أسواق الأسهم الخليجية .. العودة إلى الحضانة
لسنوات مضت بدأت الحمى تستعر في الأسواق المالية في منطقة الخليج، وكأننا اكتشفنا فتحا جديدا للاستثمار، والحقيقة أن التطور التكنولوجي الهائل أسهم في غليان الأسواق المالية، فالفضائيات تنقل عبر اللحظة التحركات والأسعار، والإنترنت يمكنك من التداول خلال ثوان، ومن أي مكان على سطح الأرض أو حتى خارجها، حتى الجوالات أسهمت في هذه الطفرة المالية من حيث إمكانية متابعة الأسواق وتداول الأخبار وحتى التداول، مما أسهم أيضا إسهاما كبيرا في دخول العير والنفير في صناعة الأسواق المالية، فلم تعد حكرا على المتخصصين.
تتصف الأسواق المتطورة بمواصفات عديدة من أهمها: توفير حماية للمستثمرين، تتوافر فيها العدالة، تتسم بالكفاءة، تتصف بالفاعلية سمتها الشفافية، وتنخفض فيها المخاطر.
وللأسف أن جميع هذه الصفات أو معظمها على الأقل لا تتوافر في أسواقنا الخليجية، وبالتالي فلا يمكن وصف أسواقنا بالمتطورة بأي حال من الأحوال.
وعندما يصف المختصون الأسواق بعدم الكفاءة، فإن ذلك يعني أن هذه الأسواق تتصف بالصفات التالية أو بعضها:
* تقوم بتحويل الثروات لصالح الأغنياء.
* أشبه بصالات القمار.
* ينتج عنها إهدار للمدخرات.
* تتوجه لمشاريع أقل كفاءة.
* تشوه القطاع المالي.
وهي ما تتهم به أسواقنا بشكل مستمر، ولعل الحقيقة أنه هو ما يمكن أن توصف به أسواقنا بشكل دقيق.
مرت المنطقة بطفرة اقتصادية خلال السنوات الماضية قل أن يكون لها نظير، وبقدر ما أسهمت به هذه الطفرة من الوفورات في اقتصادات دول الخليج إيجابا، إلا أن أثارها السلبية في المجتمعات الخليجية كانت كبيرة، فجلبت النقم على الشعوب بقدر ما جلبت من النعم على الدول، فلقد عانت المجتمعات التضخم وغلاء الأسعار، وتغيرت العادات، وافتقر المواطنون، حيث دخلوا الأسواق بمدخراتهم وخرجوا منها بديون تلاحقهم لسنوات، ولم يبق يستر الكثير منهم سوى ورقة التوت.
ولكن . . مازال في العمر بقية، فقد مرت المنطقة بأسوأ من هذه الهزة، وقد اعتدنا أن نخرج من كل أزمة بنفس أقوى وبمعنويات أعلى، وأعتقد أننا نرى النور يبزغ في الجهة الأخرى من النفق، فستعاود الأسواق نشاطها، وسيكون المتعاملون أكثر حرصا وخوفا، وللأسف سنعاني لفترة طويلة من الأموال الانتهازية التي تضرب وتهرب، وسيستمر تذبذب الأسواق بين تحسن طفيف وجني أرباح، ولكن سنتعافى أخيرا، بإذن الله، لن نعود بالتأكيد إلى المستويات السابقة، إلا بتحسن مواز في أسعار البترول وحجم الإنتاج والإنفاق الحكومي، بالتأكيد أن خريطة الثراء في المنطقة ستتغير معالمها، وسيحدث انخفاض في مستوى الثروات وسيدخل لاعبون جدد إلى القائمة الذهبية.
الأمر الأكيد الذي لن يتغير هو طريقة وثقافة المتعاملين، وهذا هو الأمر الذي يجب على الجهات الإشرافية على الأسواق التركيز عليه، فالذي جعل أمريكا وهي حامية الرأسمالية تكسر قاعدتها المقدسة وتتدخل الحكومة في الأسواق، يجعلنا من باب أولى أن ندرس هذا الخيار كأول الخيارات المطروحة، فالتعامل في الأسواق يجب أن يكون للمحترفين فقط، ويجب تحديد مواصفات المحترفين بدقة من حيث الخبرة والمعرفة والتعليم، على أن تفصل عن السوق المالي الأساسي أسواق ثانوية يتعلم فيها المبتدئون ويمارسون فيها هواياتهم في ضياع مدخراتهم بعيدا عن عصب السوق وعموده الفقري.
لتنضج أسواقنا المالية يجب أن نعمل بجد لإعادة صياغة ثقافتنا الاستثمارية، ويجب علينا أن نعامل السوق كما نتعامل مع الأطفال والمراهقين، بل يجب أن نعيد أسواقنا إلى الحاضنة لنشملها بالرعاية والإشراف والرحمة والحرص على مصلحة السوق الكلية، وإلا ستكون أسواقنا المالية مثل من أصيب بالملاريا ولم يشفى منها فهي تعوده كلما ضعف حتى تقتله.
الرئيس التنفيذي – شركة أموال للاستشارات المالية