البنوك السعودية.. التحول من نمو الميزانيات إلى جودة الموجودات

البنوك السعودية.. التحول من نمو الميزانيات إلى جودة الموجودات
البنوك السعودية.. التحول من نمو الميزانيات إلى جودة الموجودات

تبلغ نسبة المديونية مقابل الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية 42 في المائة فقط، وهي من أقل نسب المديونية في العالم. أما نسبة القروض إلى الودائع، فتبلغ 92 في المائة فقط. وتبلغ الديون الخارجية 26.5 مليار دولار. وتشير الفوائض المتوافرة، والسياسة النقدية المستقرة إلى مخاطر متدنية للغاية بخصوص تخفيض قيمة العملة، وبالذات لدى المقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى على النطاق العالمي.
وتوقع "كريديت سويس" الذي أعد دراسة حول البنوك في المملكة العربية السعودية أن تحول هذه البنوك تركيزها من نمو الميزانيات إلى جودة الموجودات. ولذلك فإن من المتوقع أن تحدث زيادة ملحوظة من تكاليف التمويل.
وسوف تستمر البنوك السعودية في تحقيق القيمة، على الرغم من توقع تراجع عوائدها بنسبة 29 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة. ويتوقع معدو هذه الدراسة أن يحقق بنك الراجحي معدل أداء يفوق المعدل العام، كما أن من المتوقع أن يرتقي البنك السعودي البريطاني بعملياته وصولاً إلى تجاوز المعدل العام لأداء البنوك في المملكة. واستفاد بنك الراجحي، بصفة خاصة، من تدني تكاليف التمويل، وهو من أفضل بنوك العالم من حيث نسبة الرسملة. ومن جهة أخرى استطاع البنك السعودي البريطاني تنمية ميزانيته بنسبة 35 في المائة خلال العام الحالي.
ومن المتوقع كذلك انتقال البنك السعودي الهولندي من تصنيف تدني الأداء، إلى التصنيف الخاص بالبنوك التي هي في طريقها للارتقاء بالأداء، بحيث يتجاوز معدل نموها المعدل العام لنمو القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية. ويعود الفضل في ذلك إلى جهود هذا البنك فيما يتعلق بإعادة الهيكلة.
ويعتبر بنك الراجحي أكبر البنوك الإسلامية في العالم، وهو يتحرك بنشاط ملحوظ على صعيد عمليات التجزئة المصرفية، وكذلك ضمن النشاطات المصرفية الإسلامية المتوسعة. وتشهد المصرفية الإسلامية توسعاً يفوق في معدله معدل توسع النشاطات المصرفية التقليدية في هذه المنطقة من العالم. ويحتل بنك الراجحي كذلك المرتبة الأولى على صعيد الإقراض، وكذلك نشاطات التجزئة بين المصارف السعودية، حيث لديه أعلى نسبة فائدة صافية (6.6 في المائة خلال عام 2008)، وأدنى تكلفة للتمويل (8.0 في المائة خلال عام 2008)، والسبب في ذلك يعود في معظمه إلى أن 90 في المائة من ودائعه هي ودائع تحت الطلب.
وما زال معدو هذه الدراسة يعتبرون القطاع المصرفي في المملكة العربية السعودية قطاعاً جذاباً، حيث نسبة القروض الحالية إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 42 في المائة، مقابل معدل لدول مجلس التعاون الخليجي ككل يصل إلى 62 في المائة، كما أن نسبة القروض إلى الودائع في بنوك المملكة تبلغ 92 في المائة. ويبلغ الفائض المالي 41.4 في المائة مقابل معدل لدول مجلس لتعاون الخليجي يبلغ 30.7 في المائة. ويعمل ذلك على استمرار دعم الارتباط بالدولار الأمريكي.
وتم توجيه تركيز خاص إلى بنك الراجحي بسبب الاختراقات الإيجابية الواضحة التي حققها على صعيد عمليات التجزئة المصرفية، وكونه بنكاً إسلامياً. وأما التركيز على البنك السعودي البريطاني فقد جاء بسبب الوضع الإيجابي نتيجة لسجلاته الإقراضية.
#2#
وسعياً من معدي هذه الدراسة للإبقاء على توقعاتهم في إطارها المحافظ، فإنهم عملوا على إنقاص توقعات العوائد المتجمعة للبنوك السعودية بنسبة تصل إلى 29 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة. وهم يحددون ثلاثة اتجاهات رئيسية تحدد وضع الاستثمار بالنسبة للبنوك السعودية:
1- هروب نحو زيادة الحدود الدنيا المطلوبة: هنالك شحة ملحوظة في مستوى السيولة، كما أن هناك زيادة معتبرة في تكاليف التمويل، حيث تضاعفت تقريباً، قبل توجهها إلى شيء من الاعتدال خلال الفترة الأخيرة. وظل نمو القروض قوياً طوال ما مضى من العام الحالي، حيث عمل تزايد إقراض الشركات على تعزيز هذا التوجه، إذ ارتفع ذلك بنسبة 46 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي، بينما تراجع إقراض المستهلكين بنسبة 2.5 في المائة خلال الربع الثاني من هذا العام، وذلك استناداً إلى أحدث البيانات بهذا الصدد. ومن المتوقع أن يتراجع نحو ميزانيات البنوك خلال العام المقبل.
2- جودة الموجودات: هروب من المخاطر: يعتقد معدو هذه الدراسة أن جودة الموجودات ضمن النظام المصرفي في المملكة العربية السعودية سوف تشهد حالة من التراجع بسبب التدهور الكبير في القيمة الرأسمالية للشركات المدرجة في البورصة، والأثر غير الإيجابي لتأخير إنجاز المشروعات. وسوف تتراجع العوائد الإجمالية بصورة ملحوظة، حيث إن على البنوك أن تتخذ عدة إجراءات لمواجهة هذه السلبيات.
3- التقييم حسب القيمة الفعلية في السوق: مخاطر فعلية: كان لتراجع أسعار الأسهم على الصعيد العالمي أثره كذلك على الأسهم السعودية، حيث تراجع مؤشر تداول بنسبة 40 في المائة، منذ الربع الثالث من العام الحالي. وبالتالي، فإن البنوك السعودية ذات تعامل واسع مع استثمارات الأوراق المالية، ويعني هذا الأمر أن هنالك مخاطر حقيقية بوقوع عمليات شطب للقيمة على نطاق واسع في نهاية الربع الرابع من العام الحالي.
وأصبحت البنوك السعودية تواجه المزيد من الصعوبات في زيادة الودائع قبيل نهاية الربع الثاني من عام 2008. وبالتالي، فإن نسبة القروض إلى الودائع ارتفعت من 82.9 في المائة في نهاية عام 2007 إلى 92 في المائة في نهاية الربع الثالث من العام الحالي. وزادت الودائع بنسبة 19.1 في المائة خلال الربع الثالث، مقابل زيادة القروض بنسبة 30.2 في المائة. وكانت زيادة قروض الشركات هي السبب الرئيسي في ارتفاع معدل القروض خلال هذه الفترة.
وارتفعت تكلفة التمويل بصورة حادة في نهاية الربع الثاني من العام، حيث وجدت البنوك في المملكة أن من الصعب عليها زيادة الودائع. وارتفعت تكلفة قروض الأشهر الثلاثة من 1.8 في المائة في أيار (مايو) إلى 3.5 في أيلول (سبتمبر). ويعتقد معدو هذه الدراسة أن تخفيف الديون المستمر في القطاع المالي العالمي يمكن أن يستمر لعامين آخرين، ويضع في توجهه هذا ضغوطاً على مستويات الأرباح. وبالتالي فإن هنالك توقعاً بتراجع عوائد البنوك في المملكة العربية السعودية.
ومن المتوقع كذلك تراجع أرباح قروض التجزئة في البنوك السعودية. ومن المنتظر كذلك أن تتراجع قروض الشركات بمعدل نصف تراجع قروض المستهلكين، لأن البنوك تجد أن من الأسهل عليها إعادة تسعير قروض الشركات، مقارنة بقروض المستهلكين.
ومن المنتظر أن تظل نسبة أرباح بنك الراجحي أعلى من المعدل العام لأرباح البنوك السعودية ككل، حيث سوف يكون هذا البنك هو الأقل تأثراً في التحولات التي تشهدها دورة الأرباح، وذلك على الرغم من أنه الأعلى بين البنوك في نسبة الإقراض بالتجزئة. ويفترض أن يؤدي تركيز البنك الشديد على ارتفاع نسبة الودائع تحت الطلب (90 في المائة) إلى تشكيل حاجز حماية ضد تراجع مستمر وعميق في معدلات الأرباح.
من جانب آخر ظل البنك السعودي البريطاني يركز خلال عام2008 على توسيع ميزانيته. كما سيحاول الحفاظ على أرباحه عام 2009، حيث يواجه احتمال تراجع هذه الأرباح.
وتتعرض البنوك السعودية لآثار التراجع الحالي في أسعار الأسهم بسبب وجود استثمارات الأوراق المالية في ميزانياتها. وبينما تباطأ نمو القروض، فقد بدأت البنوك في توجيه أموالها الفائضة نحو الاستثمارات. وكانت النسبة المتجمعة للاستثمارات القائمة على التقييم حسب السعر السائد في السوق مقابل الأسهم هي 23.8 في المائة في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، بالنسبة للبنوك التي تشملها هذه الدراسة. ونظراً لأن هذه البنوك لا تكشف عن الطبيعة الحقيقية للموجودات، فإن من الصعب تقييم مخاطر محافظ تلك الموجودات. ومن المنتظر أن تكون نتائج الربع الأخير من هذا العام أضعف مما كان متوقعاً، حيث إنه في حالة كون نسبة عالية من الأوراق المالية للبنوك المقيمة على أساس القيمة الفعلية في السوق، في صورة استثمارات في السوق، فإن البنوك تواجه مخاطر متزايدة فيما يتعلق بشطب القيم خلال الربع الأخير من العام الحالي. وإذا كان مؤشر تداول تراجع بنسبة 40 في المائة منذ الربع الثالث من العام الحالي، فإن ذلك يحمل معه مخاطر العجز عن الوفاء بالالتزامات.
وبشيء من المقارنة، نجد أن البنك السعودي البريطاني، ومجموعة "سامبا" المصرفية، هما الأوسع تعاملاً مع الأوراق المالية، بينما بنك الراجحي هو الأقل تعاملاً معها، حيث إنه لا يملك أي أوراق مالية تقيم بالقيمة السوقية الفعلية في ميزانيته. ولا يستطيع هذا البنك الاستثمار في هذه الأوراق المالية نظراً لكونه بنكاً إسلامياً، حيث تظل فوائضه في البنك المركزي في صورة استثمار متاجرة. كما أن معدل تعامل البنك العربي الوطني، وبنك الرياض، في هذه الأوراق المالية، متدنٍ، حيث تقل تلك الأوراق عن 50 في المائة من قيم الأسهم لديها.
وأعلن عدد من البنوك السعودية عن تكبد خسائر في عمليات التداول الخاصة باستثماراته، حيث كشف بنك الرياض عن خسائر بلغت 458.7 مليون ريال سعودي، كما تكبد البنك العربي الوطني خسائر بلغت 287.8 مليون ريال سعودي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي. وأما البنك السعودي الفرنسي، فحقق زيادة في العوائد بلغت 350.4 مليون ريال سعودي، كما حقق البنك السعودي البريطاني زيادة في عوائده بلغت 196.1 مليون ريال سعودي، خلال الفترة الزمنية ذاتها.
وشهد مجموع عرض النقد في المملكة العربية السعودية تراجعاً كبيراً خلال ما مضى من عام 2008، مقارنة بالوضع الذي كان سائداً في عام 2007. وجاء هذا التطور كنتيجة عملية ومباشرة لإجراءات التشدد النقدي التي فرضتها مؤسسة النقد العربي السعودي (أي البنك المركزي) التي زادت متطلبات الاحتياطي المالي القانوني المفروضة على البنوك في أربع مناسبات منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2007، بحيث أصبحت 13 في المائة مقابل 7 في المائة. غير أن الوضع تغير بصورة دراماتيكية في الربع الثالث بسبب التشدد على الصعيد العالمي، بحيث بدأت مؤسسة النقد العربي السعودية بإطلاق الاحتياطيات من خلال إنقاص نسبة الاحتياطيات المالية الإجبارية للبنوك إلى 10 في المائة، ثم إلى 7 في المائة بتاريخ 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.
وارتفع المؤشر الرئيسي لأسعار المستهلك في المملكة العربية السعودية، حتى بلغ أعلى معدل له خلال 30 عاماً، حين بلغ 11.8 في المائة خلال شهر تموز (يوليو)، قبل أن يتراجع بصورة ضئيلة ليصل إلى 10.35 في المائة فيما بعد. وكان السبب الرئيسي في هذه الزيادة الكبرى في معدل التضخم في المملكة العربية السعودية، هو الارتفاع الكبير الذي شهدته الإيجارات، وكذلك أسعار المواد الغذائية محلياً. وعلى الرغم من هذا الارتفاع، فإن البنك المركزي السعودي اضطر إلى مسايرة معظم تخفيضات معدلات أسعار الفائدة التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وذلك حرصاً على الإبقاء على معدل التبادل الثابت بين العملتين. وأعلن البنك المركزي السعودي بتاريخ 23 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الحالي تخفيض معدل الفائدة بين البنوك بـ 155 نقطة أساس ليصبح المعدل 3 في المائة، وذلك بعد التراجع الحاد في مؤشر تداول بأكثر من 9 في المائة.

الأكثر قراءة