يتجه لتحقيق هدف 10×10 .. منتدى التنافسية سيعلن نتائج الدورة الأولى للمؤشر
في وقت يطرق منتدى التنافسية الدولي الثالث أبواب العاصمة الرياض كحدث اقتصادي واجتماعي غير مسبوق في المنطقة في نسخته الثالثة 2009، كان لا بد وأن نحاول رسم صورة بانورامية تكشف بعض - نقول بعض لا كل - ملامح هذا الإنجاز الفذ في الثقافة السعودية الذي يؤكد حيوية ومعاصرة العقل السعودي في مضمار الماراثون الحضاري الملتهب، ومدى قدرته على "تبيئة" المفاهيم والممارسات والنظم الحضارية الحديثة لتكون جزءا أصيلا من نسيجه التراثي والثقافي والاجتماعي.
عودة إلى جذور المفهوم
أعلنت الهيئة العامة للاستثمار يوم الثلاثاء 19 من شباط (فبراير) 2008 رغبتها في إطلاق مؤشر للمسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية بهدف تشجيع الشركات على اعتماد أفضل الممارسات التي تسهم في إثراء القيمة البشرية والاجتماعية. وكان هذا حدثا استثنائيا بسبب ربط المسؤولية الاجتماعية للشركات بالتنافسية. إذ إنه فتح آفاقا جديدة و واسعة أمام ما كان يمارسه قطاع الأعمال من خدمات اجتماعية بدوافع أخلاقية وبوحي من الوازع الديني والاجتماعي عبر مختلف أنواع العطاء الاجتماعي.
وكان لا بد من أن يحدث مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومن ثم مفهوم التنافسية المسؤولة ربكة (إلى حد ما) في المفاهيم التقليدية، وبالتالي كان لا بد من إزالة اللبس وتوضيح الفوارق والحدود بين المفاهيم وفرزها بشكل واضح.
ورغم تعدد التعاريف في الأدبيات الاقتصادية الحديثة للمسؤولية الاجتماعية للشركات إلا أن التعريف الذي ساد واستقر أكثر من غيره هو: أن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي حركة تطوعية ونهج إداري وسلوكي لتحقيق أهداف مشتركة ما بين القطاع الخاص والمجتمع، من أجل تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع.
وبذلك تكون التنافسية المسؤولة للشركات مفهوما أوسع وأكبر وأشمل، فهي تضم وتشمل الأعمال الخيرية والتطوعية، كما تضم خدمة المجتمع، التي تحتضن الأولى - أي الأعمال التطوعية - بدورها، لتصبح التنافسية المسؤولة للشركات بذلك أشبه ما تكون بالمظلة الكبيرة التي تشتمل وتضم وتحتوي على العمل التطوعي وخدمة المجتمع. ويمكنك أن تسأل ما الذي يميزها عنهما؟
والإجابة ليست بالتعقيد الذي يتخيله البعض، ذلك أن خدمة المجتمع مثلها في ذلك مثل العمل التطوعي الخيري تحقق ترضية وراحة ضمير فردية وشخصية من ناحية، كما أنها تتوجه إلى شريحة محدودة تستفيد من هذا العطاء. في حين أن العطاء في التنافسية المسؤولة ينطلق من منظور أوسع وأشمل لتحقيق أهداف مشتركة ما بين القطاع الخاص والمجتمع ككل من أجل تحقيق التنمية المستدامة، أما من حيث آليات العمل أو الحركة، فإنها، كما أوضحنا قبل قليل تنحو نحو اتخاذ مناهج إدارية وسلوكية فيما تطرحه من مشاريع مستدامة، وتحاول جهدها أن تأتي هذه المشاريع على ارتباط ما بالتنمية المستدامة للمجتمع.
المسؤولية .. من تكلفة إلى استثمار
وعند الحديث عن مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات تأتي أهمية وقيمة التنافسية المسؤولة ووظيفتها، ذلك أنها تمثل الشرط الأساسي لإيجاد برامج مسؤولية اجتماعية ناجحة ومستدامة وفعالة، وهي بذلك المظلة الكبرى التي تنضوي تحتها المسؤولية الاجتماعية للشركات. في حالة التنافسية تتبنى الشركة موقفا استراتيجيا متكاملا في سلوكياتها بمقتضاه تلتزم بالمحافظة على البيئة وبالاستثمار في البشر عن طريق التدريب والتأهيل والتراكم المعرفي أو تحريض الحس المعرفي عند العاملين، كما تعنى التنافسية المسؤولة بالقيادة ونهجها الإداري وبالنظم، والممارسات التي تدعم وتسهم بفعالية في تحقيق التنمية المستدامة.
وثمة فارق آخر وهو أن برامج المسؤولية الاجتماعية داخل الشركة في إطار التنافسية تجاه موظفيها تتحول من تكلفة إلى استثمار، ذلك لأن ما تبذله الشركة في تعزيز بيئة العمل داخلها، يرفع من كفاءة العاملين ، ويؤثر إيجابا في مردودهم الإنتاجي من حيث الكم والنوع الأمر الذي يؤدي إلى توسع أعمال الشركة وازدهارها ، ويعزز بالتالي من موقعها التنافسي.
إن المقاربة المسؤولة للشركات في إدارة الأعمال تعود - كما نقر جميعا - على الشركة من حيث السمعة الجيدة، والثقة التي تحظى بها في المجتمع والمتعاملين معها من موردين ومستهلكين، ولكنها تساعدها أيضا في إدارة أعمالها في مجالات إدارة المخاطر، والقيمة المضافة، والإنتاجية والابتكار والإبداع.
وثمة انعكاسات إيجابية غير مباشرة للتنافسية المسؤولة للشركات على المجتمع وعلى الأفراد وعلى الشركة، وتعكس لنا تجربة شركة سمكس المكسيكية التي تعمل في صناعة الأسمنت مثالا على ذلك. لقد وجدت إدارة الشركة أن مخرجات التعليم في المنطقة لا تلبي احتياجات الشركة من العمالة الفنية الماهرة، فقامت بإنشاء كلية تقنية مع شركاء آخرين، وتطورت الكلية حتى صارت جامعة، هي جامعة (مونتري). وبهذا النوع من المبادرات الخلاقة استطاعت الشركة أن تعزز من موقعها التنافسي، كما ساهمت في تنمية المنطقة التي تعمل فيها، وساهمت بالاستثمار في رأس المال البشري وتنميته، وضمنت عمالة فنية وتقنية جيدة تنتمي إلى بيئة العمل، أي أنها لم تنتظر ما ترميه إليها مخرجات التعليم في المدن الكبرى ممن فشلوا في إيجاد فرصة عمل لهم هناك ليأتوها مجبرين لا عن رغبة، ويصعب عليهم التأقلم أو يأخذ وقتا منهم على بيئة صناعية بعيدة، ونائية.
وعندما عقدت الهيئة العامة للاستثمار وشركاؤها مؤتمرها الصحفي في جدة يوم 13 تموز (يوليو) 2008 معلنة إطلاق مؤشر التنافسية المسؤولة للشركات السعودية الأول كان ذلك إيذانا بتدشين مرحلة حاسمة في تاريخ المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة، لأن مؤشر التنافسية تحديدا هو ما كان ينقص لتتخذ أفكار ومشاريع هذه المسؤولية طابعا علميا ومنهجيا واضحا، يحدد أهدافا واضحة لها واتجاها تستهدي به في مسيرتها.
#2#
فما مؤشر التنافسية المسؤولة؟
باختصار شديد: المؤشر عبارة عن مرجع يشتمل على معايير نتعرف من خلالها على أفضل ممارسات شركات القطاع الخاص في مجالات متعددة بيئية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية، حيث يتم تسليط الضوء على هذه الممارسات لنرى مدى تأثير هذه الممارسات في التنمية المستدامة بشكل عام وفي الاقتصاد الوطني بشكل خاص.
بالنسبة للهيئة العامة للاستثمار فإن إطلاق المؤشر يصلح كخطوة أساسية تدعمها في تحقيق هدف 10 × 10 الذي يهدف إلى أن تحتل المملكة موقعها ضمن أقوى عشر اقتصادات عالمية من حيث بيئة الاستثمار بحلول عام 2010، وكما قال محافظ الهيئة العامة للاستثمار عمرو الدباغ حينها فإن تأثير المؤشر مستقبلا سيسهم في خلق بيئة العمل المسؤولة في كل قطاعات الأعمال بمختلف مستوياتها بشكل متدرج حتى تصبح المملكة بيئة أكثر ملائمة للاستثمار، ومؤهلة لتنافس بعد ذلك على مواقع أعلى ومراتب أكبر ورفاه اقتصادي أكثر.
الشركاء .. وسعودة المؤشر
المؤشر الذي ساهمت في وضعه مؤسسة عالمية متخصصة في مؤشر التنافسية المسؤولة وهي شركة AccountAbility (أكاونتابيليتي) كشريك دولي، كان لا بد من سعودته بما يتناسب مع ثقافة واحتياجات المجتمع السعودي، لذا قامت شركة تمكين للاستشارات التنموية والإدارية (الشركة الأولى المتخصصة في المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة) كشريك محلي مختص بالمشاركة بهذا الدور. وتوضيحا لذلك يقول عبد المحسن البدر، الرئيس التنفيذي لمنتدى التنافسية الدولية في الهيئة العامة للاستثمار: لقد حاولنا في المؤشر أن نراعي خصوصية المجتمع، لذا حاولنا أن يكون المؤشر سعوديا، فاتفقنا مع "أكاونت أبيليتي" على أن يكون هناك شريك محلي لإعطاء الصبغة المحلية، ولتطويع المؤشر العالمي ليتداوم ويتوافق مع المعطيات المحلية، فيكون مؤشرا سعوديا بمواصفات عالمية.
لقد وجد المؤشر فور التفكير فيه استجابة فورية من مؤسسة الملك خالد الخيرية التي سبق وأن أعلنت عن إطلاق جائزة الملك خالد للمسؤولية الاجتماعية في عام 2004، ولكنها تأنت في تنفيذها حتى تضع الضوابط اللازمة لها، وعندما وجدت أن هناك تحركا في هذا الاتجاه من الهيئة العامة للاستثمار آثرت أن تضع الجائزة في المؤشر إذ إنها رأت في التنافسية المسؤولة الإطار الأشمل للمسؤولية الاجتماعية للشركات ودعما لهذا العمل الوطني الكبير كما يقول الدكتور رشود الخريف أمين عام جائزة الملك خالد للتنافسية المسؤولة. وبانضمام الشركاء بخبراتهم, استطاع المؤشر أن يوفر له قواعد علمية ترسخ أقدامه بشكل جيد لغرس مفهوم التنافسية المسؤولة في المجتمع ومجتمع الأعمال السعودي، وفي الثقافة السعودية بشكل عام، ومن ثم انطلق الشركاء لترسيخ وإشاعة هذا المفهوم في الوعي السعودي عبر اللقاءات والمؤتمرات وورش العمل، مما سنأتي على ذكره، وعبر إطلاق المشاريع والمبادرات المختلفة.
المحتوى الفلسفي والإجرائي للمؤشر
لو حاولنا أن نغوص شيئا ما في محتوى مؤشر التنافسية المسؤولة، فإننا سنجد أن هناك 300 معيارا عالميا لتقييم بيئة الاستثمار أو التنافسية في بيئة الاستثمار من أي بلد، تصدر من ثلاث جهات عالمية مستقلة هو البنك الدولي ومنتدى الاقتصاد العالمي في دافوس و IMD، وكل واحد من هذه الـ 300 معيار - كما يقول البدر - تركز على جانب من جوانب الاقتصاد، سواء كان الاقتصاد الكلي أو الجزئي أو على مستوى الأفراد، وهي ذات علاقة بالتطوير والتدريب، والبيئة، وفرص العمل، وتطوير الشركات وصغار المستثمرين.
وحين نأتي لما تم وضعه من قبل أكاونت أبيليتي وتمكين من معايير في مؤشر التنافسية المسؤولة التي يقاس وفقها أداء الشركات وسلوكها الاجتماعي تقول آسيا آل الشيخ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة تمكين، أن الهدف من المؤشر هو قياس مدى مساهمة الشركات وأدائها في القضايا الاجتماعية بأبعادها المختلفة، وما يتعلق بالسلوك الأخلاقي للشركة وتأثيراته في المجتمع، وفي البيئة، ومنها ما يتعلق بعلاقاتها مع الموردين والعملاء، ومنها ما يتعلق بسلوكها تجاه موظفيها وبيئة العمل داخلها، وغيرها من القضايا لتشجيع القطاع الخاص على تبني أفضل الممارسات في هذا المجال من خلال البرامج والمبادرات المستدامة.
وتضيف آل الشيخ بأن مؤشر التنافسية المسؤولة يقوم أساسا على فلسفة، تنطلق من أن دور الشركة وتفاعلها مع المجتمع والبيئة له أثر إيجابي في تنافسية الشركة من ناحية، كما له دوره الإيجابي على القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني من ناحية أخرى.
وقد وضعنا مع الشريك العالمي مجموعة من الاتجاهات أو المؤشرات التي يمكن أن نقيس بموجبها سلوك الشركات، وقمنا باختيار سبعة محركات وهي: دور الشركة ومساهمتها في تفعيل بيئة عمل صحية شفافة داخلها، و مدى تعاونها في تطبيق الأنظمة، دورها في تطوير الكفاءات داخلها، وخلق الكوادر في المجتمع الذي تعمل فيه، وهذا المعيار يكتسب أهميته لدوره في تطوير رأس المال البشري.
أما ثالث هذه المحركات فيتمثل في تفاعل الشركة مع القوانين والمعايير الدولية لحماية البيئة والصحة والسلامة. ورابعها هو مدى الدور الذي تلعبه في تثقيف وتفعيل شبكة الموردين وجهلهم يتصرفون بشكل سليم وشفاف وفق معايير المؤشر والالتزام بالأخلاقيات التي يفرضها. ويرتبط المحرك الخامس بمدى التزامها بمعايير مسؤوليتها تجاه المستهلك من خلال الابتكار في منتجاتها والخدمات التي تقدمها. وفي حين يركز المحرك السادس لمؤشر التنافسية على شفافية التواصل ومسؤولية الخطاب الإعلامي للشركة، يختص المحرك السابع على الدور الذي تلعبه الشركة في خدمة المجتمع وتنميته والارتقاء به، وهو ما يطلق عليه المؤشر صفة "العطاء الذكي" وهو العطاء المدروس الذي يبحث بعمق في احتياجات المجتمع في طرحه لمشاريع تصب في إطار التنمية المستدامة.
انطلاقة قوية .. وأفق مفتوح
لقد حظي المؤشر فور إطلاقه بقبول واضح في أوساط الأعمال بمختلف قطاعاتها، كما حظي باهتمام بالغ من قبل أجهزة الإعلام والطبقات المستنيرة في المجتمع السعودي، إذ إن الحاجة إليه كما أوضحت كتابات الكتاب والمثقفين والأكاديميين كانت ماسة قياسا بالتطور الذي وصل إليه المجتمع والاقتصاد في المملكة، والمراحل المقبلة في مسيرته النهضوية والتحديات التي يواجهها، ويواجهها معه النظام الاقتصادي العالمي كله. وعندما أعلن إطلاق المؤشر بادرت 40 شركة بالدخول في منظومته، ثم تزايد العدد بشكل مضطرد إلا أن الوقت لم يساعد للاستجابة لرغبتهم لأن البرنامج في عامه الأول كان يسير وفق خطة مرتبطة ببرنامج زمني محدد لم يكن ليحتمل أكثر من 40 شركة، مما يشير إلى المستقبل الذي ينتظر المؤشر بدءا من عامه الثاني الذي يبدأ مع نهاية منتدى التنافسية الدولي الثالث في الأيام المقبلة.