مطالب بإزالة عقبات انتقال السلع والأفراد والأموال والخدمات
طالب اقتصاديون عرب الحكومات بتسريع العمل نحو إزالة كل العقبات أمام انتقال السلع والأفراد والأموال والخدمات بين الدول العربية.
وأوضح عدد من الاقتصاديين في الجلسة الثانية ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي والاجتماعي التي عقدت البارحة الأولى في الكويت تحت عنوان "التجارة والاستثمار" أن حركة التجارة والاستثمار بين الدول العربية ما زالت دون مستوى الطموح.
واستهل وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد كلمته بالدعوة لأن تكون هناك مشاركة حقيقية في مجتمع الأعمال لوضع رؤية واضحة بين الحكومات والشعوب العربية، بهدف تطوير العمل التنموي الاجتماعي في العالم العربي في الفترة المقبلة.
واعتبر رشيد أن التجارة والاستثمار هما المحرك الأساسي الذي سيدفع بالعمل العربي الاقتصادي في الفترة المقبلة، لأن ما تحقق إلى الآن في مجال الوحدة العربية التجارية والاستثمارية أقل بكثير من الطموحات والأحلام التي وضعت عام 1945. وكشف رشيد أن نصيب المنطقة العربية من الاستثمارات العربية لا يتعدى 25 في المائة، كما أن العمالة العربية في الخارج انخفضت من 72 في المائة إلى 23 في المائة في الأعوام الأخيرة. والتجارة البينية تراوح بين 10 و15 في المائة فقط.
وعدّد رشيد الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق الأحلام بوحدة عربية تجارية على مدى السنوات الـ 60 الماضية وأولها عدم وجود التزام حقيقي سياسي ثابت بأهمية التعاون الاقتصادي، إذ إن التعاون الاقتصادي كان يحتل المراتب الأخيرة من اهتمامات المسؤولين العرب، في حين أن الحوار السياسي كان يحتل الصدارة، لا بل في أكثر الأحيان استخدام الاقتصاد كرهينة وأداة سلبية في الحوارات السياسية على مدار الـ 60 عاماً الماضية. مشيراً إلى أن التجارب الغربية تشير إلى أن التجمعات بدأت بمصالح اقتصادية وبرؤى واضحة ما بين الشركات تطورت بعدها إلى تعاون سياسي، والمجموعة الأوروبية أكبر مثال على ذلك، مضيفاً أن مشكلات العالم العربي متعددة، وقدرتنا على التعامل فيها ضعيفة ولا نملك القوة الكافية بين أيدينا للتعامل معها. ومن الأسباب أيضا، شدد رشيد على ضرورة أن يكون للحكومات دور في التعامل مع المنظومة التي تعبر عن اقتصاد موحد. ويجب أن يكون للمسؤولين الاستعداد الكافي للتنازل عن بعض السلطات والصلاحيات إلى المجموعة الوزارية الإقليمية. مضيفاً أن العمل الجماعي العربي ليس مجرد عمل تكاملي، بل هو في جزء منه عمل تنافسي، وبالتالي فإن فتح الحدود في البداية سيخلق مرحلة تنافس بين المجتمعات الاقتصادية المختلفة، والكثيرون يخشون هذا التنافس.
وتابع رشيد أن من أهم أسباب عدم تحقيق الوحدة العربية التجارية عدم وجود قدر كاف من الجدية لتحقيق ذلك على مدى السنوات الماضية، إذ إن جهود كثير من الشركات اللاعبين في الملعب العربي كانت عبارة عن نيات وعواطف وتمنيات بإنشاء شركات للعمل العربي الإقليمي، من دون توجه للتنفيذ الجدي على الأرض، في حين أننا اليوم بدأنا نرى وبقوة المئات من الشركات العربية تفكر بأسلوب إقليمي وتخطيطها يتعدى حدود دولتها. كما أن آلافا من المشاريع أقامتها شركات عربية تفكر بمنظور إقليمي، والإيجابية اليوم هي في قدرتنا على البناء على هذا التوجه الجديد للفترة المقبلة، مشيداً بتجربة الشركات العربية التي سبقت حكوماتها بالتفكير بمنظور إقليمي.
وشدد رشيد على ضرورة توحيد التوجه الاقتصادي العربي، لأن ذلك يسهم في تنفيذ وحدة عربية اقتصادية، فالاقتصادات العربية منقسمة بين ليبرالي - حر – اشتراكي، بالرغم من التلاقي الذي نلمسه اليوم بين بعض هذه الاقتصادات وأهمه على سبيل المثال انضمام 12 دولة عربية إلى منظمة التجارة العالمية.
وأشار رشيد إلى أن القادة العرب سيعلنون في هذه القمة رؤية واضحة ستحرك العمل العربي الاقتصادي في الفترة المستقبلية، كما أن هدفها إعطاء المناخ المناسب للتحرك وتوفير آليات ومناخ ملائم لتحقيق المشاريع الكبيرة وتطوير الآليات في كل دولة، مشددا على أن الاعتماد الأساسي هو على المواطن العربي ودور الحكومات هو فتح المجال أمام هذا المواطن لتحقيق آماله.
مراجعة تاريخية
من جهته، قدم الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أحمد الجويلي مراجعة تاريخية للتجارب العربية المتتالية لتحقيق وحدة اقتصادية التي لم تنجح لأسباب عديدة، معتبرا أن القرار العربي الذي صدر عام 1998 بإنشاء منطقة تجارية عربية موحدة من دون رسوم جمركية كان الأفضل إلى الآن. وأشار الجويلي إلى أن هناك كثيرا من المعوقات الفنية لتوحيد التجارة العربية وعلينا مواجهة هذه المشكلات والتحديات التي يحلّ بعضها والبعض الآخر يبقى عالقا.
وشرح الجويلي أن نسبة التجارة البينية بين الدول العربية لا تتعدى 11 في المائة، وقد تعدت 100 مليار دولار بالمطلق، مضيفا أنه يمكن للدول العربية أن تواجه الأزمة العالمية وحل مشكلة الانكماش الحاصل بحث وسائل عدة، منها زيادة نسبة هذه التجارة ورفعها من 10 إلى 15 في المائة على سبيل المثال.
وطرح برنامج لتسهيل التجارة واستبدال التكامل السطحي بتكامل أكثر عمقا، تخفيض تكاليف النقل بين الدول العربية، تحرير تجارة الخدمات والموافقة على هذا المشروع في القمة، زيادة التجارة البينية والاعتماد على التطور التكنولوجي لخلق سلع جديدة يتم من خلالها التداول وزيادة عملية الاستثمار البيني بين الدول العربية لأكثر من 16 مليار دولار المعلن عنها حاليا.
وطالب الجويلي بضرورة السماح لرجال الأعمال العرب بحرية انتقال السلع والأموال والأفراد وتسهيل إعطاء التأشيرات عبر نموذج "بطاقة المستثمر العربي" التي تعد نوعا من "الشنغن" العربية لأن الصعوبة في التنقل هي أحد معوقات الاستثمار، مضيفا أن أهمية قمة الكويت هي حديثها للمرة الأولى عن تمرير الخدمات بين الدول العربية وليس فقط السلع.
الروتين الحكومي
أما مداخلة مديرة مجموعة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي ريتفا رينيكا فتناولت الإحصائية أو المسح الذي قام به البنك في عديد من الدول العربية في تشرين الأول (أكتوبر)، تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2008، لمعرفة مدى نجاح تجربة منطقة التجارة العربية الحرة أو ما يعرف PAFTA في توجيه التجارة العربية.
وقد عملت هذه الدراسة بنفس طريقة دراسة مثيلة لها أجريت عام 2001، وقد خلصت هذه الدراسة إلى ضرورة تشجيع الصادرات غير النفطية بين الدول العربية وإصلاح الاستثمار لأنه المفتاح الأساسي لمواجهة الأزمة.
وقد تناولت هذه الإحصائية 300 مؤسسة عربية تعمل في مجالات الزراعة، الصناعة، التجارة، والخدمات. وقد أظهرت هذه الإحصائية إلغاء التعرفة الجمركية وخفض رسوم النقل وتخليص البضائع والمعاملات إلى 6 في المائة من مجموع الرسوم. وكشفت رينيكا إلى أن 90 في المائة من الشركات العربية تستفيد من PAFTA، داعية إلى تخفيض القيود على التجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأنها الأعلى في العالم.
وأشارت إلى سعي البنك الدولي للتخفيف من حدة الروتين الحكومي في البلدان العربية، داعية إلى تبسيط الإجراءات الحكومية من أجل ضمان انتقال سلس وسهل للسلع والبضائع بين الدول العربية.
وقالت إن الشركات العربية استفادت من اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، مبينة أن أهم الإنجازات تمثلت في تخفيض تكاليف الحواجز الجمركية وغير الجمركية. وأشارت إلى أن البنك الدولي بصدد إعداد تقرير حول تطور القطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مؤكدة حاجة دول المنطقة إلى قطاع خاص نشط يوفر للمجتمع الوظائف التي يحتاج إليها.
تأشيرات رجال الأعمال
من جهته، اعتبر رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الهادي الجيلاني أن المنتدى يحمل القطاع الخاص العربي مزيدا من المسؤولية لأن رجال الأعمال العرب أسهموا في بناء اقتصادات بلدانهم بشكل فاعل وأثبتوا أنهم قادرون على التآلف بفضل الحس الوطني، مضيفا أن رجال الأعمال قادرون على تأسيس منهج التكامل الاقتصادي.