الإخوانيات في زمن الـ SMS.. بعيدا عن تكلف الشعراء!
عُرفت القصائد والمقطوعات التي يتبادلها الشعراء بينهم على هيئة رسائل خاصة بـ "الإخوانيات", وهذا الفن اختلف حوله المؤرخون، فالبعض ذكر أنه ظهر في نهاية العصر العباسي, وهناك من ذهب إلى أنه موجود في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي ولكن على نطاق ضيّق ومحدود, ورغم اختلاف الآراء التي يطلقها الأدباء والنقاد حتى أيامنا هذه حول شعر الإخوانيات، متى نشأ لأول مرة، ما تعريفه، أغراضه، والفائدة المرجوّة منه؟
لسنا هُنا بصدد تأصيل المسمى أو الغوص بكتب التراث للوصول إلى أجوبة لأسئلة قد لا تهم متذوق الشعر, ما يهم هنا هو الشعر ذاته, رغم أن هذا النوع من الشعر رغم حميميته، إلا أنه غالباً ما يأتي عفوياً ومباشراً, ويرى بعض النقاد أن هذا النوع من الشعر لا يعيبه إن لم يكن جزلاً وجاداً, فقد كُتب بلغة بسيطة غالباً ليتواصل المرسل والمرسل إليه بحميمية الصداقة.
في الشعر المحكي تحديداً كان لهذا الفن حضور طاغ, وما زالت الإخوانيات تحفظ في صدور الأجيال حتى رغم عدم تدوينها, وما زلنا نحفظ الإخوانيات المتبادلة بين نمر بن عدوان وجديع بن قبلان وغيرهما الكثير, رغم تباعد الأزمنة والظروف، إلا أن هذا الفن يتكيّف مع الإنسان وبوحه, وفي عصرنا هذا زادت التقنية من حضور الإخوانيات بين الشعراء عبر "المسجّات", فلا تكاد تمر مناسبة إلا ويتجلى الشعراء عبر مقطوعات قصيرة في الغالب, وأحياناً يتعدى الأمر التهاني إلى التعليقات على الأحداث الاقتصادية والفكرية والسياسية, بين أسلوب جاد أحيانا وتهكمي ساخر في أحايين أكثر, ولأن هذا الفن غالباً ما يأتي بلغة بسيطة ومباشرة، فإنه ينتشر بين فئات المجتمع بشكل سريع, ويتم تبادله بين الناس بشكل موسع, وأحياناً تتم الإخوانيات بين الشعراء كأن يرسل أحدهم "مسجاً" لشاعر آخر من نص لم يكتمل, ربما لمعرفة انطباع الآخر عن ما كتب,
#2#
وهذا ما حدث مع الشاعر الأنيق خُلقاً وشعراً عبد الله مدعج، حيث وضع مدعج بعضاً من نصه بين جناحي "مسج" وكتب:
طشوا الدنيا على كتفي وراحوا
اتركوا لي كل هالحلم وجفوني
اضحكوا ما كنهم في يوم ناحوا
اعقلوا.. ما كنّهم ربّوا جنوني
كانو الأكثر تعب.. بس استراحوا
كانوا الأضيق مدى.. لين سجنوني
كثر ما طالعتهم بالوجه/ شاحوا
كثر ما تشبّث بذكراهم/ نسوني
#3#
وعندما حط "المسج" على شرفة ذائقة الشاعر النحيل المرتوي شعراً محمد الأسمري، كان التفاعل سريعاً:
طشّوا الدنيا على كتفك ميانه
وأنت والدنيا على عيني وراسي
يا تطشّ الحمل وتخون الخيانه!
يا تشيل الحمل ونطشّ المآسي
وين ما وجهت قلبك في مكانه
كثر ما غضيت طرفك وانت قاسي
قلت لعيون الرضا قسوة زمانه
طش ما طشوا على قلبي وناسي
لك من أعماق التعب صدق امتنانه
لك من أطراف المدى زيف التناسي!
كلما اخضرّت سواليفك أمانه
لا تشمّت بي ضماي ولا يباسي
خلني بين البراءة والإدانة
لين تبرا ذمتي من ظلم ياسي!
#5#
أحياناً يكون الشعر بذاته مستفزاً للشاعر الآخر، ليكتب انطباعه عن ما قرأه شعراً, وهذا ما حدث عندما قرأ الشاعر عايض الظفيري نص الشاعر سعد زبن المنشور هنا في بالمحكي، والمعنون بـ "رسالة إلى جياع الأرض"، حيث أتى رأي عايض الظفيري شعراً غدقاً:
سعد والشعر.. يا فهيد العديم
كنّّهم زي! ما من زيّهم!
امتماهين والله العظيم
صعب تفرق أيّهم من أيّهم!
أمطروني وأنا روحي هشيم
إرتويت وغرقت بريّهم!
كل شاعر يحْسْبْ انّه عظيم
ايتمنى يصير أوخيّهم!
يكتبون الشعر "نار" و"نعيم"
يزرعونه نخل في حيّهم!
يشبهون لدعا "برٍّ رحيم"
كفّه أكرم من "الله حيّهم"!
بدوره الشاعر سعد زبن استفزه نص للشاعر محمد عيضة، حيث يتهكم محمد على حال ساحة الشعر, من قصيدة نقتبس بعضها لنخمّن ما الذي جعل سعد زبن يرسل رسالة تهديد لمحمد عيضة، إذ يقول محمد موجهاً نبال حرفه لساحة الشعر:
والله انها ما تساوي شي إزاء أحزاني
ودمي المحروق ولا قلبي المشتبي
ما هي الساحة ولا شعار كاني ماني
والطويل المنقصر ولا القصير الدبي
#4#
فأي وتر عزف محمد هنا ليثير سعد زبن الذي يُصّر على أن ما كتبه رداً ما هو سوى تهديد لمحمد عيضة، الذي يبدو أن أبياته عزفت على أوتار كثيره, فجاء سعد منشداً:
يا محمد عيضة الغالي يحفظك ربّي
ليه تجرحني وانا اللي ما أرى لك ثاني
كل ما تظهر وتحكي عن قصيد الدبّي
غطت العالم علي وجرّحوا وجداني
يستفزوني وانا اللي من كروم عنبّي
سكرة المغرم بكاس الشاعر الروحاني
شاعرٍ ما كانت فنون الكتابة حبّي
الفشل تلو الفشل لضفافها وداني
ما تمنيت الرشاقة لو نشدت ركبّي
كود لا من لاح لي في سكتي دياني
عشت عشر سنين في دور الصبي الصّبي
واحترق فلمي وموفور البها جافاني
وكنت سبع سنين عن جو الشعر متخبّي
لين ما طلّيت للعالم بفيض احزاني
ما عرفت البحتري إلا من المتنبّي
واجهل الأثنين لولا بطرس البستاني
يا محمد لا تغيظ الدب لا تندبّي
والسلام ختامها يا المبدع المتفاني
ويظل فن الإخوانيات ممتعاً وصادقاً بعيدا عن الزيف والتصنع, وقريبا من تفاصيل الإنسان الصغيرة وملامحه بكل تجلياتها وانفعالاتها, ويظل مميزاً ببساطته الذي قد تقتلها نرجسية الشاعر عندما يكتب نصاً متحدياً ذاته ولغته وباحثاً عن دهشة أكبر في ذائقة قرائه.