مالحل الانجح للبطالة في المملكة .. نداء للقطاع الخاص

مالحل الانجح للبطالة في المملكة .. نداء للقطاع الخاص

في ورقة عمل قدمها الدكتور عادل الدوسري – أستاذ التخطيط في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - منذ نحو عشر سنوات يقول فيها "يعاني سوق العمل في المملكة حالياً اختلال الاتزان بين العرض والطلب من مختلف التخصصات ومستوى المهارات بين القوى العاملة المواطنة والوافدة، مما أدى إلى ظهور حالة غير مرغوبة من البطالة وأحياناً البطالة المقنعة، وهو ما يشكل هدراً لمصادر بشرية مهمة يمكن استثمارها بشكل أفضل".
واليوم وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على الدراسة السابقة، وبرغم التحسن الواضح الذي طرأ في عديد من أذرع الاقتصاد المحلية ما زالت المملكة تعاني مشكلة تزايد البطالة. وبالرغم من تذبذب نسبتها إلا أن عدة عوامل – تأتي لاحقاً - ينبغي معالجتها حتى لا تضيع الجهود المبذولة في السعودة. تشير إحصاءات وزارة العمل والتخطيط أن نسبة البطالة تجاوزت 9.2 في المائة خلال النصف الأول من عام 2007. وبالرغم من الانتعاش الاقتصادي وفائض الميزانية الذي شهدته المملكة بتوالٍ في السنوات القليلة الماضية إلا أن ذلك لم ينعكس كما ينبغي على معدل الإنتاجية البشرية في القطاعات التنموية والخدمية. يلاحظ أن 40 في المائة من إجمالي السعوديين تقل أعمارهم عن الخامسة عشر مما يشكل تحديا أكبر للتخطيط التنموي للقوى العاملة. كذلك لايزال قطاع النفط يشكل أكثر من 75 في المائة من الدخل و45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و90 في المائة من عائد الصادرات. وباعتبار أن قطاع البترول ومشتقاته يعتمد في إنتاجيته على التكنولوجيا أكثر من اعتماده على العنصر البشري نجد أنه قطاع مدر للعوائد ولكنه لا يحل مشكلة البطالة بشكل فعال وجذري.

التعليم أولاً وثانياً
لا تزال مشكلة إدراج اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية وفي المراحل المبكرة قائمة ومثيرة للجدل، بالرغم من وضوح الحاجة إليها للعمل والتوظيف. أما بالنسبة للقطاع الخاص فلا يكاد يخلو إعلان عن وظيفة من متطلب اللغة الإنجليزية وفي المقابل تكاد جميع السير الذاتية تفتقر إلى المهارات اللغوية المطلوبة للالتحاق بالعمل، إذن ماذا ينتظر القائمون على التعليم؟ أما مهارات الكمبيوتر فتكاد تكون مقتصرة على البنين دون البنات برغم وجود الكمبيوتر في كل بيت وأسهمت الإنترنت في تثقيف شريحة واسعة من الشباب والفتيات على المهارات المطلوبة. إلى جانب اللغة والكمبيوتر فإن التعليم المحلي يفتقر إلى التثقيف الحرفي، وهو في نظري أمر مهم بالنسبة لشريحة طلاب وطالبات المدارس مثل تعلم أساسيات الكهرباء والبناء والإلكترونيات وممارستها كهواية اختيارية. فهذه المهارات تكسب الطالب رغبة في احترافها فيما بعد وتصقل شخصيته وتساعد على تقبله لها مهنياً بعد التخرج، حيث إنها حالياً مهارات تصنف "طبقياً" خارج نطاق السعوديين. والأهم من ذلك أنه من الصعب إقناع خريج كلية الاقتصاد مثلاً باحتراف مهنة حرفية لم يمارسها قط في حياته. وحتى إن لم يمارس الطالب أو الطالبة المهنة فيما بعد فإن التثقيف المبكر يسهم في تقبل المجتمع هذه المهن فلا يعزف عنها الجميع وتصبح حكراً على العمالة الوافدة.

القطاع الخاص
طرأ تحسن ملحوظ على مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي وهو تطور إيجابي يدعو إلى التفاؤل. وأذكر هنا بعض العوامل التي ينبغي مراعاتها من جانب أصحاب الأعمال وكبار مساهمي القطاع الخاص لكي تصبح المساهمة التنموية أكثر فعالية. من أهم العوامل التي ينبغي على القطاع الخاص مراعاتها هي الالتزام بالسعودة قدر الإمكان خاصة في الوظائف التي يسهل فيها الإحلال الفوري مثل الوظائف المساندة. ثانياً: احتساب مستوى التضخم المحلي في الأسعار ومستوى المعيشة والذي لا يمكن التغلب عليه بالاستقدام من الدول الأخرى، فمطلوب من أصحاب الأعمال – خاصة المؤسسات الكبرى- توظيف الشباب السعودي وتدريبهم ولو بتكلفة أعلى لأن في ذلك مصلحة عامة وعلى المدى الطويل. ويؤخذ على العديد من أصحاب الأعمال والمنشآت الخاصة العجلة في تحقيق الأرباح ربما منذ السنة الأولى وغياب التخطيط الاستراتيجي برغم أن الاستقدام من الخارج قد لا يقل في تكلفته عن التوظيف الداخلي على المدى الطويل. ثالثاً: يجب أن يتوسع القطاع الخاص بالتنسيق الجاد من الدولة ليشمل مجالات أخرى مثل السياحة والفندقة والترفيه الداخلي مثل المكتبات العامة ودور العرض والمتاحف التعليمية والحدائق.
أما بالنسبة للنقاط التي ينبغي على صانعي القرار مراعاتها بسرعة لتتماشى مع إيقاع التطور السريع في القطاع الخاص فتتمثل في إحكام قوانين الخلافات والنزاعات بين أصحاب العمل والعاملين مع مراعاة مصلحة الطرفين. فلا يعقل مثلاً أن يوظف الشباب الذي يفتقر إلى سلوكيات العمل مثل الالتزام والدقة ومراعاة المنشأة التي يعمل فيها. وإحقاقاً للحق فإننا نرى تحسنا ملحوظا في أداء موظفي قطاع تجارة التجزئة مثلاً من حيث مهارات البيع والاحترافية والسلوك العام. كذلك ينبغي مراجعة نظام العقود التي تتم بين الطرفين حيث يلاحظ ارتفاع نسبة "التدوير الوظيفي" Employee Turnover دون مبرر كافٍ مما ينعكس سلباً على صاحب المنشأة وفي الثقة بقدرة الشباب السعودي على الالتزام.

بطالة المرأة: نظرة واقعية
أشارت إحصاءات حديثة عن وزارة العمل أن 76 في المائة من النساء العاطلات عن العمل هن خريجات جامعيات ويمثلن 41 في المائة من إجمالي نسبة البطالة بين السعوديين. وحيث إن 55 في المائة من نسبة الخريجين الجامعيين هي من النساء مقابل 12 في المائة فقط من إجمالي القوى العاملة (لعام 2004)، فإن هذا قد يشير إلى ضآلة فرص العمل المتاحة للمرأة أو أن النساء يقبلن على التعليم فقط دون العمل بعد التخرج، وهو أمر افتراضي فقط. ومازال البعض يعتقد بإمكانية التفعيل الاقتصادي دون إسهام المرأة وهو اعتقاد خاطئ، حسابياً وإحصائياً ومنطقياً. إن هيكل الإنفاق الأسري المبني على أساس أن الرجل هو العائل الوحيد والحصري لكافة أفراد الأسرة أثبت أنه ليس النموذج الأمثل في ظل تكاليف المعيشة المتزايدة والنمو المستمر في عدد أفراد الأسرة وفي ظل العادات الاجتماعية التي تشكل ضغطاً على ميزانية الأسرة السعودية، وكذلك لعدم تقبل المجتمع لفكرة التنظيم الأسري، حيث أصبحت الزيادة السكانية تشكل تحدياً واضحاً للمجتمع والاقتصاد عموماً. أما على الصعيد الاجتماعي فقد أصبح المجتمع يشهد إقبالاً متزايداً على الزواج من الموظفات والمعلمات والطبيبات مما قد يشير إلى تحول فكري تجاه الهيكل الاقتصادي الأسري. وبرغم استمرار العديد من العوائق المجتمعية لعمل المرأة وفي مختلف القطاعات وباختلاف مناطق المملكة إلا أن التطور في الإعلام والاتصالات أسهم في رفع مستوى الطموح لدى المرأة السعودية. وبالمناسبة فإن خطة التنمية الثامنة وضعت تصوراً لنسبة توظيف المرأة يبلغ 18 في المائة تقريباً بحلول عام 2009.

العمالة والمهن الحرفية
يسهم القطاع الخاص بنحو 40 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وتقوم الدولة بتشجيع النمو فيه خاصة في مجالات إنتاج الطاقة والاتصالات والغاز والبتروكيماويات، وذلك للحد من الاعتماد على تصدير النفط إضافة إلى خفض نسبة البطالة بين السعوديين، حيث يقترب حجم العمالة الأجنبية من ستة ملايين عامل خاصة في قطاعي النفط والخدمات. ويعود هذا القصور إلى عدة مسببات منها ضعف مخرجات التعليم بالتناسب مع متطلبات العمل وقلة المهارات المطلوبة. أما بالنسبة للتدريب المهني فنادراً ما يقبل الشاب السعودي وخاصة أهل المدن الكبرى على الخدمات الفنية مثل السباكة والنجارة والحدادة والبناء, وبرغم كونها مهناً مربحة ولا تنضب الحاجة إليها خاصة في ظل التطور الاقتصادي، إلا أنها شبه حصرية لصالح الجنسيات الأجنبية, ويفد كثير إلى المملكة ويحترفون هذه المهن على رأس العمل دون تدريب أو معرفة سابقين. إذن فلدينا ثغرة وظيفية ومهنية واضحة يمكن سدها جزئياً بالتدريب، والتشجيع والدعم الإعلامي والمجتمعي، فالحاجز النفسي والاجتماعي ما زال يشكل عقبة في طريق سعودة هذه المهن الشريفة المربحة. وتشير البيانات المعلنة إلى أن 44 في المائة من العاطلين ينتمون إلى الفئة العمرية بين 20 و24 سنة, الأمر الذي يعطل طاقات كامنة وجسمانية لهذه الفئة يمكن توظيفها في سد جزء كبير من هذه الفجوة.
وفي النهاية أختم ما سبق بأن مسألة العمل والبطالة تشكل أحد أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة وتشغل عناوين الأخبار في الدول المتقدمة اقتصادياً وبشكل مستمر على مدار السنة ويصعب إيجاد حل جذري لها. أتمنى أن نرى محلياً إحصاءات دقيقة وواضحة عن نسبة الإشغال والبطالة المعلنة. كذلك أوصي الدولة والقطاع الخاص بالدعم الإعلامي للعمل بشكل عام. فأنا مثلاً أشجع طالباتي دائماً على العمل بعد التخرج وأهمية السعي والتطوير الذاتي. وللأسف أصبحنا نرى كثيرا من الطلاب وقد فقدوا حماسهم وطموحاتهم بعد التخرج فأصبح أداؤهم الأكاديمي مسألة "ثانوية", حيث إنه "لن يجد عملاً" بعد التخرج على أي حال. لا يمكن تصور مستقبل زاهر لأجيال من الشباب والشابات بهذه الروح وهذه المعنويات، ولكني رغم ذلك متفائلة بأجيال من الشباب تأثروا إيجابياً بالعولمة وثورة الاتصالات فقاموا بتطوير أنفسهم دون انتظار الوظيفة وأصبحوا من أصحاب الأعمال الصغيرة التي تلقى تشجيعاً وإقبالاً واسعاً. أقول لهؤلاء ولغيرهم من الشباب والشابات: استمروا وثابروا فالوطن في أشد الحاجة إليكم وإلى عملكم واجتهادكم, وحسن الختام قوله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

محاضرة في الاستثمار والتمويل في كلية دار الحكمة
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة