اتفاقية بريتون وودز 2! مصيرها الفشل؟

اتفاقية بريتون وودز 2! مصيرها الفشل؟
اتفاقية بريتون وودز 2! مصيرها الفشل؟

كتب أتشيسون مذكراته وأعطاها العنوان المتواضع "كنت موجوداً لحظة الخلق". وبعمله هذا عمل عن غير قصد على تغذية الأوهام الفخمة، في عقول زعماء مجموعة الـ 20 الذين اجتمعوا في واشنطن في بدايات الشهر الماضي. ربما يكون باستطاعتهم كذلك تحقيق مكانة شبيهة بالآلهة من خلال إعادة ترتيب مؤسسات العالم؟
بعض الزعماء المتوجهين إلى واشنطون يتمتعون بصراحة غريبة حول المتعة التي يجدونها في المؤتمر. نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي النشط، هنأ نفسه على "حظه" في تمتعه بالفرصة لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي. وأظهر رئيس وزراء بريطانيا جوردون براون بصراحة استمتاعه بفكرة أنه زعيم فكري عالمي.
ولكن اتفاقية بريتون وودز 2، شأنها شأن جميع الاتفاقيات التالية، لن تكون جيدة في مستوى الاتفاقية الأولى. المؤتمر الأول أنشأ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أما المؤتمر التالي فلن تكون له مثل هذه النتائج أو الأهمية.

#2#

السبب الأول لهذا هو أن الأزمة المالية العالمية، على سوئها، ليست حتى قريبة من مستوى الحرب العالمية الثانية. دمرت الحرب النظام الذي كان قائماً، وبالتالي فإن رجال السياسة الذين أقاموا المؤسسات بعد الحرب العالمية الثانية، كانت أمامهم ورقة بيضاء يستطيعون كتابة ما يشاؤون عليها.
السبب الثاني هو أنه لا يوجد وقت كاف. استفاد مؤتمر بريتون وودز الأول من سنتين من التحضير والإعداد، وليس مجرد أسبوعين.
السبب الثالث والأهم هو أن البلدان التي اجتمعت في واشنطون تختلف فيما بينها. يطالب الأوروبيون، الذين يعشقون جميع أشكال الحوكمة الدولية، بإنشاء أجهزة رقابية عالمية جديدة للنظام المالي الدولي. أما الأمريكيون والصينيون، الذين يغارون على سيادتهم القومية، فهم أكثر حذراً.
السبب الأخير هو أنه بخلاف اتفاقية بريتون وودز الأصلية، فإن الولايات المتحدة لا تتمتع بالقوة ولا بالرغبة لفرض مجموعة جديدة من الترتيبات على بقية العالم.

هذه النقطة الأخيرة هي نقطة يجهد الأوروبيون على وجه الخصوص في محاولة فهمها. نظرتهم العامة هي أن هناك طريقتين متعارضتين لترتيب العالم. الأولى، وهي مرتبطة مع الرئيس الذي يبعث الخوف، جورج بوش، كانت تستند على القوة الأمريكية وعلى "أحادية الطرف". الثانية، التي يأملون أن باراك أوباما الطيب سيتبناها، وأساسها عمل ولايات متحدة متعقلة بالاشتراك مع الآخرين لإنشاء نظام عالمي متعدد الأطراف. يعود جزء من الحماسة الأوروبية للذهاب إلى بريتون وودز 2 إلى فكرة أن عصر الهيمنة الأمريكية قد ولى، وأن الفجر الجديد للتعددية الجديدة في سبيله إلى الظهور.
ولكن في 1944 – 1945 كانت المؤسسات متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة، قد خرجت من رحم القوة الأمريكية، وليس الضعف الأمريكي. أحد الأسباب وراء نجاح "بريتون وودز" هو أن الولايات المتحدة كانت بوضوح أقوى بلد على المائدة، واستطاعت بالتالي في نهاية المطاف أن تفرض إرادتها على الآخرين، بما في ذلك بريطانيا التي كانت ممتعضة ومنزعجة في أغلب الأحيان.
في ذلك الحين، وصف أحد كبار المسؤولين في البنك المركزي البريطاني الصفقة التي تم التوصل إليها في "بريتون وودز" على أنها "أكبر ضربة تلقتها بريطانيا إلى جانب الحرب." والسبب في ذلك أساساً هو أن الاتفاقية عمقت الطريقة التي انتقلت بها القوة المالية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة.
في النهاية أقر الحاضرون في الاجتماع التحولات في القوة العالمية. معجبو مجموعة الـ 20 مرتاحون لفكرة أنها تختلف عن مجموعة الثماني، التي تتألف بالدرجة الأولى من بلدان قديمة أوروبية متعَبة مصيرها إلى القسم الخلفي من ساحة التاريخ. تشتمل مجموعة العشرين على قوى صاعدة جديدة مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا (والسعودية).
هذا أمر مهم. النظام الدولي الذي لا يستوعب الصين والهند والقوى الناشئة الأخرى، من الواضح أنه لا يستطيع العمل والنجاح على المدى الطويل.ولكن إدخال هذه القوى في النظام ليس ضماناً لنجاحه. كلما ازدادت عدد الأصوات حول المائدة في بريتون وودز 2، وكلما ازداد قدر المساواة بينها، ازدادت صعوبة التوصل إلى اتفاقية.
الواقع أن العالم الناشئ متعدد الأطراف والأقطاب، الذي يطالب به منذ فترة طويلة أولئك الذين لا يشعرون بالارتياح للقوة الأمريكية، تبدو عليه جميع علامات الاختلال الوظيفي بدرجة كبيرة.
الأزمة هي الآن بصورة متزايدة في مأزق، حيث إنها رزئت بقيادة ضعيفة ومجلس أمن معطل. في السنة الماضية أخفقت جولة مفاوضات الدوحة في منظمة التجارة العالمية. وإذا لم تتمكن المفاوضات في منظمة التجارة من الوصول إلى مرحلة النضج، فما هي فرصة تحقيق الهدف الأكثر عسراً بكثير؟ وهو التفاوض على اتفاقية التغيرات المناخية العالمية في العام المقبل؟

جولات التجارة الأولى وصلت إلى نهاية ناجحة، ويعود بعض السبب في ذلك إلى أنها كانت محصورة بين أوروبا وأمريكا واليابان. ولكن في معظم الجولات التجارية الحديثة، كانت البلدان النامية، خصوصاً الهند، قد بلغت مرحلة من القوة لا يسهل معه تجاهلها. هذا بالتأكيد تقَدُّم من وجهة نظر العدالة الدولية والإنصاف. ولكنه يجعل من الصعب تماماً التوصل إلى اتفاقية. المشكلة نفسها على الأرجح ستصيب مفاوضات التغيرات المناخية للعام المقبل، التي ستلعب فيها الصين دوراً رئيسياً.
وجود عدد كبير من البلدان حول المائدة ليس بحد ذاته أمراً يقضي على إمكانية التوصل إلى اتفاقيات. كان هناك 44 بلداً في مؤتمر بريتون وودز 1. ولكن ما نحتاج إليه هو الزعامة. في 2008، كما كانت عليه الحال في عام 1944، كان أكبر زعيم معقول هو الولايات المتحدة. وهذا يجعل الأمر مدعاة للأسف بقدر أكبر، أن الرئيس الذي سيكون المضيف في واشنطن هو بوش وليس أوباما.
تحت قيادة الرئيس بوش وجدت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع قيادة العالم من خلال استخدام القوة الغاشمة. مهمة الرئيس المنتخب أوباما ستكون هي أن يرى إن كانت الولايات المتحدة تستطيع القيادة الآن عن طريق الإقناع. الأمر المحزن هو أنه لم يكن موجوداً عند لحظة إعادة الخلق الجديدة قبل شهر ونيف.

الأكثر قراءة