تطابق السياسات المعلنة وواقعها السلوكي أكبر تحد يواجه الشركات المنفذة للتنافسية

تطابق السياسات المعلنة وواقعها السلوكي أكبر تحد يواجه الشركات المنفذة للتنافسية

ما يميز المجموعات هو نفس ما يجعلها أكثر تعقيدا ً إداريا ً، نظرا ً إلى انشغالها في أكثر من مجال اقتصادي، وهذا ما يجعل خريطتها الإدارية متعددة الهياكل و متنوعة النشاطات والخطط والبرامج. وهذا التنوع في النشاطات الاقتصادية هو تحديدا ً ما يعطي شركات المجموعات ميزتها الكبرى، بإتاحته مساحة أكبر للتحرك في مجال المسؤولية الاجتماعية، ويعطيها القدرة على التأثير بشكل أوسع مدى من شركات القطاعات ذات البعد الاقتصادي الواحد.
وبالطبع فإن أول ما يلزم شركة بحجم المجموعة هو أن تقوم بتأسيس نظم وسياسات تهتدى بها الإدارة العليا للمجموعة كموجهات لوضع استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية للمجموعة ككل، ولكل شركة داخل المجموعة على حدة.
ولعل أولى ثمار هذه الخطوة هي أنها ستساعد كثيراً على نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية في المفاصل الإدارية للشركة.
وهنا يبرز سؤال عن الكيفية التي تتأكد بها المجموعة من درجة انسجامها مع معايير التنافسية المسؤولة حول ما تضعه من سياسات ونظم، وإلى أي مدى هي متطابقة مع ما هو على أرض الواقع من سلوكيات.
الواقع أن التقرير غير المالي للشركات هو ما يعكس درجة ومستويات تطابق ما هو معلن من سياسات و أنظمة مع ما هو مطبق منها فعلا. إضافة إلى ذلك فإن مستويات الشفافية في التقارير غير المالية هو الذي يمثل درجات وعمق التواصل بين الشركة و بين المتعاملين معها و المستهلكين لمنتجها. وهذا التواصل ومدى عمقه و قوته يشكل واحدا ً من أهم معايير المسؤولية الاجتماعية للشركة.
وواقع الحال أن درجة الاهتمام بالتقارير غير المالية في إفريقيا والشرق الأوسط تمثل نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم، إذ لا تمثل سوى 2 في المائة في حين تصل في أوروبا إلى 54 في المائة، وفي الأمريكتين 19 في المائة، وتصل النسبة في آسيا و أستراليا إلى 25 في المائة.
وإذا كانت هذه النسب لا تمثل بالضرورة مدى الالتزام بالمعايير الدولية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وإنما تعكس ما تعلنه الشركات في برامجها للقيام بهذه المسؤولية، إذ قد توجد شركات تمارس هذه المسؤولية دون أن تعلن عنها، إلا أن الإعلان عن هذه الممارسات عبر التقارير غير المالية يساعد كثيرا على رصد الممارسات وتقييمها بالتالي.

التقارير غير المالية كمرآة عاكسة

وفيما يخص المجموعات فإن التقرير غير المالى يعتبر ضرورة قصوى نظرا ً لاتساع دائرة نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية، ولأنه ضرورة ملحة أيضا ً لتعزيز شبكة التواصل بينها وبين المستهلكين والعملاء من ناحية أخرى.
ولعل ما نشرته "مجموعة دبي القابضة" يشكل خير نموذج ويعطي مثالا ً لما نقول، حيث أوردت في تقريرها بعض المبادرات التي أطلقتها شركاتها متضمنة عددا ً كبيرا ً ومتنوعا ً من مبادرات المسؤولية الاجتماعية، مثل برنامج "تواصل" الذي يركز على الثقافة البيئية، وبرنامج الحفاظ على الطاقة والمياه في جميع أحواض منشآتها ما خفض نسبة استهلاك المياه نحو 6.2 مليون جالون في شهري كانون الثاني وشباط (يناير وفبراير) الماضيين. بينما قامت شركتها تيكوم للاستثمارات بالعمل على تصميم وإنشاء وتشغيل مباني شركاتها وفقا ً لمعايير ومواصفات البناء الأخضر الأمريكي لريادة في مجال الطاقة و التصميم البيئى، تقدم شركتها مجموعة دبي للعقارات بتنظيم حملة تنظيف الإمارات السنوية بالتعاون مع مجموعة الإمارات للبيئة، فيما تقدم "سما دبي" التابعة لها بتنظيم حملة سنوية يقوم بها موظفوها وعائلاتهم بتنظيف النفايات من الساحل الشرقي للإمارات، وحملة المسؤولية البيئة الأولى التي تعقد كل عامين وتهدف إلى زيادة وعي وفهم الموظفين لمفهوم المحافظة على البيئة وحمايتها و مشاركتهم في ذلك، إلى جانب تطوير مدينة الخيران الساحلية على مساحة سبعة ملايين قدم من الأراضي الرطبة التي تتم صيانتها كمحمية طبيعية.

في الطريق إلى العطاء الذكي

ونحن هنا نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية البيئية للمجموعة، وإلا فإن تقارير المجموعة غير المالية لدبي القابضة تشتمل على تفصيل المشاريع المسؤولة التي تخص الأطفال وحتى العاملين مثل قرية أواسيس، وهي عبارة عن مجمعات سكنية للعمال تقدم خدمات اجتماعية وترفيهية كاملة لأكثر من 4500 عامل، وقد حاز على لقب أفضل مجمع سكني للعمال من بلدية دبي عام 2007.
وثمة نقطة مررنا بها قبل ولم نتوقف عندها كثيرا ً ألا وهي قدرة المجموعات على إشاعة ثقافة المسؤولية الاجتماعية، حيث تعرضنا لدورها في هذا الجانب داخل شركاتها وفي مفاصلها الإدارية المختلفة، إلا أننا كما نلاحظ في مثال دبي القابضة، أن هذا الدور يمكن أن يتمدد إلى خارج الشركة، وأن هذا التأثير يمكن أن يشمل المجتمع ككل، بل وأن تحث الشركات و العملاء الذين يتعاملون معها على الالتزام بمعايير المسؤولية الاجتماعية حيث تقوم المجموعة بإصدار دليل الصحة و السلامة والبيئة الذي يتطلب من جميع الشركات المتقدمة لعطاءات تطرحها مجموعة دبي القابضة بإيضاح قدرتها على الالتزام بمتطلبات الصحة والسلامة والبيئة التي اعتمدتها.
وهذا يقودنا إلى نقطة أو مسار ثالث في مؤشر التنافسية المسؤولة للشركات، وهو مسار العطاء الذكي الذي عرفناه أكثر من مرة بأنه العطاء المطلوب لتلبية احتياجات المجتمع بعد دراسة هذه المتطلبات وتحديد العطاء اللازم الذي يضع أقدام المجتمع في طريق التنمية المستدامة والشاملة.
وحين نمعن النظر جيدا ً في هذا المسار، فإننا لن نجد من هو أجدر بين الشركات من المجموعات للمساهمة بفاعلية ذات تأثير أقوى فيها، وذلك كما أسلفنا بسبب حجمها و تنوع نشاطات شركاتها الأمر الذي يفتح أمامها مساحة أكبر وآفاقا أوسع لتطبيق برامجها المسؤولة في العطاء الذكي، تنمية للمجتمع وارتقاء بمستوى معيشة شرائح اجتماعية أوسع.

تفعيل الطاقات المعطلة و دمجها

وفي هذا الإطار تقف جسور مجموعة صافولا للمسؤولية الاجتماعية كشاهد على هذا الدور يمكن أن تلعبه المجموعات في التنمية وتلبية الاحتياجات التنموية. إذ يتفق الجميع على أن واحدة من أقوى وأصعب المعضلات التي تواجه اقتصاد المملكة هي مشكلة تعطل نصف المجتمع عن المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا قليلا ً وعبر التدريس، والمشكلة الأخرى هي عدم إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في إيقاع المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، وللتصدي لهذين المطلبين الاجتماعيين الملحين، قامت مجموعة صافولا بعدة مبادرات لأعداد وتأهيل هاتين الفئتين لدخول سوق العمل والمشاركة في دورة الحركة الاقتصادية عبر برنامج "بعد التخرج إلى أين؟"، والذي تم تنفيذه بالتعاون مع مركز السيدة خديجة بيت خويلد في الغرفة التجارية الصناعية في جدة.
ويهدف إلى تدريب و تأهيل عدد من السيدات و دعمهن حتى أصبحن مؤهلات للانخراط في سوق العمل كما قامت المجموعة بالتعاون مع الهيئة العالمية للتعليم والتدريب بتأهيل 30 يتيما على أساليب الطباعة والنشر الحديثة، وعبر برنامج "إبصار – صافولا" والذي تمكن من تأهيل وتدريب 32 من المعوقين بصريا من الجنسين.
كما وتم استيعاب عدد منهم في السوق، وقد أسست المجموعة مكتب توظيف ذوى الاحتياجات الخاصة، كما قامت بدعم برنامج إثراء للطالبات في مدينة عنيزة للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي بعد اجتياز سبع مراحل تغطي المبادئ الأساسية للحاسب الآلي وتطبيقاته في المجال العملي، إلى جانب دعمها لبرنامج "سند" التعليمي الذي صممته جمعية سند الخيرية برئاسة الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز بهدف مساندة 300 من الأطفال المنومين في المستشفيات تربويا وتعليميا لتعويض فترة انقطاعهم عن الدراسة، ويشمل مراحل الروضة والابتدائية و المتوسطة.

أما بـــعــد

إن مجمل هذه البرامج و المبادرات التي تحدثنا عنها تنبع من قناعة، أصبحت الآن واضحة للعديد من إدارات المجموعات العملاقة في العالم، وهي، أن تنمية المجتمعات و تلبية احتياجاتها ودعم مسيرتها نحو التطور والارتقاء، تنمية ورفاها يشمل جميع شرائح المجتمع من نساء وأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة إلى جانب البيئة والمحافظة عليها نظيفة وصحية. كل ذلك إنما هو مهم لدعم مسيرة المجموعة و شركاتها نحو التوسع و الارتقاء، وأن نتائجه ستصب في مصلحة ازدهار أعمالها وإكسابها احترام وثقة المجتمع والمستهلك والمتعامل معها، مما يعزز موقفها التنافسي محلياً، ويصبح لها جسرا تعبره للمنافسة خارجيا، وأن الرابح الأكبر من هذا السلوك المسؤول للشركة سيكون هو الاقتصاد الوطني الذي يعزز موقفه.

الأكثر قراءة