المجتمعات الافتراضية ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود

المجتمعات الافتراضية ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود

المجتمعات الافتراضية ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود
المجتمعات الافتراضية ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود
المجتمعات الافتراضية ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود

المزج بين الحياة الإلكترونية والحياة الطبيعية بات قريبا جداً من حياة كثير من المستخدمين " المتطورين" الذين يعتمدون على الوسائل التقنية في لعديد من مناسباتهم وتواصلهم الاجتماعي والعملي، إذ أصبح الكثير لا يفرق بين الوسيلة الطبيعية والوسائل التقنية حتى أصبح يتعايش مع تلك الوسائل الإلكترونية وربطها بالحياة العامة، فأصبحت الوسيلة هي الغاية سواء كانت النتائج سلبية أو إيجابية. ومعها ظهرت شرائح كبيرة من المواقع يشارك بها خليط من البشر وبعقول مختلفة وتكّون بفضلها مجتمعات افتراضية فيها حريات غير محدودة، وأصبحت ملتقى الحضارات والصدام الفكري وكسر القيود، وتبادل الثقافات. وهي بمثابة نافذة مفتوحة التي يطل منها كل بيت، وتدعي بعضها أن شعارها الحرية ويواجه زوارها مشاهد أو قراءات خليط بين الرذيلة والفضيلة أو إحداهما.
بطبيعة الحال "الاتصالات والتكنولوجيا" بجميع الاتجاهات أثرت في حياتنا الاجتماعية والعلمية والثقافية والتربوية وحتى الاقتصادية، فبعد أن أصبحت كل الاتجاهات تصب في مصلحة المستخدم في توسيع دائرة البحث وتخطي الأزمان بالكم والكيف، وبعد أن صنعها البشر بناء على تطورات من الأزمان في وقت كان مسيطراً على تلك التكنولوجيا، فقد كانت تلك التكنولوجيا مجرد عامل تأثير خارجي، وقد استعملناها جميعاً كسيارات وطائرات وحواسب وهواتف نقالة، لكن ثمة تحول كبير وجدير بالملاحظة حدث في الأعوام الأخيرة، فالتكنولوجيا التي كنا نشكلها دائما، صارت تشكلنا، وجزءا ضروريا من حياتنا.
ولعل مربط الفرس في جميع تلك الوسائل الحديثة وعنوانها وبوابتها ونافذتها في آن واحد، هي تقنية "الإنترنت" وكما يهواها المحترفون بتسميتها " شبكة الشبكات " فهي الأم الحاضنة للتطور الهائل الذي يشهده العالم خلال القرن الماضي والحالي، فأصبح الشرق متصلا بالغرب، وأصبح الشمال متصلا بالجنوب، وحتى الكواكب والنجوم والمجرات الفضائية لم يصلها البشر إلا من خلال وسائل "اتصالات وتكنولوجيا" ولم تكن الإنترنت إلا وسيلة من وسائل المعرفة والتفصيل.

حياة إلكترونية
أصبحت الإنترنت في هذا السياق جزءا لا تجزأ من حياتنا اليومية، فمنهم من أثرت حياته الإلكترونية في حياته الطبيعية، فأصبحت التدخلات في الشخصية وأنتشر السم في جميع أنحاء الجسم حتى أصبح الخلل اجتماعيا فثقافيا فتربويا فاقتصاديا بالخسائر التي جناها تأثيرا في استخدامه السلبي لتلك الوسائل.
إذا أصبحت الحياة صعبة دون أدوات إلكترونية ( تلفاز، نقال، سيارة، طيارة، حاسوب، وحتى ومايكروويف مطبخ)، في المقابل أصبحت الحياة أصعب عندما لا وجود للاتصال بشبكة الإنترنت، إذا النتيجة هي أن الحياة لم تعد تستطيع الاستغناء عن استخدام "الاتصالات والتكنولوجيا" ، لذلك فقد أصبح الارتباط بهذه التقنيات أمراً لابد منه ولا يوجد بديل له، فلم يعد الحاسب الآلي أحد مظاهر الوجاهة والتميز الاجتماعي، ولم تعد الإنترنت إحدى الوسائل الترفيهية والاستطلاعية كما كانت من قبل، فقد أصبحت تلك الأدوات والوسائل إحدى ركائز حياتنا اليومية التي لا نستغني عنها.
يوضح ألفريد كريتشر، الإخصائي الألماني الذي يعمل في إدارة البحوث في وزارة الخدمة الاجتماعية بألمانيا، أن التطور الواضح في تغيير سلوكياتنا اليوم تسببه عدة عوامل محيطة بسبب متغيرات الحياة، وشبكة الإنترنت تسهم في التأثير على سلوكياتنا الحياتية بسبب تداخلها الكبير في نمط الحياة التي نعيشها.

#2#

كما يشير كريتشر في بحثه عن المتغيرات السلوكية في ظل تسلط التقنية على جميع مجالات الحياة إلا أن اكتساب السلوكيات الجديدة وتعديل السلوكيات الموروثة يتطلبان مرونة فردية وقدرة ذاتية على التقبل دون الحاجة إلى الإقناع. وشبكة الإنترنت فرضت نفسها على المجتمع دون أن يكون المجتمع في حاجة إليها، لذا فقد كان الانسياق غير الواعي وراء استخدامات شبكة الإنترنت السبب الواضح في التأثير على السلوك دون الحاجة إلى المرونة، فالاتصال بالانترنت أصبح عادة مثل عادة الأكل لدى الكثيرين لأنه سلوك ضروري، ولدى البعض الآخر مثل كتابة الشعر أو القصص لأنها حاجة إلى سلوك، أما الآخرون فالإنترنت لديهم مثل الذهاب إلى السينما أو المسرح لأنها سلوك اختياري.
ولاسيما أن الإنترنت تعد اليوم إحدى المجتمعات الإلكترونية الصغيرة والتي لها عالمها الافتراضي، فقد أُكد هذا التصور بالمصطلح الشائع الذي يوصف به الإنترنت وهو " مجتمع أو قرية إلكترونية" وما وصف به إلا دليلا على القدرة التي امتلكتها الإنترنت لربط مستخدميها داخل هذه الزوبعة، فهذا المجتمع أو هذه القرية لا يعرف بعضهم بعضا، ولا توجد روابط اجتماعية، وبسبب الانفتاح واللا محدودية لشبكة الإنترنت، فإنها عمقت الشعور لدى المستخدم بحاجته إلى التعرف على ثقافات غير التي يعرفها، ونتيجة لهذه الحاجة فإن اطلاعه قد ساعده على اكتساب بعض السلوكيات الجديدة وربما بشكل غير محسوس.
وهذا بالضبط ما كان يشير إليه كريتشر في بحثه من خلال عرضه لبعض الحالات الدراسية التي أثبتت تغييرًا في نمط سلوكياتها دون أن تلاحظ بينما أشار إليه من هم حولها.
ويرى كريتشر أن العديد من الصفات والسلوكيات البشرية مثل العنف والغضب والأنانية والحب والتضحية وغيرها جميعها تتأثر بتأثيرات الإنترنت عليها.
سلبيات وإيجابيات
وذكر فيصل بن فهد الحميدي، أحد مرتادي الإنترنت والمهتمين في مجال الاتصالات والتكنولوجيا أن الإنترنت يعد من متطلبات العصر الذي استطاع أن يقتحم العقول والبيوت مثلها مثل كثير من أدوات التكنولوجيا الحديثة التي لها سلبياتها وإيجابياتها.
وأضاف بقوله :"فبداية المستخدم للإنترنت كان تصوري هو أنه للدردشة فقط ، حيث أردت أن أكتشف بنفسي ماذا يخفي هذا العالم من أسرار وخفايا، فأصررت على الدخول إلى أكثر من مجتمعات، فوجدت ما الله به عليم من أراد الفائدة والعلم فسيجدهما. وباعتقادي الشخصي أن الإنترنت أصبحت مصدرا من مصادر الثقافة ففي الماضي كانت الكتب والقراءة أما اليوم فهي المواقع المفيدة والمنتديات العربية التي تهتم بثقافة ورقي فكر الشباب والفتيات على حد سواء للخروج بفائدة تعود أولا على تفكير الشخص وبالتالي على مجتمعه".

#3#

وعلل الحميدي بأن التطرق لسلبيات وإيجابيات استخدامات التكنولوجيا تم التحدث عنه مرارا وتكرارا، ومن المؤسف أننا لم نتوصل إلى الحل أو إلى رقي في الاستعمال من قبل المستخدمين لهذه التطورات، وما زلنا نواجه مشاكل وسلبيات قد تتحول إلى مصائب عائلية وجرائم أخلاقية من هذا الاختراع "المحمود" صنعا، و"المذموم" استخداما عندنا البعض. ومقصدي هنا التطرق إلى قضية "التكنولوجيا الحديثة واستخداماتها" ومدى إسهامها في جسر التواصل بين أفراد المجتمع، فبتقديري حسب دراستي الاجتماعية أرى أن التقنية ساهمت بقدر كبير لخلق تواصل اجتماعي بين الأفراد، على سبيل المثال أن أغلب الأشخاص أصبح يكتفي بالمكالمة أو الرسائل للتواصل مع أفراد أسرته، وهذا يؤدي إلى تباعد فكري واجتماعي بين أفراد الأسرة نفسها، فبالتالي يؤدي لتفكك المجتمع تدريجيا، فالتقنية هبة من الله أوجدت لخدمة الإنسان وتسهيل حياته ومساعدته على سرعة الإنتاج والتطوير، لكن للأسف الكثير منا أصبح يسيء تلك الاستخدامات حتى أصبح المنازل "خربة".
إذا التكنولوجيا في هذا السياق لا تسيرها مشاعر وأحاسيس معينة، بل برامج من صنع الإنسان، تقاس أهميتها في الأساس بالذكاء. وبذلك، فإن الأحاسيس التي يبادلها الإنسان تعتبر مشاعر أحادية الجانب، ما يرجح فرضية تأثيرها في نفسية الإنسان إن أسرف في استعمالها، الأمر الذي يؤكده علماء النفس في أكبر الجامعات العالمية. فقد تفقد هذه التقنية الإنسان ثقته بنفسه نظرا لكثرة اعتماده عليها وتراجع مجهوده البدني والعقلي.
وفي أيامنا هذه، يقضي أطفالنا معظم وقتهم أو وقت فراغهم رفقة هذه الآلات التكنولوجية، خصوصا الحواسيب والهواتف النقالة وألعاب الفيديو،  وهي مرتع خصب للتحرر بجميع أنواعه وفي كل المستويات. فألعاب الفيديو تعلمهم العنف والعزلة والعيش في عالم افتراضي ينتهي مع انقطاع التيار الكهربائي عن اللعبة. كما أن مراقبة الآباء لما يقوم به أطفالهم والمواقع التي يتصفحونها يعد أمرا شبه منعدم، وبالتالي فإمكانية تعرضهم للانحراف تتزايد وتشتد خطورتها يوما بعد آخر.

الأكثر قراءة