الممارسات المسؤولة كمؤشر للنمو الاقتصادي المستدام

الممارسات المسؤولة كمؤشر للنمو الاقتصادي المستدام

على الرغم من أن عددا من الشركات ومن رجال الأعمال في المملكة بدأوا بتبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية للأعمال والانتظام في منظومة مبادرة مؤشر التنافسية المسؤولة التي أطلقتها الهيئة العامة للاستثمار وشركاؤها وبدعم من مؤسسة الملك خالد الخيرية التي رصدت جائزة تحفيزية سنوية باسم الملك خالد (رحمه الله)، إلا أن أغلبية الشركات ما زالت تركز على القيام بالنشاطات الخيرية والخدمة الاجتماعية مكتفية بها، وربما قوى من هذا الاتجاه لدى الشركات ورجال الأعمال ما يشهده الاقتصاد السعودي من نمو وتوسع متزايد عبر المشاريع العملاقة التي أطلقتها التنمية في السنوات الخمس الماضية وما تبشر به ميزانية هذا العام، الأمر الذي جعل كثيرا من الشركات تهتم بأهداف المدى القصير ولا تعير الاهتمام الكافي لاستراتيجيات المدى الطويل.
وبنظرة متأنية ومتأملة قليلا، فإننا نستطيع أن نتأكد من أن معدلات النمو الاقتصادي الهائل، وتنويع الاقتصاد والنشاطات الإنتاجية تطرح في الواقع تحديات نوعية جديدة تتمثل في استدامة النمو الاقتصادي.
ذلك أن النمو الاقتصادي المستدام هو صمام الأمان الذي يمثل الوقاية من الانهيارات الاقتصادية المفاجئة والتي تشبه الفورات الكاذبة مثلما حدث في تجربة القطاع العقاري وقبله "فورة" أجهزة الاتصالات في الولايات المتحدة متسببا في أزمة مالية شملت آثارها العالم كله.
في الوقت الذي كان من الممكن تلافي وتجنب مثل هذه النتائج بالأخذ بخيار النمو الاقتصادي المستدام، الذي يمثل لب وجوهر وقلب مفهوم التنافسية المسؤولة، والتي في ظلها تستثمر الشركات في مجتمعاتها، بوازع من أخلاقيات الأعمال وفق ما يطرحه مؤشر التنافسية من معايير تكون هي الميزان الذي تقاس به ممارساتها، وفي ضوئها يتجدد موقعها التنافسي.
في الوهلة الأولى تبدو معايير التنافسية المسؤولة كما لو كانت مجرد عناوين ضخمة لأعمال وممارسات تتناثر هنا وهناك على جانبي النشاط الرئيسي للشركة، وأحيانا يتصورها البعض كما لو كانت صدقات وأعمالا خيرية تحت مسميات أخرى، وأنها ـ أيضا - ممارسات تخص الشركة لمجرد اكتساب السمعة الاجتماعية بين الشركات الأخرى أو في المجتمع.
إلا أنك تستطيع أن تتبين أن المسألة أكبر من ذلك وأعمق تأثيرا، لأن التنافسية المسؤولة في مجال الأعمال تفتح كافة أبواب التنمية المستدامة، ضمن مسؤولية الشركة عن تهيئة بيئة عمل قانونية وصحية وسليمة، إلى برمجة عطائها الاجتماعي بصورة ذكية وفق معايير مؤشر التنافسية، وباختصار فإن ممارسات الأعمال المسؤولة تتضمن أيضا نقل التكنولوجيا الخضراء وتصميم المباني الخضراء، والشراء المسؤول، واستخدام موارد الطاقة المتجددة، وتطوير الطاقات البشرية، وكل ما يتعلق بمسؤولية الشركة تجاه البيئة والمجتمع.
إن الشركات بالتزامها بهذه المعايير في سلوكياتها وممارساتها في قطاعاتها المختلفة التي تشمل حتى التوزيع والتوريد والتعليم والصحة والسلامة، إنما تعزز قدراتها التنافسية من ناحية، إلا أن المردود الأكبر من ذلك هو أنها، وبمساهمتها الفاعلة في تطوير المجتمع وحماية البيئة، إنما تكون قد أرست القواعد والبني التحتية للنمو الاقتصادي المستدام.
وهو نمو مستدام لأنه يوفر كافة اشتراكات التنمية الشاملة، الاقتصادية والبشرية، وتنمية المجتمع ثقافيا وحضاريا، تنمية مستدامة، لا تقتصر ثمارها ونتائجها على الحاضر والأجيال الحالية، ولا تصدر آثارها السلبية إلى المستقبل، ولا تكون خصما من رصيد الأجيال المستقبلية.
أما مطلب التوازن في التنمية فقد تكفلت به خطط التنمية والموارد المالية المرصودة لها بضمان وضع أسسها ولبناتها الأساسية، إذ إن المشاريع التي تضمنتها ميزانية الدولة لهذا العام روعي في توزيعها أن توازن ما بين مناطق المراكز الحضرية والاقتصادية وما بين أطرافها في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية بما يشمل مختلف مناطق المملكة.
ومن المؤكد فإن هذا التوزيع المتوازن لمشاريع التنمية بين المناطق والقطاعات سيعزز التنافسية بين الشركات، الأمر الذي سيكرس قيم المسؤولية الاجتماعية في قطاع الأعمال في حال تفعيله بين الشركات، ويترجم كل ذلك في نمو اقتصادي مستدام.

الأكثر قراءة