هل نحتوي مستقبل السوق العقارية الخليجية؟
من المستحيل أن نتطرق إلى السوق العقاري في المملكة والخليج أو غيرها من الدول بمعزل عن التطرق إلى الاقتصاد المتكامل لتلك الدول. فالعقار في منطقتنا هو القاعدة الاقتصادية الثانية بعد النفط. ويزيد ناتجه المحلي عشرات المرات على غيره من القطاعات مثل سوق الأسهم. هو المحرك الأكبر لقطاعات الاقتصاد الوطني سواء التجاري أو الاقتصادي أو الصناعي.
وقد يكون أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم هو التلاعب في القطاع العقاري، فتدهوره كان شرارة البدء وشاهد على مدى وعمق تأثير العقار في الاقتصاد. لذلك فإن محاولة تفهمنا للظروف الحالية التي يمر بها هذا القطاع ومقارنتها بالمتغيرات التاريخية التي سبقت الأزمة يجعلنا أكثر قدرة على تفهم واستشراف آفاق الوضع الاقتصادي العالمي والذي يعتبر العقار أهم محركاته ومؤشراته. فهو إضافة إلى كونه مربحا لبعض المواطنين إلا أنه يقوم بتدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية مثل البنوك والمكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. كما أن المواطن سيدورها لشراء متطلبات أخرى له ولعائلته سواء من الكماليات كسيارات وساعات وأدوات تجميل وعلاج في المستشفيات والمستوصفات أو الأغذية وغيرها من التدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى. كما أنها ساعدت على توفير فرص عمل للمواطنين وغيرهم من الدول العربية والإسلامية الشقيقة.
لقد قفز الاستثمار في القطاع العقاري في المملكة والخليج وثبات عالية خلال السنوات الماضية. خاصة بعد أن فتحت أبوابها للاستثمار الخليجي والأجنبي أصبحت أكثر عالمية. والدليل أنها تأثرت كثيراَ بالأزمة الاقتصادية العالمية. لذلك فإنها لم تعد تحت سيطرة السوق المحلي والإشاعات والمضاربات، بل أصبحت سوق تحكمها المتغيرات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية أو البيئية. واليوم أكبر الاستثمارات العقارية التي نراها منذ مطلع هذا العام هي خليجية وعالمية وتقدر بمئات المليارات. لذلك فإن السوق العقاري أصبح على اتصال ببقية العالم مما جعله يتأثر به. ولكن لكونه سوقا مبتدئا للدخول في السوق العالمي ولم تكتمل أنظمته بعد فإن بعض دوله تجنبت كارثة الائتمان والرهن العقاري العالمية. وخاصة أنها مشكلة لم تتم ممارستها بعد في السوق العقاري السعودي. وبذلك فإن تأثير الصدمة في السوق السعودي وبعكس السوق الخليجي، سيكون هامشياَ إذا لم يكن له إيجابية أكبر لكونه لم يدخل في الموجة العالمية. بل على العكس فالسوق العقاري السعودي قد يستفيد من تلك التجارب الفاشلة للرهن العقاري والتي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية. وأن تتم الاستفادة من الثغرات التي سببت مشكلة الرهن العقاري ليكون هناك وسائل تحكم أكثر وخاصة في التأكد من توثيق الممتلكات والأصول التي يتم الرهن عليها. وكذلك تخفيض قيمة القرض مقارنة بقيمة الأصول وأهمية التأمين على القروض.
كما شهد العام الماضي بداية السوق الخليجية المشتركة بهدف الوصول إلى الترابط في المجال التجاري لينمو كسوق عالمية كبرى وليعود بالنفع على مواطني تلك الدول. وهي متوقع لها أن تكون سوقا قوية ولها سيطرتها الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي. وذلك لأسباب عديدة أهمها نمو التجارة بينها لتصل إلى 300 مليار دولار في عام 2030م. وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي وتملكها 50 في المائة من احتياطيات العالم من النفط والغاز. والتشابه الكبير في اقتصاداتها وثرواتها الوطنية. والعادات والتقاليد والأصول القبلية واللهجات والقوة الشرائية. ووجود كثافة سكانية تصل إلى حدود 40 مليون نسمة.
ولنستطيع تفهم واستشراف آفاق الوضع الاقتصادي الخليجي فإننا يجب أن نتأكد أولا من مدى جدية الدول في استكمال الحلقات المفقودة في النظام الاقتصادي والقطاع العقاري الذي يعاني غياب وجود البيئة القانونية والدستور المكتوب والموحد والتقنين المشتق من كتاب الله وسنة نبيه والذي يحميه (وبحيث ينزه القرآن عن دنس الأهواء والتعاملات اليومية واختلاف تفسيره)، حيث ستظل هذه القاعدة المهملة تشكل إعاقة لنمو الاقتصاد الوطني. وكذلك عدم القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي فرأس المال جبان ولن يأتي في ظل عدم وجود قانون يحميه. فالدستور المكتوب يكون مصنفا ومبوب وأسهل للفهم والتطبيق ويمكن الدفع به في أية خلافات. وهو قانون يحقق العدالة والقضاء الشرعي بدلاَ من الاجتهاد والإفتاء في كل مرة.
كما أننا ما زلنا نفتقد إلى نظام اقتصادي وإسلامي متكامل ومترابط ويرجع فيه كل جزء إلى الجزء الذي يعنيه وينسقه. وأن تكون له أهداف وطنية واضحة وأن يكون مبنيا على تخطيط شامل ومستقبلي لتحقيق تلك الأهداف المنشودة تباعاَ. وهو ما يمكن الدولة من التحكم في جميع الأنشطة والقطاعات وتسيرها حسب خططها وبطريقة ديناميكية تتغير وفقاَ للمتغيرات الدولية. ولحل تلك الممارسات التي تشكل عثرات وإعاقة لنمو الاقتصاد والعقار. وأهم هذه المعوقات عدم وجود الإطار القانوني والدستوري الذي يحفظ حق المستثمر صاحب العقار ويمكنه من إخراج المستأجر إذا تأخر أو لم يدفع الإيجار. وعدم وجود جهة أو هيئة منظمة له تضع ضوابط وأنظمة وقوانين تحكمه وتحاول التنبئ بالمشاكل المستقبلية لهذا القطاع ومحاولة توجيهه لتلبية الاحتياجات والعرض والطلب الحالي والمستقبلي. وتأخر الموافقة على قانون الرهن العقاري بعد الاستفادة من مشاكل الرهن العالمية. وكثرة الممارسات الخاطئة مثل الاعتداء على الأراضي والصكوك المزدوجة وقلة الوعي الاستثماري لدى بعض المواطنين.
وحتى لا يغرر بنا ونصدق ما يقوله البعض من أننا عالمياَ من آمن الدول من حيث الاستثمار المباشر. فعسانا – نحن المواطنين - نأمن على أموالنا في بلدنا، فما بالك بالأجانب! نحن نعتبر أنفسنا في نظام رأسمالي وسوق حر ولكننا مع الأسف ومع سيطرة وزارة المالية على جميع الإيرادات أصبحنا نظاما رأسماليا مركزيا أو مثل الغراب الذي ضيع مشيته. فهل نحن تحت نظام رأسمالي أم مركزي؟ أم أننا في نظام اقتصاد مختلط؟ وكم عدد المستشارين الماليين والاقتصاديين لدينا الذين يستطيعون تفسير السوق والاقتصاد السعودي وما خبرتهم المتراكمة؟ كم عدد المستشارين والمحللين الماليين والخبراء الذين يديرون استثماراتنا ومدخراتنا. والأهم من ذلك هو هل لدينا سياسة نقدية ومالية واقتصادية. وهل لدينا اقتصاد متأمل ومترابط يرد على بعضه بعضا؟ معظم أنظمتنا لم تر النور بعد.
#2#
لقد سلك الاستثمار العقاري منحى متميزا خلال السنوات الأخيرة لينافس التجارب الدولية الرائدة. إلا أنه أصبح يواجه بعض التحديات التي تعكر المناخ الاستثماري. كما أن الخلافات السياسية والتوجهات غير الواضحة لبعض الدول الخليجية ومدى تأثر كل دولة بالقوى والمصالح الأخرى. ونظرة رجال الأعمال والمواطنين بقلة الثقة في بعض الأجانب في بعض الدول بينما هم يتمتعون بعزة نفس أكبر في دول الخليج الأخرى. يجعلنا نستشف أن السوق العقارية الخليجية ما زالت تعاني ضحلها. ولعل الأزمة الاقتصادية الأخيرة تجعلنا نعيد الفكير في مدى تأثير مخرجاتها الحالية والمستقبلية في هذا القطاع في المملكة والخليج للسنوات المقبلة.
ولكن الملاحظ تاريخياَ وخلال السنوات العشر الماضية أنه كان هناك تضخم ومغالات كبيرة وفي أسعار جميع المنتجات والأجور وخاصة العقارية. وارتفعت بعضها أكثر من 100 في المائة. وكان هناك ارتفاع غير مبرر كان من الواضح أنه سيكون له حركة تصحيحية. وهي حركة جاءت أبكر مما يجب بسبب أزمة الرهن العقاري الأمريكية. وقد كان من المتوقع أن تشهد انخفاضا في حدود 30 في المائة. ولكن الذعر وردة فعل المستهلكين زاد المشكلة سوءا وجعلها تنخفض أكثر حتى نفدت السيولة. ونفاد السيولة بحد ذاته المشكلة الأكبر والتي تروج الأشعات عن كسر الأسعار وتساعد على انخفاض أكبر للسوق العقاري. وهي أيضا قد تكون نافعة للغير "ورب ضارة نافعة".
سيشهد العام المقبل 2009 تدهوراَ وانخفاض أكبر للسوق العقاري ليس بسبب السوق نفسه بل بسبب قلة السيولة وعدم استكمال الآليات القانونية والتنظيمية والهيكلة للقطاع والتي تساعده على النهوض من محنته. وبسبب عدم وضوح قعر الاقتصاد العالمي. وقد تستمر الأزمة في التأثير في السوق لأكثر من سنة، حيث إن السيولة ستكون من ادخارات الموظفين ومشاريع الدول وهذه عادة تستغرق على الأقل سنة. ومن ثم ينسون ويعودن للدخول مرة أخرى. كما أن انخفاض تكلفة البناء سيساعد على جذب الطلب مرة أخرى ولكنه عندما يعود لن يعود لمستواه كما كان في الأمس القريب. فإحجام معظم الشركات عن البناء حالياَ سيسبب قلة العرض في السوق. ولكن محاولة احتواء واستكمال الحلقات المفقودة للسوق العقاري ستساعده على أن يكون له هيكل وعمود فقري يحركه في الاتجاه الصحيح. كما أن الاستفادة من قراءة الطفرة العقارية وسقوطها السابق وتداعياتها سيساعدنا على معرفة توجه الأزمة الحالية. ولا ننسى أن وجود القيادة الحكيمة والمخلصة لهذا البلد والانفتاح على العالم من خلال زيارات خادم الحرمين الدولية ودعوة لجذب الاستثمار والاتفاقيات المشتركة. وتكامل البنية التحتية من الاتصالات والطرق والموانئ واللوجيستات التي تمر الآن بمرحلة كبيرة من التطوير ورصدت لها مبالغ بالمليارات سيكون لها دور كبير في إعادة الحياة للاقتصاد.
مستشار تخطيط