المبادرة كسلوك إعلامي .. !!

المبادرة كسلوك إعلامي .. !!

المبادرة كسلوك، تتضمن الرغبة الحقيقية في تقديم شيء مختلف، وكذلك الإصرار على جعل الأشياء غير الممكنة أو المستحيلة ممكنة وقابلة للتنفيذ، ومن هنا يمكننا ملاحظة التأثير الذي تحدثه المبادرة في حياتنا أو في حياة الآخرين، ليس باعتبارها مجرد سلوك طارئ نستخدمة متى ما احتجنا إليه، ولكن باعتبارها منهجا سلوكيا يوجه حياتنا دائما إلى الأفضل. ويرتكز العمل الإعلامي في كثير من أجزائه على المبادرة. فالإعلاميون يبدأون يومهم وينهونه وهم يفكرون ماذا سيقدمون، وتفكيرهم هذا هو بداية المبادرة. ومن هنا يتعلم الإعلامي منذ التحاقه بالعمل المهني اليومي أنه بحاجة مستمرة إلى المبادرة كسلوك إعلامي بامتياز، فضلا عن أنها سلوك إنساني لكل من يريد أن يحقق تغييرا في حياته.
الجيلان القديم والجديد من الإعلاميين يدركان هذا الأمر جيدا، ولذا فهما يتوارثانه كسلوك مهني يدخل ضمن الإطار العام للتنشئة الاجتماعية الصحفية Journalistic Socialization التي يمر بها الإعلاميون، ويقصد بها التمرير المعرفي الذي يقوده الجيل الأقدم تجاه الجيل الأحدث، وكذلك استجابة الجيل الأحدث لهذه المعرفة، والاستفادة منها، واتخاذها منهجا وقيما مهنية.
وسائل الإعلام اليوم تعمل ضمن محورين مهمين، أولهما القدرة السريعة على المتابعة والتغطية لكل ما يستجد، والأمر الآخر هو المبادرة التي يبديها العاملون بالوسيلة الإعلامية في البحث عن قصص إخبارية، يمكن من خلالها تقديم جديد مختلف. والإعلاميون - كل حسب خبرته – يتطلعون للتغيير، والإسهام في تغيير الواقع من حولهم، ولكن هناك مجموعة من التساؤلات نحن بحاجة إلى الإجابة عنها وهي : هل يبادر الإعلامي ويقدم ما يؤمن به أم أنه يقدم ما يؤمن به المسؤول في الوسيلة الإعلامية ؟ هل يتناول الإعلامي ما يهم المجتمع أم أنه يتناول ما يهم المسؤول في الوسيلة ؟ هل يقدم الإعلامي وجهة نظره المنعكسة من وجهة نظر المجتمع أم أنه يقدم وجهة النظر التي يؤمن بها المسؤول في الوسيلة ؟ وأخيرا .. هل الإعلامي يقدم الحقيقة كما يراها هو أم أنه يقدم الحقيقة كما يريد له المسؤول في وسيلته أن يراها؟

في الكثير من أجزاء العمل الإعلامي عموما تدور حول هذه الأسئلة. ولذا فالإعلامي عند رغبته في المبادرة يعيش صراعا حقيقيا بين قناعاته الداخلية ورؤاه وتوجهاته وميوله وإيمانه بكل ذلك، وبين التنشئة الاجتماعية الصحفية التي يمر بها عند التحاقه بالوسيلة الإعلامية، فالإعلامي يعرف مثلا أنه كلما كان قريبا في أفكاره ومبادراته من أفكار المسؤول في وسيلته ضمن فرصة أكبر للترقي والتطور الوظيفي وبالتالي منحه فرصة أكبر للتواجد من خلال الوسيلة. ولذا فالإعلامي تسيطر عليه قوى عديدة من أهمها رغبته في (أن يكون شيئا )، وضغوط العمل اليومي المطالب بالإنجاز فيه، والسلطة التي يمارسها عليه المسؤول في الوسيلة والتي يتبعها تقريب الإعلامي أو تهميشه، إضافة إلى تأثير سلوك الزملاء عموما والأقدم خصوصا. كل هذه القوى تتعاون على تطبيع الإعلامي وفق القيم التي يؤمن بها رئيسه أو بالأصح القيم التي تؤمن بها وسيلته الإعلامية على اعتبار أن الرئيس ليس إلا قيما على معايير وقيم الوسيلة ذاتها. ويبقى الإعلامي في حيرة، هل يبادر بما يؤمن به حقا، أم أن مبادراته ينبغي أن تروق لرئيسه، الذي يتحكم في مصيره الوظيفي والإنساني في كثير من الأحيان.

الأكثر قراءة