"المعرفة" تنشر مقترحا لحل معضلة المستويات .. والمعلمون : هل يمثل وجهة نظر الوزارة ؟
"المعرفة" تنشر مقترحا لحل معضلة المستويات .. والمعلمون : هل يمثل وجهة نظر الوزارة ؟
قدمت ورقة نشرتها مجلة "المعرفة" الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، عددا من المقترحات لحل قضية المعلمين مع وزارتهم، المتمثلة في إعطاء المعلمين المستوى المستحق (الخامس)، واحتساب الفروقات عن السنوات الماضية بأثر رجعي، وهو ما يعترض عليه المعلمون، حيث يرون ضرورة ربط الدرجات الوظيفية بعدد سنوات الخدمة وتعويضهم عن السنوات الماضية بأثر رجعي.
ويعتقد بعض المعلمين أن المقترح يمثل وجهة نظر الوزارة لحل القضية، بدليل نشره في مجلتها الرسمية.
صفحة "معلمون ومعلمات" تعرض الورقة في عدد اليوم، على أن تستعرض آراء المعلمين والمختصين حولها الأسبوع المقبل .. إلى التفاصيل:
أكثر الناس تفاؤلاً يحكم بأن العلاقة بين وزارة التربية والتعليم وبين معلميها الوطنيين تمر هذه السنوات بأدنى مستوياتها، فرغم أنه لا تتوافر دراسات علمية كافية لمستويات الرضا الوظيفي لدى المعلمين. إلا أنه ثمة مرافعات قضائية، لا تدل على رضا وظيفي، تبذلها مجموعة من المعلمين في مقاضاة الوزارة والوزارات الأخرى ذات العلاقة بأوضاع المعلمين المادية تحديداً. والقضية موضع الخصومة هي قضية تعيين أجيال من المعلمين على مستويات وظيفية أدنى من المستويات الوظيفية المستحقة طوال عقد مضى من السنوات؛ وربما كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ التعليم النظامي في المملكة التي تصل فيها قضايا المعلمين والوزارة إلى عتبات القضاء الإداري.
رضا المعلمين والحوافز
عندما يقرر الفرد (المعلم)، بدافع حاجته إلى المال، العمل في مهنة معينة (التعليم) في منظمة محددة (وزارة التربية والتعليم) فهو بحاجة إلى حوافز تضمن رضاه عن العمل الذي يمارسه، وبالتالي ولاءه وسلوكه للمواطنة التنظيمية وصولاً للأداء العالي والفعالية التنظيمية (تحقيق الأهداف والغايات التربوية).
وهناك حوافز تقوم على إيجاد التنافس بين الأفراد العاملين، إلا أن أهم أنواع الحوافز هي تلك الحوافز المادية المتمثلة في جزالة العائد المالي من العمل (المرتب)، والترقيات، والمكافآت، والبدلات، والعلاوات، وتحسين ظروف العمل.. إلخ، وقد تواترت الدراسات الميدانية في الحقل الإداري مؤكدة وجود العلاقة السببية سلباً وإيجاباً بين الحوافز – ولا سيما الحوافز المادية – وبين الرضا الوظيفي للأفراد العاملين في منظمة ما.
أصل القضية
في تقدير الكثيرين أن استهداف هذا النوع من العدالة الاقتصادية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة وانخفاض لأسعار النفط خلال العقد الماضي من السنوات، هو ما حدا بوزارة التربية والتعليم، والجهات ذات العلاقة، أن تقوم بتعيين أجيال من المعلمين في مستويات وظيفية دون المستويات الوظيفية المستحقة لهم، الأمر الذي أدى إلى إخلال بالعدالة التنظيمية بين تلك الأجيال من المعلمين وبين الأجيال التي سبقتها بسنوات قليلة. وربما كان مبرر الوزارة في هذا الشأن أنه من غير المعقول – من ناحية اقتصادية – الميل إلى النفقات الجارية (كالمرتبات) على حساب النفقات الثابتة (كالمباني والتجهيزات والمناهج..)، رغم أن النفقات الجارية (المرتبات) كانت ومازالت تستهلك ما يزيد على 85 في المائة من مخصصات التعليم.
#2#
من المحتمل أن وزارة التربية والتعليم ووزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية والجهات ذات العلاقة، في تلك السنوات، كانت في مواجهة عدة بدائل: توظيف معلمين وطنيين بمرتبات عالية أو متعاقدين بمرتبات أدنى، وكان القرار المتوقع والمفترض هو تعيين المعلمين الوطنيين. وكانت هناك موازنة بين تعيين معلمين بالعدد الكافي وبين تعيين معلمين بعدد أقل مع إرهاق المعلمين بحصص وأعمال إضافية، وكان القرار بتوظيف معلمين بالعدد الكافي، ليكون الحل الوحيد هو تعيين المعلمين على مستويات وظيفية أدنى من المستحقة، وهو الخيار الذي قبله خريجو كليات المعلمين والتربية المتقدين للعمل في سلك التعليم، إذ إن الخيار الثاني أمامهم ليس سوى البطالة أو العمل في التعليم الأهلي، وهذا الأخير لم تنضج تجربته محلياً خصوصاً فيما يتعلق بالعوائد والحوافز المادية للمعلمين. والحقيقة أنه لم تظهر خلال هذه الفترة دراسات تربوية – وفي حقل الإدارة التربوية تحديداً – حول العلاقة المحتملة بدرجة كبيرة بين هذا الوضع الوظيفي الاستثنائي وبين مستوى الرضا الوظيفي لدى المعلمين أصحاب القضية.
استجابة ملكية كريمة
في الوقت الذي لم يفصل فيه القضاء الإداري السعودي في هذه القضية – حتى الآن – يصدر توجيه ملكي سام، يستقبله المعلمون أصحاب القضية برضا وارتياح كبير، ويقضي التوجيه الملكي بتكوين لجنة وزارية رفيعة المستوى لدراسة وضع المعلمين والمعلمات المعنيين على مستويات أقل من المستويات التي يستحقونها من جميع الجوانب، واقتراح أفضل السبل لمعالجة هذا الوضع.
من جهتها أوضحت وزارة التربية والتعليم أن عدد المعلمين والمعلمات المعنيين بهذا التوجيه يتجاوز 180 ألف معلم ومعلمة من إجمالي المعلمين والمعلمات الذين يبلغ عددهم 450 ألفاً.
من المحتمل أن أمام اللجنة المشكلة لدراسة هذا الوضع الاستثنائي عدة بدائل، وأنها تسعى إلى قرار رشيد باتخاذ البديل الذي يستجلب الرضا الوظيفي للمعلمين أصحاب القضية ويستجلب العدالة التنظيمية بين السابقين واللاحقين من المعلمين في الأجور والحوافز، وفي الوقت نفسه لا يحظى ذلك القرار بالعدالة الاقتصادية في تمويل التعليم ولا يرهق مخصصات التعليم بالنفقات الجارية بصورة ارتفاع مفاجئ وكبير في المرتبات وصرف مبالغ ضخمة أخرى بصورة تعويضات وأثر رجعي، وهي معادلة صعبة نوعاً ما وتحتاج في حلها إلى تبرير أي بديل مطروح، وفي هذا الشأن يمكن اقتراح البديل التالي:
حالة افتراضية
لتوضيح وتبيسط البديل المطروح أعلاه سندرس حالة افتراضية للمقارنة بين اثنين من المعلمين، عمر كل منهما سنة التعيين 25 عاماً، وكلاهما يحمل درجة البكالوريوس والإعداد التربوي، أي أنهما مستحقين للمستوى الخامس، أولهما تم تعيينه عام 1413هـ، على مستوى أدنى (الثالث)، وذلك باعتبار أن الزيادة الملكية لموظفي الدولة عام 1426هـ بمقدار 15 في المائة موجودة مسبقاً. والمقارنة يوضحها الجدول المنشور:
وبقراءة الجدول يتضح أن هناك عدة نقاط ترجح كفة المعلم الثاني المعين عام 1419هـ على المستوى الثالث، والذي ستتم ترقيته إلى المستوى الخامس بداية عام 1430هـ في مقابل المعلم الذي تم تعيينه أساساً على المستوى الخامس منذ عام 1413هـ، وإن كانت الفائدة تأتي على المدى الطويل لسنوات الخدمة المقبلة، لكنها في الوقت نفسه ذات تأثير طفيف وتدريجي على المخصصات المالية لوزارة التربية والتعليم، خصوصاً أن السنوات الحالية تشهد تركيزاً على تطوير العملية التعليمية من جوانبها كافة خصوصاً ما يعلق بالبنية التحتية للتعليم وأصوله الرأسمالية الثابتة من مبان وتجهيزات وغيرها.
الأثر الرجعي
من ضمن تفصيلات القضية القائمة بين المعلمين أصحاب القضية والجهات ذات العلاقة بأوضاعهم المادية لدى القضاء الإداري، مسألة مطالبة المعلمين بأثر رجعي على هيئة مبالغ مالية تصرف لهم مرة واحدة مساوية للنقص المالي الذي لحق بهم خلال العقد الماضي. لكن ذلك يعني وفق هذا التصور تعيينهم على الدرجة نفسها من المستوى الخامس، الأمر الذي يخالف نظام الخدمة المدنية في الترقيات، كما سيؤدي إلى نقص العلاوات السنوية المقبلة أمامهم، يضاف إلى ذلك ضخامة المبالغ اللازمة لمثل هذا الأثر الرجعي على هذه الهيئة، والتي يمكن استثمارها في الصرف على الجوانب المكملة والمهمة للعملية التعليمية.
لكن الأثر الرجعي قد يكون مشروعا للمعلمين أصحاب القضية في مجال مقارنتهم بمن سبقهم بالتعيين وبمن سيتم تعيينهم فيما بعد عام 1430هـ من المعلمين الجدد (دعوة إلى افتراضات الحالة الافتراضية السابقة)، وهنا يكون جديراً بالترقية المقترحة في هذه الورقة أن تكون مسنودة بأثر رجعي للفرق في العلاوات السنوية السابقة لسنة الترقية الافتراضية (1430هـ)
فعلى سبيل المثال ووفقاً للحالة الافتراضية السابقة يمكن حساب الأثر الرجعي في العلاوات السنوية السابقة كالتالي:
(علاوة المستوى الخامس – علاوة المستوى الثالث) × عدد شهور السنة + سنوات البقاء في مستوى وظيفي أدنى = (440 – 375 ريالاً) × 12 شهرا × 10 سنوات = 7800 ريال لكل معلم ومعلمة.
وعندما نقوم بضرب هذا الأثر الرجعي للعلاوات السنوية السابقة بالعدد الكلي للمعلمين والمعلمات أصحاب القضية، الذين يقدر عددهم حالياً بنحو 180 ألف معلم ومعلمة، نجد أن المبلغ المطلوب للأثر الرجعي المحقق للعدالة التنظيمية بين المعلمين أصحاب القضية ومن سيتم تعيينه مستقبلاً على المستوى الخامس هو التالي:
عدد المعلمين والمعلمات أصحاب القضية × الأثر الرجعي لكل معلم ومعلمة
= 180000 معلم ومعلمة × 7800 = 1.404.000.000 ريال.
وهو مبلغ معقول أن يصرف كأثر رجعي يقلص الفوارق بين جميع المعلمين أصحاب القضية وبين من سبقهم في التعيين ومن سيتلوهم.