لا توجد لدينا خطة استراتيجية للقطاع الزراعي توازن بين الأمن الغذائي والأمن المائي
مقدمة:
الأمن الغذائي والأمن المائي كل منهما مرتبط بالآخر, ووجود استراتيجية بعيدة المدى تعمل على جعل العلاقة بينهما متناغمة أمر بالغ الأهمية, ووجودها يجعل من القطاع الزراعي قطاعا تنمويا ومستداما, ويتحقق الأمنان الغذائي والمائي, المشاريع الزراعية كغيرها من المشاريع لها حسابات وتكاليف ومرتبطة بمخرجات الإنتاج وأسعاره, وهذه المشاريع تحتاج إلى فترات زمنية لتحقق أرباحها, هذا لن يتم في ظل عدم الثبات في السياسات الزراعية وفي ظل جو عام يتسم بعدم الوضوح في الرؤية, آلية تخفيض القمح هدفت إلى التقليل من استخدام المياه في زراعته ولكنها حولت المزارع إلى محصول أكثر شراهة للمياه وعلى مدى أيام السنة كاملة, مررنا بمرحلة إفراط في التفاؤل بأن حجم مياهنا يساوي تصريف نهر النيل 500 عام, أعقبها مباشرة نظرة سوداوية وغير معقولة من النواحي العلمية والمؤشرات العملية, وهذه النظرة تقول إننا لن نجد ماء نشربه بعد سنين قلائل, لا يوجد في العالم شيء اسمه أمن غذائي مطلق ولا تجد أي دولة في العالم تملك هذا الأمن المطلق, بل تتفاوت درجات الأمن الغذائي ولكن لا أحد يملك الكمال فيه, خلال الطفرة الزراعية السابقة تكون لنا قطاع زراعي متطور أنفقنا المليارات لبنائه استطاع هذا القطاع أن يكون أعلى القطاعات في سعودة الوظائف بقيم مخرجات سنوية تفوق 40 مليار ريال, ونشأت كوادر وطنية فاقت قيمة خبراتها الخمسين مليارا. من أجل أن يكون لدينا أمن غذائي مرافق لأمننا المائي ولا نسقط أحدهما من أجل الآخر جمعت "الاقتصادية" نخبة من المسؤولين والخبراء السعوديين لوضع التوصيات والحلول لذلك, وإلى الندوة:
على من تقع مسؤولية توفير الغذاء بالسعر والكم المناسبين؟
#3#
آل الشيخ: تقع مسؤولية توفير الغذاء من جهة على شرائح المجتمع المختلفة وأيضا من متخذي القرار السياسي كي يوفر الغذاء للمجتمع بأسعار مناسبة, وفي الوقت نفسه يجب أن يكون هناك قرار يوضح ما الحد الأدنى من الأمن الغذائي الذي يجب أن يوفر محليا, لأن الإنتاج الزراعي ليس خطا إنتاجيا في مصنع وتستطيع أن تفتحه متى ما شئت وتغلقه متى ما شئت, إذا تركت الأراضي أصبحت أراضي بورا وتحتاج إلى استثمارات لاستصلاحها وفي حال تركها نحتاج إلى إعادة تنشيطها للعملية الإنتاجية وهذا يحتاج وقت, وفي حال التوقف ستفقد الخبرات الإنتاجية وبالتالي فقد سلاسة الإنتاج أيضا. لا بد أن يكون جزء من سلعة القمح محلي الإنتاج, قد ينظر إلى أن الأودية والواحات التي كانت مناطق تقليدية للزراعية وتتوافر فيها المياه السطحية التي تعوضها مياه الأمطار وهناك إمكانية التركيز عليها وجعلها مراكز إنتاج وباستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والري, ودائما ما يكون هناك مساومة بين الأمن الغذائي والأمن المائي وصور إلينا الأمن المائي أنه تقريبا كلما ازداد لدينا قطاع الزراعة نكون قد ضحينا بالأمن المائي, وهذا ليس صحيحا على إطلاقه, لأنه يجب أن يكون هناك توازن بين الأمن الغذائي والأمن المائي وإلا أننا سنضحي بكل الإنتاج والقطاع الزراعي في سبيل أن يكون لديك شيء اسمه أمن مائي وقد لا نحصل على الأمن المائي بهذه الطريقة, لأننا نركز في كثير من احتياجاتنا المائية على التحلية.
ما الحد الذي نقف عنده في مسألة التوازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي؟
آل الشيخ: القرار طبعا يعود إلى قرار سياسي, لديك خيارات غير الزراعة مثل أن يكون لديك مخزون استراتيجي لبعض السلع الغذائية المهمة مثل القمح, وفي المقابل تولد إشكاليات إدارة المخزون الاستراتيجي, هناك عدد من الحلول يجب أن يكون هناك حد أدنى من الأمن الغذائي المحلي بحيث لا يلغى القطاع الزراعي بل يجب أن نتعرف على أين هي المناطق الأكثر إنتاجية في المملكة والأكثر وفرة في المياه التي لا تستخدم في الاستخدامات الحضرية ونركز عليها بطريقة منظمة في الإنتاج بحيث يعطيها مدى طويلا أيضا ونجمع الأمن المائي والأمن الغذائي في الوطن, السلع المستهلكة للمياه الكثيرة يجب ألا نعتمد عليها في الإنتاج محليا, ويمكن إنتاجها في الدول التي لديها موارد مائية كبيرة في استثمار زراعي خارجي مباشر, يجب أن يكون لدينا سياسة فيما يتعلق بإدارة المخزون الاستراتيجي لبعض هذه السلع ويكون لها إدارة لكن هذه حلول معقدة تحتاج إلى استراتيجية ونحن لا يوجد حتى الآن لدينا استراتيجية تتعلق بالتوازن بين الأمن الغذائي والمائي, وهذا مطلوب لأنك متى ما ركزت على الأمن المائي تكون ضحيت بالأمن الغذائي والعكس صحيح, لا يوجد في العالم شيء اسمه أمن غذائي مطلق أي أنك لا بد أن تعتمد في توفير غذائك على نفسك, وهذا وهم وغير مقبول من الناحية الاقتصادية فجب أن نستخدم كل الأدوات التي تؤدي إلى زيادة المتوافر من الغذاء للمواطنين سواء كانت عن طريق الإنتاج المحلي للمنتجات ذات الكفاءة العالية في الإنتاج محليا وأيضا استخدام الاستثمار الخارجي لضمان استمرارية هذه المنتجات في مناطق ذات ميزة نسبية في الإنتاج الزراعي أيضا يجب أن نحاول أن نستخدم المخزون الاستراتيجي, إضافة إلى الأسواق المستقبلية للحماية من تقلبات الأسعار لمثل هذه السلع, المفهوم بطبيعته بما يتعلق بالأمن الغذائي والأمن المائي هو مفهوم سياسي يخرج عن دائرة الاقتصاد, لكن يجب أن نرشده بقدر المستطاع لكي يتفاعل ويتعامل مع المعايير الاقتصادية. كيف يكون الأمن المائي والغذائي مفهومين سياسيين وليس اقتصاديين؟
آل الشيخ: سياسي لأنك تصبح الدافع نحو التركيز على أحد الأمنين المائي أو الغذائي هو دافع سياسي على المدى الطويل وليس دافعا اقتصاديا قد يكون لديك مثلا تكوينات مياه أصلا غير صالحة للشرب ومع ذلك أنت حرمت القطاع الزراعي من استخدامها, وقد يكون لديك مناطق أصلا لا يمكن أنك تصدر منها مياه إلى مناطق أخرى حضرية إلا بتكاليف قد توازي تكاليف تحلية المياه المالحة, معنى ذلك أنك حكمت بألا يوجد لديك أي حد أدنى من الأمن الغذائي وهذا في ظني خطأ, والأمثلة كثيرة مثل منطقة حائل والجوف وفيهما تكوينات مائية كبيرة وفي حائل تكوينات صالحة جدا للزراعة وربما تكون غير صالحة للاستخدامات الحضرية, الجوف تتوافر فيها مياه كثيرة جدا وصالحة للزراعة والاستخدام الحضري لكن عملية نقل المياه إلى المناطق الحضرية التي تحتاج إليها تكون مكلفة وربما توازي تكلفة تحلية المياه من مكان قريب وضخها لأماكن حاجتها القريبة, هناك تناقض في بعض السياسات يؤدي إلى إهدار المياه الجوفية أنت لم تحقق الأمن الغذائي بتقليصك لإنتاج القمح بل أنت هددت الأمن المائي وضحيت بالأمن الغذائي لأنك حولت المنتجين من إنتاج القمح لمدة أربعة أشهر على إنتاج البرسيم والرودس الذي يحتاج إلى مياه أكثر وطول العام, بينما في حالة القمح أنت تنتج قمحا وأيضا أعلافا, قد تضع شروطا في أن المناطق التي تستخدم لإنتاج القمح لا يزرع فيها أي أصناف أخرى, هناك سياسات مختلفة من الممكن استخدامها من قبل واضعي السياسات لتحقيق التناغم والتناسق بين الأمن الغذائي والمائي ولا ينبغي أن نضحي بأحدهما في سبيل الحصول على الآخر بل يجب أن نستخدم كل الأدوات الممكنة لتحقيق كليهما.
#4#
مداخلة الملاحي: نقاط أساسية أولا قرار تقليص زراعة القمح كما ذكر الدكتور آل الشيخ قرار سياسي ونص صراحة على القمح, اتخذ من خلاله تقليص ما تتسلمه الصوامع لمدة ثماني سنوات بحيث إنه سيتم إيقاف زراعته, لكن هذه الآلية لم توضح كيف سينتج عن هذا القرار توفير مياه, هذه قضية جوهرية في الحقيقة مع الأسف لم تذكر, بطريقة واضحة جدا إذا أوقف القمح هل سنوفر مياها؟ وهل ستوقف المحاصيل الأخرى؟ النقطة الجوهرية الأخرى التي ذكرت في هذه القضية وما نزال نحن العاملين في القطاع الزراعي وأنا أتكلم من واقع تجربة وممارسة حتى الآن لا توجد بيانات حقيقية عن المخزون المائي في المملكة يمكن الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات استراتيجية, إلى اليوم العاملون في القطاع الزراعي في المملكة والمزارعين هم أبناء الوطن الذين يهمهم الأمن المائي والأمن الغذائي على حد سواء لا يوجد بين أيديهم أي دراسات مائية معتمدة يمكن اتخاذ قرارات بناء عليها ويقال لهم إن الماء المخزون في الأرض المعينة هذا حجمه وسينضب في العام كذا إذا استخدم بالطريقة كذا, فلو وجدت هذه الدراسات لأمكن الموازنة بين الأمن المائي والغذائي, نقطة أخرى مهمة جدا مشروع حصاد الأمطار منطقة تهامة من الطائف حتى تصل إلى جازان مع العلم أن تربة تهامة خصبة ومناسبة لكثير من المحاصيل أيضا هذه قضية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي, هل هناك فعلا جدية حقيقية للوصول لحصاد أمثل للأمطار وهذه حتما ستوفر كمية لا بأس بها من الأمن الغذائي وبزراعة مستدامة. الالتفات إلى هذا الموضوع بصورة جدية حقيقة مهم جدا, كان لي اطلاع على موضوع زراعة بعض أصناف القمح على ما يسمى مياه البحر أنا لا أطالب بتكثيفها بحيث يزرع مباشرة على مياه البحر, نستطيع أن نقول إن هناك أصناف قمح متحملة للملوحة ليست بالضرورة أن تتحمل 35 ألف جزء من المليون درجة ملوحة مياه البحر, لكن هل هناك أصناف قمح تتحمل عشرة آلاف جزء من المليون؟ هل يمكن إنتاجها بوسائل العلم الحديثة مثل التحوير الوراثي أو غيره؟ لو حدث هذا سيكون مجديا اقتصاديا بشكل كبير حيث سيتم استثمار السهول الساحلية في تهامة في ظل أسعار القمح التي وصلت عالميا إلى 510 دولارات لطن القمح , تحقيق الأمن الغذائي من خلال موازنة حقيقية بين الأمن المائي والغذائي قضية جوهرية قدر ما يستنزف من مياه في ثماني سنوات مقبلة بتحويل المزارع من محصول إلى محصول شره للمياه قد يكون أضعافا مضاعفة لو جعلناه يزرع قمحا وحاولنا أن نقيد المحاصيل الأخرى باستيرادها من الخارج.
ما دور القطاعين العام والخاص لحل أزمة الأمن الغذائي؟
#5#
الحربي: هناك هيئات عالمية تهتم بالتنمية الزراعية في مختلف دول العالم, خاصة دول العالم الثالث تحديدا, مثل منظمة الأغذية الزراعة وغيرها من المنظمات الدولية هذه المنظمات بإمكانها تقديم الدعم "اللوجستي" للقطاع الزراعي من خلال توفير المعلومة وتوفير بعض الأدوات, القطاع الخاص طبعا قطاع ربحي في المقام الأول, لا يمكن أن نطالبه بأن يقوم بدور تنموي في أي مكان إذا ذهب للاستثمار يجب أن يحقق أرباحا, بالتالي تهيئة الظروف للقطاع الخاص بتحقيق أرباح في مناطق مختلفة من العالم قد يساعد على إعادة التوازن لعملية العرض في السلع عالميا, بالنسبة للمملكة القطاع العام يتمثل في الدولة ممثلا في وزارة الزراعة والبنك الزراعي هذه عليها أدوار كبيرة في مسألة توفير البنية التحتية ما زال أكثرها غائب خاصة فيما يتعلق بالدعم التقني, وتركز الدعم الزراعي في المملكة خلال الثلاثين سنة الماضية على توزيع أراض وعلى الدعم المادي من قبل البنك الزراعي, الدعم التقني لم يأخذ حقه خلال الطفرة الزراعية السابقة لذلك أصبحت المبادرات من القطاع الخاص ومن الشركات تحديدا, فهي التي تحملت جلب التقنية للقطاع الزراعي لذلك أصبح القطاع الخاص أكثر تقدما وبمراحل كبيرة عما يسمى القطاع العام ممثلا في وزارة الزراعة أو حتى في الجامعات, القطاع الخاص تخضع استثماراته للسياسات الزراعية إذا كانت السياسات الزراعية غير مشجعة فلن يقدم القطاع الخاص ما يفيد في مسألة الأمن الغذائي, القطاع الخاص استثمر خلال الثلاثين سنة الماضية ويفاجأ في بعض الأحيان بعدم ثبات هذه السياسات, ويعاني مستثمر القطاع الخاص عدم الرؤية وبالتالي القطاع العام عليه أن يوفر البنية التحتية للاستثمار وأيضا يوفر السياسات الملائمة التي تنمي هذا الاستثمار وتجذب مزيدا من الاستثمارات للقطاع الزراعي, ولكن وضوح السياسات خلال الفترة الماضية أدى إلى عزوف في بعض الأحيان عن الاستثمار خاصة في مجال السلع الاستراتيجية وهذا كله يخص الاستثمار الزراعي المحلي, بكل صراحة لا توجد لدينا خطة استراتيجية للزراعة إلى هذا الوقت, ماذا نريد بعد عشر سنوات الله أعلم عدم وضوح السياسة لا يوفر جوا آمنا للاستثمارات الزراعية, في السابق كان التوجه لدعم الإنتاج الزراعي من خلال توزيع الأراضي وتوفير الدعم للآليات الزراعية وغيرها وفجأة مع ظهور بعض الإشكاليات في بعض الأماكن بسبب أن القطاع الزراعي توسع أكثر مما يجب على حساب الموارد الطبيعية وهذا أدى إلى ردود أفعال عبارة عن سياسات كانت محبطة للقطاع الزراعي, من أهمها مسألة التباين في القمح من بدايته حتى سنة 2008عندما بدأ في تقليصه كان هناك تباين كبير ما بين دعم سخي جدا وتقليص, أحب أن أضيف نقطة لمسألة قضية أمن مائي وأمن غذائي هناك مصطلح زراعي وهو الزراعة المستدامة, في أي ظروف معينة في العالم بإمكانك أن تقيم نظام زراعي يكون مستداما من خلال أنه يكون متوازنا مع الظروف البيئية المتاحة لك, فكلما أصبحت لديك ظروف صعبة كنت في حاجة إلى إدخال مزيد من التقنية كي تتغلب على هذه الظروف, لا يمكن مهما كانت الظروف صعبة أن تقفل القطاع الزراعي نهائيا, توجد نظم زراعة مستدامة تحقق لك شيئا من الأمن الغذائي والأمن الغذائي الكامل هذا مستحيل وفي أي من بلدان العالم, الأمن الغذائي هو أن تحقق جزء من احتياجاتك الغذائية حسب الموارد الطبيعية المتوافرة, لكن لا يمكنك أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي نهائيا.
الملاحي: هناك إمكانية تناغم كبيرة بين القطاعين العام والخاص في موضوع استثمار الخبرات السعودية في الزراعة خارج المملكة, وبالتالي عملية تصدير المحاصيل الاستراتيجية للمملكة, لا شك أن دور القطاعين العام والخاص في مثل هذه القضية الجوهرية ودون أن يكون هناك ترابط وتعاون واضح بين القطاعين, قد يكون من الصعوبة للقطاع الخاص أن يغامر ويخرج من أجل تأمين أمن غذائي للمملكة من خارج الحدود إلى داخلها, كيف يتم ذلك؟ القطاع العام لديه قدرة على توفير البيئة المناسبة للمستثمر السعودي الذي أصبح لديه رصيد خبرة هائل, والدولة كانت سخية خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية في دفع المليارات لتطوير مفاهيم زراعية حديثة أصبح الآن مصيرها المستقبلي مجهولا, هل تترك هذه الخبرات تضمحل وتندثر أو أن تغادر خارج الحدود, وبالتالي تنمي الخبرات وتستصلح أراضي ومساحات يكون عائدها للبلد المستضيف في الدرجة الأولى, الخبرة وحدها غير كافية للاستثمار في الخارج, هناك عوامل أخرى خارج نطاق الخبرة, جانب الأمن الاقتصادي بالنسبة للمستثمر يبقى هاجسا كبيرا جدا وهذا الكلام من واقع تجربة وممارسة وليس تنظيرا, في ظني إلى حد ما الآن جهود لوضع القطاع الخاص في موضع القادر على الاستثمار خارج المملكة وتصدير بعض المنتجات التي تحقق جزءا من الأمن الغذائي للمملكة في بيئة اقتصادية مناسبة للمستثمر, أما سعي القطاع الخاص وحده هو الذي يحقق الأمن الغذائي بمعزل عن القطاع العام ولا يكون القطاع العام سندا له في هذه القضية الجوهرية فيها الكثير جدا من الصعوبة عليه, قد يخرج أحد من القطاع الخاص ويستثمر خارج المملكة, لكن من الصعب أن يصدر ما ينتج إلى المملكة قد تجد منتجين منهم من ذهب إلى الأرجنتين أو السودان أو أستراليا أو أوكرانيا أو غيرها من الدول, لكن في الغالب إذا أنتج سيبيع في البلد نفسه, هنا نفقد القيمة الأساسية من الخبرة المتراكمة والتي قيمتها تفوق خمسين مليارا وخرجت خارج البلد وأنتجت منتجا لن تصدره للمملكة, القطاع الخاص يبحث عن ربحه, يملك رصيد خبرة ورأس مال موجودا لديه, ويخرج إلى دولة ما ينتج بقدرة إنتاجية تفوق المزارع المحلي في ذلك البلد, وبالتالي يبيع في السوق المحلية بأرباح جيدة وليس لديه رغبة بإشكاليات التصدير للمملكة, بالتالي لابد أن يكون هناك تكامل بين القطاعين, بحيث ينشأ أمان للبيئة الاستثمارية والدولة تستفيد ففي مقابل الأمان الذي توفره للمستثمر تأتي السلع إلى المملكة وبأسعار مناسبة.
هل تقترحون أن يزرع لحساب الدولة خارج المملكة من شركات الاستثمار الزراعي والمستثمرين الزراعيين؟
الملاحي: الموضوع له أكثر من جانب اقتصادي وقانوني, في الجانب الاقتصادي المزارع عادة إذا وجد الشريك الذي يضمن له جزءا من استثماراته كشراكة ولها أكثر من مفهوم, إضافة إلى أن الدولة يمكن لها أن تمول العملية الإنتاجية بمبدأ شراكة مقابل سلعة, فالمزارع يجد أنه أمام التزامات معينة لابد أن يفي بها للسنة التي تليها وسينظر على المدى البعيد أن هذا عقد طويل الأجل وبالتالي السيولة ستتدفق سنويا ولو حصل أي تعثر لا قدر الله حول ظروف جوية أو حروب في تلك البلد فهناك شريك ضامن وهو الدولة, بالتالي تضمن الدولة وصول السلعة إلى المملكة والمستثمر ضمن أنه لم يضع كل رأس ماله في الخارج, لو يخرج أي مستثمر ويطلب من أي بنك في العالم على أنه يزرع في بلد معين في الغالب لن يحصل على القرض ولو حصل على القرض سيكون مقابل ضمانات مرهقة ولو حصل على قرض سيكون وفق مرابحة مرتفعة جدا ويكون بالتالي غير مجد, فتوفير السيولة من قبل القطاع العام الممثل في الدولة مع توفير بنية تحتية, بعض المناطق مناسبة كتربة ومياه ولكن ينقصها البنية التحتية, لا توجد طرق مناسبة لا توجد مدخلات زراعية لا توجد كهرباء, الدولة تدخل في توفير هذه الأشياء ضمن اتفاقات معينة مع الدول ذاتها, تبقى نقطة مهمة جدا الجانب القانوني يجب الدولة أو القطاع العام هو الذي تغطيه بوضوح بحيث تضمن مع الدولة الأخرى أنها تستطيع تصدير المنتجات حتى وفق ظروف معينة في تلك البلد, إضافة إلى الظروف القانونية بين الدولة والمواطن السعودي المستثمر في تلك البلد.
#2#
العبيد: أزمة الغذاء الحالية قاسية على الكثير من الشعوب والحكومات, ولذلك لم تقف القطاعات العامة ولا الخاصة مكتوفة الأيدي تجاه هذه الأزمة فهناك أدوار محددة لكلا القطاعين العام والخاص, القطاع الخاص هو المحرك الأساس في الاستثمارات الزراعية, لكن القطاع العام هو القطاع المعني أيضا بالتنمية الزراعية وضمان زيادة الإنتاج الزراعي في الكثير من الدول, لذلك القطاع الزراعي هو القطاع الوحيد الذي يحظى بوسائل الدعم في جميع دول العالم, ولن تتخلى هذه الدول عن القطاع الزراعي بل على العكس في ظل هذه الأزمة أعادت كثير من الدول حساباتها تجاه القطاع الزراعي, يجب أن يكون فعلا هناك تدخل أكثر لتنمية القطاع الزراعي, المستلزمات الرئيسة للتنمية الزراعية في الدول لا يقوم بها إلا القطاع العام, لا يستطيع القطاع الخاص الاستثمار في بناء السدود أو في بناء الطرق أو المخازن أو قنوات الري والصرف, هذه لا يقوم بها إلا القطاع العام, لن تستطيع أن تقوم تنمية زراعية في أمريكا أو أوروبا بدون دعم بأي وسيلة كانت, وحتى الآن الضغوط الحالية على هذه الدول لتخفيف جوهري في الإعانات المشوهة للتجارة, ستتحول الإعانات إلى صورة غير مباشرة, 100 في المائة سوف تتحول, وهذه الولايات المتحدة الآن بدأت تتحول, والقطاع الخاص هو القطاع المحرك وهو المستثمر الحقيقي في كثير من هذه الدول, أنا أعتقد أن القطاع الخاص يعرف طريقه في كيفية التعامل مع مثل هذه الأزمة, لأنه ينشأ عنها زيادة في مدى الربح, لكن على القطاع الخاص في المقابل أهمية التعامل في ظل ظروف هذه الأزمة, أزمة ارتفاع مدخلات الإنتاج أو قلتها أو مشابه ذلك بأهمية رفع كفاءة الإنتاج وزيادة المواصفات والمقاييس لأن التحول الاستهلاكي للسلع المصنعة والسلع مسبقة الإعداد والسلع ذات المحتوى الغذائي الغني مثل الفواكه والألبان واللحوم والأسماك, من أسباب أزمة الغذاء الرئيسية, كل هذا يدعو القطاع الخاص لإنتاج مثل هذه المنتجات, وبالتالي هناك سلسلة طويلة جدا من الفرص الجيدة للقطاع الخاص للاستثمار فيها, المملكة ليست نشاز, هي أيضا إحدى الدول التي تتعامل مع القطاع الزراعي والتدخل في القطاع الزراعي تدخل ليس جديدا بل هو قديم قدم هذه الدولة, المؤسس ـ رحمه الله ـ أول ما بدأ في بناء الهجر لتوطين أهل البادية في مناطق حضرية للعمل في أنشطة اقتصادية مستقرة ومن بينها الزراعة, وفعلا القطاع الزراعي خلال الـ 30 سنة الماضية استنادا إلى التدخل الحكومي لتنميته وهذا ليس نشازا, كل الدول تقدم تدخلا لتنمية القطاع الزراعي, القطاع الزراعي السعودي استجاب استجابة جيدة, المملكة معروف عنها أنها دولة صحراوية لا أحد يستطيع أن يتصور تلك المرحلة التي وصل إليها القطاع الزراعي في وقتنا الحاضر, القطاع الزراعي نما بمعدلات إيجابية خلال كل خطط التنمية السابقة, استطاع أن يحقق الكثير من أهداف التنمية الاقتصادية في المملكة المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي المساهمة في توفير فرص وظيفية, القطاع الزراعي أكبر قطاع موظف للسعودة 48 في المائة ممن يعملون في هذا القطاع هم سعوديون, كثيرون قد يجهلون هذه المعلومة, أكبر قطاع ساعد على عملية توطين أبناء البادية, لم يتوطنوا إلا من خلال القطاع الزراعي, والحد من الهجرة المستمرة من القرى والأرياف والمناطق الزراعية إلى المدن والمناطق الحضرية, القطاع الزراعي حافظ على الدخول الحقيقية للمواطنين والمقيمين يكفي هذا الدور فقط للقطاع الزراعي, أنه خلال الثلاثين سنة الماضية كان قادرا على إنتاج الكثير من السلع بأسعار مستقرة غير متزايدة, وهذه من نعم الله على هذا الوطن هذا القطاع كان قادر على تمويل المجتمع بسلع زراعية وأصبحنا نرى قطاعات وأنشطة زراعية رائعة وجيدة وواجهة حقيقية وحضارية لوطننا, قطاع الألبان والدواجن والبيوت المحمية, أصبحنا نرى أنواعا من الخضراوات والفاكهة لم تكن معروفة في زمن الآباء والأجداد, المملكة تنتج الآن بطاطس بكميات كافية للاكتفاء الذاتي ونوعيات جيدة جدا, من خلال برنامج دفعت عليه الدولة أكثر من 100 مليون ريال, كان هناك اتفاقية بين الحكومتين السعودية والهولندية لتطوير زراعة البطاطس, أجدادنا لم يعرفوا هذا المنتج, أصبحنا الآن نرى منتجا سعوديا مأمونا من البطاطس المحلية في أسواقنا, القطاع الزراعي ثاني أكبر قطاع زراعي في العالم العربي, من يصدق أن المملكة ثاني أكبر قطاع زراعي في العالم العربي من حيث القيمة الإجمالية, أكثر من 40 مليار ريال سنويا, الحقيقة لدينا قضايا رئيسية قضية محدودية المياه, وأهمية المحافظة على الأمن المائي لكن يجب ألا نشطح وألا نقول إن القطاع الزراعي غير رشيد, وأنه لا يتعامل مع مياه الري بترشيد لأن أصلا زيادة استخدام المياه معنى ذلك زيادة التكاليف, المزارع السعودي اكتسب خبرة عالية وهو أيضا مواطن صالح ولا يتعامل مع مورد المياه كمورد مجاني وممكن أن يهدره بشكل كبير جدا, لأن 80 في المائة من المزارع السعودية مغطاة بوسائل الري الحديثة, وهذه من المؤشرات الجيدة, كل السياسات الحالية الآن من فضل الله عز وجل تصب في هذا التوجه, وقضية المحافظة على المورد المائي بالغة الأهمية, ولكن يجب ألا نشطح في قضية التركيز على الأمن المائي ونلغي الأمن الغذائي, هذا سيسبب للمملكة حرجا كبيرا جدا إذا اعتمدت الدول على الاستيراد لتغطية كافة احتياجاتها, وسترتفع الأسعار بشكل كبير جدا بالنسبة للمملكة, وتتأثر طبقة تحرص الدولة على أهمية استقرارها ونموها وزيادة دخلها. أنا حقيقة أتعجب عندما يثار تساؤل أن ليس لدينا استراتيجية زراعية واضحة, السؤال الذي يثار في كل مجلس, أنا أعرف أن الاستراتيجية عبارة عن إجراءات أنظمة سياسات وفي النهاية أقيمها من خلال المخرجات, على عكس ما عملته وزارة الزراعة والجهات ذات العلاقة أنا أعتقد أنه كان سياسة وكان استراتيجية واضحة للقطاع الزراعي, لكن استراتيجية تثبت لمدة عشرين أو ثلاثين سنة مستحيل. غالبا السياسات في القطاع الزراعي سياسات قصيرة المدى, كل ما أدت إلى تحقيق هدف تنتقل إلى سياسة أخرى وفي النهاية ما يهم هي المخرجات, ماذا حصل في النهاية رأينا قطاعا زراعيا ناميا جيدا محققا لأهداف التنمية في المملكة بشكل جيد, المملكة نالت جوائز عالمية وكثيرون لا يعرفون أنه في عام 1997حصلت على جائزة "الأجريفونا" وهذه الجائزة أتت من منظمة الأغذية و الزراعة العالمية الفاو أكبر منظمة معنية بالتنمية الزراعة في العالم, وهذا يدل على ماذا؟ يدل على الاكتفاء الذاتي في محصول استراتيجي وأيضا على الدور المهم في التنمية الزراعية للمملكة, هذه السياسات يجب أن تراعى وتكيف مع الموارد الجديدة ويجب أن يكون هناك اتزان, وأن تكون هناك عقلانية في كيفية التعامل مع هذا القطاع, لا يوجد شك كلنا نؤيد هذا التوجه, ولذلك الإجراءات الأخيرة التي صدرت بالعكس نحن نرحب بها في وزارة الزراعة.
هل للقطاع الخاص الزراعي في هذا رأي آخر؟
العبيد: كل له رأي, الرأي أنها لم تؤتي ثمارها لأنها يجب أن تكملها سياسات أخرى, ليست القضية التحول عن زراعة القمح, أين البديل؟ هل لديك قدرة على متابعة البديل؟ أنت حجمت هذا الإنتاج لأنك تستطيع أن تتدخل فيه تسويقيا لكن المنتجات الأخرى يجب أن تكون هناك نظرة شاملة لكيفية تحقيق التنمية المستدامة في القطاع الزراعي الذي تضمن بقاء هذا القطاع بحجم محدود.
هل برامج وسياسات وزارة الزراعة الآن ضمن نطاق الزراعة المستدامة؟
العبيد: نعم نحن الآن نحرص على تشجيع المزارع الصغير, نحرص على تشجيع قطاعات محددة لا تتعارض أبدا مع الموارد المتاحة, مثلا الزراعة في البيوت المحمية نحن نرخص لها بسرعة ونشجع عليها ونشجع التحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة ذات الاستخدام المائي المرشد, لا نعطي ترخيصا إلا بشرط استخدام وسائل الري الحديثة والمرشدة للمياه, زراعة نخيل, خضراوات وفاكهة, الزراعة يجب أن تبقى, ليس هناك مجتمع لا يعتمد على الزراعة, الذي ينظر للمجتمع السعودي على أنه ليس مجتمعا زراعيا مؤكد أنه واهم, لأن في الأصل المجتمع السعودي كان مجتمعا زراعيا في الماضي قبل اكتشاف البترول, كان آباؤنا وأجدادنا يعتمدون على الزراعة والرعي وعلى صيد اللؤلؤ وصيد السمك وهذا كله هو قطاع زراعي, القطاع الزراعي قطاع مهم ولا توجد دولة في العالم تغفل دور القطاع الزراعي, بالعكس القطاع الزراعي واجهة مشرفة, ولكن لا بأس يجب أن تكون هناك مراجعة وتقييم للوضع الحالي في كيفية تحقيق الأمنين الغذائي والمائي بطريقة صحيحة وسليمة, القطاع الزراعي في كل العالم هو أكبر قطاع مستهلك للمياه وليس في المملكة وحسب, يهمنا أن نرى دراسات واضحة تبين حجم المخزون المائي في كل منطقة وأعتقد أن لدينا مناطق مجهدة مائيا وهناك مناطق غير مجهدة مائيا, قد تكون المياه في بعض المناطق تتجه إلى مناطق أخرى لا يستفاد منها ولكن بعض الجهات قصرت في إعطاء مثل هذه المعلومات, وزارة الزراعة والمياه سابقا ووزارة المياه حاليا قصرتا في إعطاء المعلومات والدراسات المائية, لا أريد التفريط في التفاؤل حيث لدينا كميات مياه كبيرة جدا تعادل تصريف نهر النيل 500 عام ولا أريد من يعطي نظرة سوداوية أنني بعد سنة أو سنتين لن أجد قطرة ماء أشربها, هذا القول غير معقول يجب أن يكون هناك توازن بين النظرتين, يجب أن يكون هناك أمن غذائي وأمن مائي وليس مستحيل تحقيق الاثنين معا, صحيح أن بعض السياسات وبعض الزراعات مكلفة ذات استهلاك مائي كبير جدا فعلا يجب أن يقلل منها لكن في المقابل هناك زراعات يجب أن تشجع الآن المبادرة الجميلة التي أطلقها الملك عبد الله مبادرة الاستثمار الزراعي في الخارج هي مبادرة رائعة تحقق هذا الهدف, استراتيجية مبادرة دعم مدخلات الأعلاف وتشجيع الاستثمار فيها, تهدف مبادرة الملك عبد الله إلى تأمين احتياجات المملكة من السلع الرئيسة وفيما يؤدي إلى زيادة الإنتاج العالمي من هذه السلع ولذلك في هذه المبادرة نظرة إنسانية تؤكد أن هذه المملكة مملكة الإنسانية وأن الملك عبد الله ـ حفظه الله ـ يرى أهمية هذه المبادرة لأنها تزيد الإنتاج العالمي ولذلك المملكة ستقبل في ظل تشجيع هذه الاستثمارات أن يكون هناك جزء من الإنتاج للسوق المحلي في دولة الاستثمار وجزء من الإنتاج يصدر للمملكة, وفق اتفاقيات إطارية معينة وعقود امتياز تحقق مصالح الطرفين مع بعضهما.
#6#
الشهري: وزارة الزراعة لا تمثل القطاع العام وحدها بل هناك وزارة التجارة والزراعة والمالية والمياه والتخطيط, هناك سلع أساسية مستوردة ونعتمد في استهلاكنا على تلك السلع المستوردة مثل الأرز الذي هو من أهم هذه السلع, نترك عملية الزراعة الداخلية لحظة وننظر إلى ماذا عملت الوزارات الأخرى أو القطاع العام في هذا الأمر, كان هناك توجه لدعم السلع المستوردة, لا يوجد في القطاع العام شيء اسمه إدارة المخزون الاستراتيجي كإدارة مع الضرورة البالغة لهذا الأمر, لأنك تجلب كل السلع الأساسية للاستهلاك وتبقى لديك كمخزون استراتيجي وإدارتها هنا مهمة جدا, القطاع العام هو تشريعي وداعم لأي نشاط من نشاطات القطاع الخاص سواء في المملكة أو غيرها من الدول, والسياسات تتغير من فترة إلى أخرى هذا شيء مؤكد, مشكلة القطاع الزراعي السعودي اعتماده بشكل كامل على القطاع العام أو من الدولة, القطاع الخاص هو ربحي تقني إنتاجي هو الذي يقوم بتطوير عملية الإنتاج, في الداخل فأصبح لدينا ملامح واضحة لعملية زراعة المحاصيل الرئيسة كالقمح الآن بدأت العملية تخرج من يد القطاع الخاص, سلعة مهمة واستراتيجية كالألبان كم منتج لدينا في قطاع الألبان؟ هل نوجه استهلاك المواطن إلى حليب البودرة المستورد الذي ارتفع لأرقام كبيرة جدا, أهم نقطة في دائرة إنتاج الألبان هي الأعلاف, هل سأصل إلى الاكتفاء الذاتي بزراعة الأعلاف لمشاريع الألبان في المملكة؟ إذا كان هذا سيصبح هدفا لدينا فنحن استنزفنا المياه بشكل كبير جدا ومعاكسا للقرار الذي يهدف للمحافظة على المياه.