الهروب نحو الهاوية!

الهروب نحو الهاوية!

مع تقدم التقنية وانتشار العلم المادي وتسارع وتيرة الحياة، تنتاب الإنسان لحظات غامضة ومواقف غير مفهومة ـ مرحلياً على الأقل ـ تجعله يتوقف قليلاً ليلتقط الأنفاس في طريقه نحو الثراء المادي والتخلص من المشكلات الاجتماعية والنفسية، ومحاولة السيطرة والتحكم فيما حوله وفيمن حوله، فيجد العالم لا يتوقف مثله وعجلة الحياة مستمرة في الحركة، وهو عاجز عن فعل شيء تجاه ذلك.
وفي لحظات الضعف الإيماني والرغبة المحمومة تجاه المادة يجد الشيطان فرصة سانحة للدخول إلى النفس البشرية ومحاولة التأثير فيها بشتى الطرق، وتزامناً مع ما يتسم به الزمن الحاضر من السرعة والتطورات المتلاحقة، يضرب الشيطان على وتر الرغبة الجامحة لدى الإنسان للحاق بالعالم والتقدم عليهم، فيوسوس له ويزين له سلوك أقرب الطرق وأسرعها للوصول إلى مبتغاه، فيلجئه لطلب العون من السحرة والاتصال بالمشعوذين والكهنة والعرافين لقراءة المستقبل والتنبؤ بالأحداث وأخذ الحيطة تجاهها واتباع نصحهم وتعليماتهم للحصول على مراده، فيدخل في دوامة من طلباتهم المادية والروحية، التي يجب عليه تنفيذها حرفياً وبدقة تامة ليحصل على النتيجة المطلوبة ويحقق الحلم الوردي الذي رسمه في مخيلته، ويبدأ بالسير الحثيث على الطريق الذي رسمه له أولئك، دون أن يدري أين ينتهي ذلك الطريق ـ وهو غالباً لا ينتهي بل ينقطع فجأة ـ إلا في أحلامه وخيالاته، ولا يعرف كم من التضحيات سيدفع خلال مسيرته تلك.
إنّ السير في طريق السحر ومحاولة تجاوز العقبات وركوب المعجزات في سبيل تحقيق الأماني من الأحلام بأقصر الطرق وأقل التكاليف، هو هروب من الواقع نحو أمر مجهول لا يعلم كنهه وحقيقته حتى السحرة أنفسهم، وهم الذين رسموا ذلك الطريق ووضعوا لوحاته الإرشادية في ذلك الطريق المظلم مجهول النهاية.. وتلك اللوحات لا تنتهي عند حد أو توصل إلى نتيجة، بل هي تردد ودوران في الطريق نفسه إلى أن يجد السالك لذلك الطريق نفسه في متاهة من الخزعبلات والأوهام دون تحقيق أي من الأحلام، فلو كان ذلك الطريق يؤدي إلى سعادة أو ثراء لكان راسموه وواضعو لوحاته الإرشادية ـ وهم السحرة ـ أكثر الناس سعادة وثراء، ولما احتاجوا إلى الناس ليتلقوا منهم الأموال، ولما عاشوا وحيدين في بيئات قذرة، ولما اتسمت طلباتهم بطقوس مخيفة وطلاسم غير مفهومة، توضع في أماكن قذرة أو مجهولة، محاولين إخفاءها عن الأعين حتى لا تصل إليها فيفتضح أمرهم وتنكشف حيلهم في إضلال الناس واستلاب أموالهم.
إنّ الحديث عن السحر والسحرة متلازم مع النهايات التعيسة لكل من سلّم إليهم زمامه ومدّ إليهم يده، وذلك بفقده دينه وحصول الضرر له مصداقاً لقول الله ـ عزّ وجل: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" وقوله: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم".
وليس السعي نحو السحرة محصوراً في الضعفة وبسطاء الناس ممن عجزت قدراتهم عن تحقيق أحلامهم، بل هو داء مستشر حتى عند علية القوم وكبرائهم وأغنيائهم، فهذا فرعون كان له جيش من السحرة مع ما كان لديه من مال وملك، وفي عصرنا الحاضر تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار عن رؤساء دول وأكابر وأغنياء يلجأون إلى السحرة والعرافين لقراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل، ولم نر ـ ولن نر ـ أحداً يستفيد من ذلك الطريق المشبوه، لأنّ الله ـ عزّ وجل ـ حكم بفساده وقطع حبل الرجاء به "ولا يفلح الساحر حيث أتى" "ما جئتم به السحر إنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين".
إنّ اللجوء إلى السحرة وأعوانهم ومن شابههم سعي حثيث نحو نهاية مؤلمة وعاقبة مخزية في الدنيا والآخرة، تفقد الإنسان ماله ودينه، وتلك والله أعظم الخسارة وأسوأ العواقب لمن كان يؤمل منهم أن يوصلوه لمبتغاه، ولكن هيهات، هيهات.. ففاقد الشيء لا يعطيه.
والعاقل من اتعظ بغيره، وألزم نفسه شرع الله ورضي بقدره وقنع بما آتاه الله "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى".

الأكثر قراءة