المستقبل
بالنسبة للمدن التي يتم تخطيطها وإدارتها بشكل شامل والتي تدعم الشبكات بوصفها مرفقاً رابعاً فإن هناك فرصأ هائلة يمكن استغلالها. ولكن السؤال المطروح، مالذي سيقدمه ذلك للمدينة؟ ومن واقع تجربتنا مع الحكومات في أنحاء العالم كافة، تعلمنا أن هناك القليل من المكونات الأساسية وهي: نماذج الحوكمة وجعل القدرة على الاتصال والتعاون جزءاً أساسياً من عملية التخطيط وطلب تقديم الاقتراحات مسبقاً، إضافة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وما يتضمنه ذلك بالفعل هو الاستفادة من النطاق العريض والقدرة على الاتصال بالعاملين في مجال المعرفة ومشاركة جميع قطاعات المجتمع في التطبيقات الرقمية والترحيب بالابتكار وخوض مخاطرات محسوبة، والتسويق الفاعل من أجل اجتذاب أعمال جديدة. ومن المستحيل التنبؤ اليوم بما ستصل إليه التقنيات والفرص بعد عشر سنوات أو 20 سنة. والفرصة متاحة الآن للناس لبناء مدنهم من أجل مواجهة هذه التحديات واصطياد الفرص، وبعد عشر سنوات من الآن فإن المدن الرئيسة ستكون تلك التي تعاملت مع ما يحدث بجدية وبدأت الآن في التحول إلى المستقبل.
رئيس العولمة شركة سيسكو سيستمز