عصر صناعة "السيارة الإسلامية" في الطريق
قبل ثلاث سنوات، حين أوقفت أكبر شركات السيارات الإيرانية تصنيع السيارة بايكان Paykan، وهي سيارة صالون شبيهة بالصندوق مصنوعة على نمط سيارة هيلمان هنتر Hillman Hunter، السيارة البريطانية التي كانت مشهورة في ستينيات القرن الماضي، اعتبر كثير من الإيرانيين أن هذا القرار هو خسارة لنمط حياتهم الذي تعودوا عليه.
ولكن هناك الآن سيارة جديدة أكثر اقتصادية من السيارة الأولى، يتم تصنيعها بامتياز من شركة كيا موتورز الكورية، وهي سيدة الطرقات الإيرانية.
كانت سيارة برايد تُنتَج في إيران منذ نحو عشر سنين، ولكنها أخذت في الفترة الأخيرة فقط تأسر قلوب السائقين الإيرانيين.
يقول رضا، وهو سائق عمره 51 سنة كان قد استبدل سيارته من طراز بايكان بسيارة برايد: عهد بايكان، التي هي من مخلفات البريطانيين، ولى إلى غير رجعة.
الشعبية المتزايدة لسيارة برايد، التي يلفظ اسمها معظم الإيرانيين "بيرايد"، هي جزء من حركة تطور سريعة في تصنيع السيارات في إيران، وهي صناعة أصبحت من أبرز الصناعات في إيران.
في الوقت الذي تحسن فيه مستوى المعيشة وازدادت طموحات الناس، ينظر كثير من عائلات الطبقة الوسطى إلى ملكية السيارة على أنها أساسية. تبلغ نسبة السيارات الآن إلى عدد السكان سيارة واحدة لكل 12 شخصاً.
الأشخاص الذين يحصلون على رواتب متدنية، يعملون في وظيفة ثانية كسائقي سيارات أجرة، ويقودون سيارة برايد للتعامل مع معدل التضخم الذي يبلغ نحو في المائة.
يقول محمود، وهو سائق عمره 34 عاماً: سيارة برايد اقتصادية وتستهلك وقوداً أقل من أية سيارة أخرى. يذكر أن لتر البنزين في إيران يكلف فقط تسع سنتات.
بفضل سيارة برايد أصبحت "سايبا" Saipa، الشركة الصانعة، هي الزعيم الجديد لصناعة السيارات في إيران، وهو موقع ظلت تحتله لعقود شركة كودرو، الشركة المنتجة لسيارة بايكان.
أصبحت "سايبا" الشركة الأولى لصناعة السيارات في إيران للسنة التالية على التوالي، حيث تنتج 482 ألف سيارة، معظمها من طراز برايد.
من جانب آخر، أنتجت شركة كودرو في السنة الماضية 450 ألف سيارة. وفي 2007 وصل مستوى إنتاج إيران من السيارات 1.15 مليون سيارة، أي بزيادة مقدارها سبع مرات عن العقد السابق.
سيارة بايكان، التي تعني السهم في اللغة الفارسية على سبيل التفاؤل، أُحضِرت إلى إيران في 1966 وولدت دخلاً بمليارات الدولارات لشركة كودرو، التي أنتجت أكثر من مليوني سيارة. ولكن يوجد الآن على شوارع إيران عدد من سيارات برايد يعادل سيارات بايكان.
يقول أحمد نعمت بخش المدير التنفيذي لجمعية شركات صناعة السيارات الإيرانية: سيارة بايكان كانت تعتبر البقرة الحلوب بالنسبة لشركة كودرو، وهو دور تلعبه الآن سيارة برايد بالنسبة إلى شركة سايبا.
يحذر خبراء صناعة السيارات من أن النسبة العالية لإنتاج السيارات، لا تعني بالضرورة هيمنة شركة سايبا على شركة كودرو.
ويؤكدون أن منتجات "كودرو" أكثر تنوعاً وتطوراً، رغم أن سيارة ساماند Samand المصممة محلياً، والتي حلت محل بايكان، تعتبر غالية أكثر من اللازم، بالنسبة لكثير من الإيرانيين. تعتبر سيارة برايد أرخص الأنواع الموجودة في السوق، حيث يتراوح سعرها بين 7500 و8500 دولار، حسب النوع.
تعني ربحية تصنيع السيارات في إيران أن الشركات هي قضية ضمن المواضيع السياسية الداخلية، في الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران (يونيو) المقبل.
رغم أن شركات صناعة السيارات مدرجة على البورصة، إلا أن الحكومة لا تزال تملك نحو 40 بالمائة من شركتي كودرو وسايبا، وهي التي تعين الرئيس في كل شركة من الشركتين.
يعتبر مهراد بازرباش المدير الإداري الجديد لشركة سايبا، حليفاً مقرباً للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وقد أطلق بازرباش صحيفة يومية سياسية اسمها "وطن إيمروز"، التي تعني وطن اليوم، ويقول إنه يعتزم مساندة أحمدي نجاد في سياساته. وليس من الواضح ما إذا كان تمويل الصحيفة يأتي من شركة سايبا.
يغلب على ظن معارضي الحكومة أن تعيين بازرباش، الذي جاء قبل سنة، يعني أن شركة السيارات يمكن أن تساعد في تمويل الانتخابات المقبلة، التي يتوقع أن يترشح فيها الرئيس أحمدي نجاد. وقد رفض بازرباش الإجابة عن أسئلة حول هذا الموضوع.
إذا نحينا السياسة جانباً، فإن بازرباش بحاجة إلى أن يفكر على استراتيجية على المدى الطويل للسيارة الأولى في شركته، حتى لا تلاقي المصير الذي لاقته سيارة بايكان. يقول نعمت بخش: على هذا المستوى، من غير الممكن إنتاج سيارة برايد، إلا لسنة أخرى على الأكثر.
ولكن شركات صناعة السيارات الإيرانية، التي تعمل في سوق محمية من المنافسة الدولية، بفضل التعرفة المفروضة على الواردات والتي تصل إلى 100 في المائة، كانت تتجاهل التحذيرات التي من هذا القبيل في الماضي.
في السنة الماضية لم تستورد إيران إلا 50 ألف سيارة، بما فيها سيارات من شركات بي إم دبليو ومرسيدس وتويوتا ولكزس.
لا تزال شركات صناعة السيارات الإيرانية تعتمد على الأسواق الدولية للحصول على القطع المكونة للسيارات. كما أن الشركات العملاقة مثل شركتي بيجو ورينو الفرنسيتين، تقدمان نحو ثلث قطع الغيار التي تحتاجها إيران.
معنى ذلك أن صناعة السيارات الإيرانية تضررت بفعل العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على إيران، رداً على البرنامج النووي الإيراني.
يقول نعمت بخش: لا نستطيع إنكار أن العقوبات خلقت لنا مشاكل، حيث تتأخر قطع الغيار في الوصول، في حين أن البنوك تجد لزاماً عليها العثور على بلد ثالث، ليتم تحويل الأموال إليه.
ويقول كذلك إن العقوبات أدت إلى ارتفاع التكاليف بمقدار 5 في المائة. هذه العقبات على المستوى الدولي، يمكن أن تكون أحد الأسباب التي تجعل شركتي كودرو وسايبا تخرجان بفكرة إنتاج سيارات "إسلامية"، كما يقول المراقبون. وحين تعلن الشركتان عن الإنتاج من باب السيارات الإسلامية، فإنهما تأملان في الحصول على مساندة مالية من الحكومة ومساعدة من ماليزيا وتركيا، وهما البلدان الآخران اللذان يعتبران من كبار صانعي السيارات في العالم الإسلامي.