اللقطة الأخيرة للوجع

اللقطة الأخيرة للوجع

يمارس الإعلام بكل وسائله دورا حيويا في ما يمكن تسميته بـ " نقل المأساة "، حيث تتحول الوسيلة الإعلامية إلى العين والأذن التي يبصر ويسمع بهما المتلقي، وليس ذلك فقط بل تسهم وسائل الإعلام في رفع منسوب الاتصال الانفعالي، ودفع المتلقي إلى تبني مواقف وقبول أفكار ورفض أخرى.
من هنا يمكننا أن نطلق على وسائل الإعلام "شركاء الحقيقة " إذ تصبح الوسيلة الإعلامية شريكا دائما للمتلقي، يحصل من خلالها على الحقائق والوقائع ومجريات الأحداث وكل ما يتعلق بالعالم من حوله سواء العوالم القريبة أو تلك البعيدة عنه.
وتكمن إشكالية "نقل المأساة" في أن عملية النقل هنا لا تعني بالضرورة الحدث القائم كما هو بالضبط، فالمآسي مهما بالغنا في نقلها إلا أننا لا نقدم سوى اللقطة الأخيرة فيها، حيث نقل أو تغطية انفجار في مكان ما لا يصور أكثر من صورة الدمار الحادث وصور المصابين، ولكنه بالتأكيد لا يصور ولا ينقل لحظات الفزع والمفاجأة والرعب التي اعترت الجميع لحظة وقوع المأساة. هذا التصور ينظر إليه القائمون على وسائل الإعلام أنه تراكم طبيعي لتسلسل الحدث، ففي أكثر الأحيان تأتي وسائل الإعلام بعد وقوع المأساة، وهنا يفوتها اقتـناص لحظة مباشرة وقوع المأساة مما يعني أنها تسهم في تقديم نتيجة المأساة وليس المأساة نفسها. بل حتى نتيجة المأساة لا يمكن تقديمها كاملة، إذ كل ما يمكن للوسيلة الإعلامية تقديمه هو تقديم (الوجع في لحظته الأخيرة).
وعلى سبيل المثال فإن تغطية وسائل الإعلام لهدم منزل أسرة فلسطينية في غزة من قبل العدو الصهيوني لا يعني نقل الصورة كاملة، بل نقل اللقطة الأخيرة من المأساة الموجعة التي تمر بها هذه الأسرة، إذ إن عين الكاميرا واللاقط (الميكرفون) لا يمكن لهما أن يعبرا إلى لحظة الألم التي يعيشها قلب الأم الفلسطينية التي ترى أبناءها في البرد القارس يعانون (اللامأوى). ولا يمكن لكل وسائل الإعلام أن تنقل لحظة الفقد التي يعيشها الأب الفلسطيني وهو يدفن أحد أفراد أسرته.
هذه إشكالية حقيقية تعانيها وسائل الإعلام وهي عدم قدرتها على نقل الحقيقة كاملة، وليس ذلك لأنها لا تريد ولكن لأنه في كثير من الأحيان لا يمكن لكل عدسات الدنيا أن تنقل الحقيقة الفعلية. ولذا عمد كثير من وسائل الإعلام إلى تقديم روافد إعلامية مصاحبة (تقارير، استطلاعات، لقاءات .. إلخ) حول المأساة في سبيل تكريس معناها وتقديمها بالشكل الذي يعتقد القائمون على وسائل الإعلام أنه فعلي.
قد يبدو للمتلقي أحيانا أن الوسيلة الإعلامية أسهمت في تثقيفه ودعمه بالمعلومات اللازمة حول حدث معين، وتقديم تفسيرات مختلفة للحدث، ولكن الحقيقة أن بعض وسائل الإعلام أيضا تقوم بتضليل المتلقي أحيانا وتقديم معلومات غير صحيحة أو على الأقل غير دقيقة مما يسهم في التشويش على المتلقي بشكل أساسي. المتلقي اليوم أكثر ذكاء من الوسائل الإعلامية فهو لن يتردد في التأكد من معلومة ما عبر أكثر من وسيلة إعلامية، وبالتالي ستقع الوسيلة الإعلامية المضللة في حرج بالغ حينما تفقد ثقة المتلقي فيها، وما أصعب ذلك الفقد حينها !!

الأكثر قراءة