إحكام السياسة المالية للميزانية الجديدة لمواجهة ركود الاقتصاد العالمي
توقعت دراسة اقتصادية ألا يتحقق العجز المقدر بنحو 65 مليار ريال في الميزانية التقديرية لعام 1430/1431هـ في الموازنة الفعلية للعام نفسه التي تعلن عادة في نهاية كانون الأول (ديسمبر)، وأرجعت الدراسة سبب ذلك إلى حرص وزارة المالية وتحفظها عند إعداد الميزانية على تقدير الإيرادات بأقل بكثير من السعر السائد والمتوقع والتقدير الدقيق للطلب على النفط في الفترات القادمة.
وقدرت الدراسة التي أعدها مركز البحوث والدراسات في غرفة الرياض أن تكون وزارة المالية قد بنت تقديراتها لسعر النفط بأقل من 40 دولارا للبرميل، في حين يتوقع أن يتجاوز متوسط سعر البرميل في 2009 ليصل إلى 50 دولارا، وذلك في الوقت الذي تشير فيه التوقعات المتفائلة إلى أن يصل السعر المتوسط إلى أكثر من 60 دولارا للبرميل.
وقالت الدراسة إنه من واقع توجهات المالية خلال الموازنات السابقة في تقدير الإيرادات, فإنه يتوقع حدوث فائض في إيرادات الميزانية الجديدة ما يؤدي إلى تلاشي العجز فيها.
وكشفت الدراسة في مقارنتها بين الميزانية الجديدة والسابقة أن معدي السياسة المالية في المملكة يستخدمون أدوات السياسة المالية بإحكام لتحقيق الإيجابية للاقتصاد الوطني وعدم تأثره بشكل يضعف نموه، حيث أشارت الدراسة في هذا الجانب إلى أنه في العام 2008م، تم تقدير النفقات العامة بأقل من الإيرادات, وذلك بغرض تقليص النفقات لمواجهة توقعات التضخم، مبينة أن التوجه في الميزانية الجديدة استهدف استخدام أدوات السياسة المالية لتحريك النشاط الاقتصادي لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي, وذلك عن طريق زيادة النفقات العامة وتوافر السيولة المحلية المناسبة, وهو ما تميزت به ميزانية 2009، عن الميزانيات السابقة، حيث إن النفقات في الموازنة الجديدة تعد الأعلى في تاريخ الموازنات في المملكة، حيث تم ضخ اعتمادات بجانب النفقات الاستثمارية في مشاريع تنوية تنعكس في استمرارية النمو الاقتصادي في المملكة خلال الفترة المقبلة وتشكل هذه الاعتمادات أكثر من 225 مليار ريال بزيادة 36 في المائة عما تم اعتماده في ميزانية 2008، كما تمثل 6047.4 من إجمالي حجم النفقات العام في الموازنة التقديرية لعام 1430/1431هـ.
وأكدت الدراسة أن معدلات النمو الإيجابي للاقتصاد الوطني الذي قدر في العام 2008 بنحو 22في المائة بالأسعار الجارية، و104.2 في المائة بالأسعار الثابتة أنها معدلات عالية ومقبولة، وقالت إن الاحتياطات النقدية المتاحة للدولة ستمكنها من تجاوز آثار الأزمة المالية في الوقت الراهن وخلال الفترة المقبلة ما سيجعلها قادرة على سد أي عجز متوقع, إضافة إلى التوسع في النفقات العامة ما يحفز لأداء اقتصادي إيجابي.
ومن جهة أخرى فقد دعت الدراسة إلى مواصلة تقليص الدين العام من خلال الاستفادة من الفوائض المتاحة خلال الست سنوات الماضية الذي بلغ قرابة 1.4 تريليون ريال ليتلاشى بشكل نهائي وبما يوفر النقاء الكامل للتوجهات المالية ورفع القيد عنها في سعيها إلى وضع سبل تقليصه.
كما أكدت الدراسة أهمية أن تتجه السياسات الاقتصادية بقوة لتفعيل مبدأ تنويع مصادر الدخل من خلال إعطاء دفعة أكبر لتنمية القطاعات غير النفطية, وخاصة في ظل ما أظهره الواقع من عدم استقرار أوضاع الطلب على النفط وتذبذب الأسعار وتأثير ذلك في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي مستقر، مشيرة في هذا الجانب إلى أنه لولا حرص الدولة على الاستفادة من فائض السنوات السابقة في تكوين احتياطي من النقد والحافظ عليه بشكل آمن لحدث تأثير سلبي في النمو الإيجابي للاقتصاد الوطني بشكل كبير وليس محدوداً مثلما هو واقع الآن بالأزمات الاقتصادية العالمية التي يتكرر حدوثها من وقت إلى آخر في العالم.
ودعت الدراسة القطاع الخاص إلى توسعة استثماراته والاستفادة من مخصصات النفقات العامة لتنفيذ المشروعات التي وردت في الموازنة, خاصة في ظل انخفاض تكاليف السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج, مؤكدة أن ذلك يؤدي إلى زيادة إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي وخلق مزيد من الطلب على السلع والخدمات وتوفير ورفع الدخل الفردي وتخفيض من معدل البطالة من خلال توفير فرص العمل.
وفيما يتعلق بالصناديق السيادية فقد أوضحت الدراسة أن توجيهها إلى الاستثمار في الداخل يزيد النمو الاقتصادي ويحد من التأثيرات الخارجية, وقالت إن من الأمور التي تدعو للتفاؤل توجه الدولة لإنشاء المدن الاقتصادية التي ستحدث نقلة نوعية وتسريع عجلة النمو الاقتصادي في المناطق الأقل نمواً في المملكة من خلال ضخ نحو 255 مليار ريال كاستثمارات في هذه المناطق خلال العشر سنوات القادمة ما يحقق مجموعة من المنافع منها توجيه الاستثمارات إلى داخل المملكة وبالتالي بعدها عن الخطر الخارجي وتحقيق التنوع الاقتصادي نظراً لما تحتويه هذه المدن من صناعات وخدمات تنافسية جديدة تعد قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني.
وبينت الدراسة أن الاتجاه لمواجهة عجز الموازنة من خلال استخدام الاحتياطي المتاح من النقد ثم بالاقتراض العالمي والمحلي, أوجد ما يعرف بمشكلة الدين العام، مشيرة إلى أنه من بدايات العقد الحالي مثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي بلغت في 2001 93.7 في المائة, إلا أنه بدأ في التناقص تدريجياً مع التحسن المتواصل في الأداء الاقتصادي وزيادة الإيرادات العامة ووفاء الحكومة من خلالها لأجزاء من هذا الدين، وتوقعت الدراسة انخفاض الدين في نهاية 2008، ليصل إلى 237 مليار ريال لتقليص نسبته إلى 13.5في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لهذا العام.
وأوضحت الدراسة أنه رغم الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي, إضافة إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط فقد جاءت الموازنة التقديرية للدولة لعام 2009 بشكل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة المؤدية إلى مزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات.