لمحة تاريخية عن التكتلات في مجال الاتصالات في فنلندا
تقرير دولي:لا يوجد تفسير وحيد لقصة نجاح شركة نوكيا وتكتلات قطاع الاتصالات الفنلندية، إلا أن تفاعل العوامل التكنولوجية والاقتصادية أسهم في نشأة قطاع التكنولوجيا وتنميته.
وعلى الرغم من الدور البارز الذي لعبته مؤخرا صناعة معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية في التحولات الاقتصادية في فنلندا, فقد كشف التاريخ عن الشيء الذي مهد الطريق إلى مرحلة تطور القطاع, وقد كانت عمليات الشبكة – وليست صناعة المعدات.
إن أهم العوامل التي كانت وراء النجاح هي الهيكل الصناعي اللامركزي والانطلاقة الأولى لعمليات الاتصالات، وكان هيكل السوق المجزأ في الأساس أحد التبعات السياسية لذلك، وفي الثمانينيات من القرن الماضي عندما أدخلت أولى الكابلات إلى فنلندا, أصبحت فنلندا دولة مستقلة عن روسيا، حيث منح مجلس الشيوخ الفنلندي تراخيص تشغيل للعديد من الهواتف, حتى يصعب استيلاء قيصر روسيا الخفي على الخدمات الهاتفية المحلية.
وقد تم إنشاء أولى الشركات في أواخر السبعينيات من القرن التاسع عشر, وأغلبها كان قد تم إنشاؤها من المعدات المحلية. وزاد عدد المشغلات المستقلة الخاصة على مدى القرن العشرين. وقد تم تنفيذ التحركات لجعل الشبكة محلية ومتجانسة وذلك لتعزيز التفاعل والتقدم التقني، إلا أن القطاع كان لا يزال لا مركزيا. وقد رفض البرلمان مقترحات التأميم رفضا قاطعا، ووصلت أعداد المشغلات إلى أوجها حيث بلغت نحو 800 في الثلاثينيات من القرن الماضي. وانخفضت إلى 50 في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
وكانت الأعداد الكبيرة للمشغلات تعني أن المعدات تتنافس منافسة دائمة مع بعضها بعضا، وشكلت الأجهزة الطرفية المختلفة تحديا إزاء ترابط التبادلات وأتمتتها، وخلافا لمعظم الدول الأخرى, فإن منتجي المعدات المحلية لم تتم حمايتهم من المنافسة الأجنبية، إن المنافسة الحقيقية بين المشغلين بدأت في منتصف الثمانينيات عندما فتحت المنافسة على العمليات بعيدة المدى، وفي عام 1994 توافرت المكالمات المحلية والخارجية, كما هو الحال أيضا في الاتصالات السلكية واللاسلكية الدولية التي بدأت المنافسة الكاملة عالميا.
وفي يومنا هذا ونتيجة لعمليات الاندماج والشراء انخفض عدد المشغلين بشكل كبير, كما أن نوكيا على سبيل المثال وغيرها من موردي المعدات هم في تنافس على الصعيد العالمي, ويرجع ذلك جزئيا للسوق الحرة للمعدات والعملاء المطالبين والمتقدمين في قطاع المشغلين، كما أن السياسات التعليمية والتكنولوجية والصناعية لعبت دورا أيضا, وقد تغيرت السياسات الصناعية تغيرا كبيرا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث جرى التأكيد على أهمية دور سياسات الابتكار إلى جانب الحاجة لتحديد أولويات وطنية في تخصيص الموارد النادرة في مجال البحث والتطوير.
وفي الوقت ذاته تم التأكيد على أن السوق يجب أن تختار الفائزين في سوق المنتجات, ووطنيا ينظر إلى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على أنها مستقرة، لتصبح بعد هذه المبادئ التوجيهية العامة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية مجالات ذات أولوية للوكالة الوطنية للتكنولوجيا (تيكيس), وكما تلقت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اهتماما خاصا من قبل التعليم العالي.
نوكيا - شركة كبيرة في دولة صغيرة
وتعد مجموعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي كونتها شركات قطاع المعلومات والاتصالات من أسرع المجموعات نموا في مجال التنمية المعرفية في فنلندا، وتضم هذه المجموعة شبكة من مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، إضافة إلى قطاع العمل والخدمات السريع النمو، وترجع جذور شركة نوكيا إلى عام 1865 وإلى نشأة عمليات صناعة الغابة في جنوب غربي فنلندا على يد مهندس التعدين فريدريك ايدستام، تولت الشركة إدارة مصنع خشب على نهر نوكيا الذي عليه سميت الشركة، وتأسست شركة مصنع المطاط الفنلندي المحدودة عام 1898وفي عام 1912 بدأ تشغيل مصنع فنلندا للكابل المحدودة وتدريجيا انتقلت ملكية هاتين الشركتين ونوكيا إلى أيدي ملاك قليلين.
وأخيرا في عام 1970 اتحدت هذه الشركات الثلاث لتكون مؤسسة نوكيا متعددة الفروع حتى أوائل 1990 وفي 1970ما زالت وحدة الإلكترونيات إلى حد ما صغيرة وكانت خطوط الإنتاج الأساسية هي الكابلات والمطاط والورق. وفي بداية1980بدأت نوكيا بتقوية مركزها في سوق الإلكترونيات الاستهلاكية وسوق الاتصالات السلكية واللاسلكية، وذلك عن طريق ضم العديد من شركات الإلكترونيات الأوروبية.
ونظرا لحصولها على هذه الشركات وخلفيتها التاريخية حصلت نوكيا على ما لا يقل عن 11 خطا تجاريا خلال عامي 1988و 1986 وفي أواخر1980مرت نوكيا بمرحلة تحول شامل فباعت وحصلت على عدة مجموعات تجارية في غضون سنوات قليلة فقط وتحولت من مجموعة متعددة الأفرع إلى شركة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقاد فتره التجريد والتملك فريق إداري شاب تحت إدارة رئيس الشركة التنفيذي جورما اويلا، وتحت إدارته تطورت نوكيا لتصبح من أكبر المؤسسات الفنلندية والرائدة في الاتصالات المتنقلة حول العالم، وتبلغ حصة شركة نوكيا للهواتف الخلوية في الأسواق العالمية نحو 30 في المائة, وهو أكثر بكثير من حصص منافستيها الرئيستين موتوريلا وإركسون، وقد تطورت نوكيا لتصبح شركة عملاقة متعددة الجنسيات في دولة صغيره، ولا يستهان بمساهمتها في الاقتصاد الفنلندي، حيث إن صادرات نوكيا فقط أكبر من إجمالي صادرات صناعة الورق, وهو القطاع الذي كان فيما مضى مسيطرا على الاقتصاد الفنلندي ولا شك أن نوكيا هي اللاعب الأكبر في مجموعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ولكنها ليست وحدها في ذلك, ويوجد نحو 3000 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في المجموعة ونحو 300 منهم موردون مباشرون من الدرجة الأولى لنوكيا التي تعرف بمجموعة نوكيا.
ويمكن إيجاز مساهمة شركة نوكيا للاقتصاد الفنلندي على النحو التالي: بلغت مساهمة نوكيا في الناتج المحلي الإجمالي نحو 4 في المائة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.5 في المائة، وقطاع الأعمال في مجال الأبحاث والتطوير نحو 35 في المائة، وفي الصادرات نحو 25 في المائة، إجمالي التوظيف 1 في المائة، والوظائف التصنيعية 5 في المائة.