رأس المال البشري هو التحدي الأكبر لاقتصادات الخليج
على هامش جلسات حوار القيادات الذي بدأت أولى ورش عمله في الأسبوع الماضي بالرياض. التقينا دجورجييا باتوتسكي رئيس قطاع الأعمال والتنافسية والتنمية في البنك الدولي، الذي شارك في الحوار ملتقى القيادات، فهو إلى جانب منصبه، يعتبر أحد الخبراء في مجال التنمية المستدامة، حيث كان الحديث يتمحور حول قضية عامة وأساسية وهي الدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات الخاصة في التنمية المستدامة، وكيفية لعبها لهذا الدور، وعن دور التنافسية في تلك المنظومة، فإلى نص الحوار:
تطرق الحديث إلى القدرة التنافسية للشركات ونجاحها أو فشلها بناءً على الاستثمار في رأس المال البشري، فكيف يكون ذلك؟
هناك قاعدة تقول: كلنا يعرف ماذا فعلت الشركة من نجاحات ولكننا لا نعرف كيف فعلته". وهذا صحيح لأبعد حد. كانت هناك منتجات رائدة للشركات أمام الجميع، ويمكن لكل شخص أن يلمسها بيده، أو تستدل على وجودها وتحسه من خلال ما أثمرت من عمل، أما كيف أخذت تلك الريادة؟ فهذا ما تجهله أو نجهله؟
وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة وهي أن عديدا من الناس يعتقد أنه إذا "نقل"أو"حاكى" تجربة ما فإنه يستطيع أن يحقق نفس النتائج، أو أن يحصل على نفس الفائدة التي تم الحصول عليها من التجربة الأصل.
وهذا محض وهم لأنك لا تستطيع نقل تجربة بالكامل. وثمة أشياء أنت تجهل كيف حصل، إذن لا بد للشركة - إذا أرادت أن تكون شركة ناجحة - أن تعتمد على الإبداع والابتكار، أو على الوجه التشغيلي العملي، وكلاهما يعتمدان على العنصر البشري.
لذا، لا بد للشركة من اتخاذ قرار، أو موقف استراتيجي بالاستثمار في البشر، عن طريق التدريب والتأهيل والتراكم المعرفي، أو تحريض الحس المعرفي عند العاملين.
ما العلاقة بين رأس المال البشري والمسؤولية الاجتماعية؟
القاعدة هنا هي أن يتم التحول من مساعدة الآخر إلى الاحتياج إلى الآخر، حتى تتحول برامج المسؤولية الاجتماعية داخل الشركة تجاه موظفيها من تكلفة إلى استثمار. ذلك لأن إنجازات الشركة في تقوية بيئة العمل داخلها، ترفع من كفاءة العاملين، وتؤثر إيجابا في ردودهم الإنتاجي كما ونوعا، الأمر الذي يسمح بتوسع الشركة وتعزيز مكانتها وموقعها التنافسي .
هذه هي انعكاسات المسؤولية الاجتماعية على الشركة في الداخل، أو هذا هو الانعكاس المباشر. إلا أن هناك انعكاسا غير مباشر، مثال على هذا النوع شركة (سمكس) المكسيكية التي تعمل في صناعة الأسمنت، لقد وجدت إدارة الشركة أن مخرجات نظام التعليم في المنطقة لا تلبي احتياجات الشركة من العمالة، فقاموا بإنشاء كلية تقنية مع شركاء آخرين تطورت فأصبحت جامعة، وبهذا النوع من المبادرات الخلاقة تستطيع الشركات أن تعزز من موقعها التنافسي، من ناحية، كما تسهم في تنمية المنطقة التي توجد بها، من ناحية أخرى، وتكون أيضا قد أسهمت في الاستثمار في رأس المال البشري وتنميته.
لماذا يتم التركيز على الشركات في تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية ويتم تجاهل المؤسسات الحكومية؟
عند الحديث في المسؤولية الاجتماعية، الجميع مسؤولون الحكومات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني، ولكننا نبدأ بالفئة الأكثر استفادة، وهي الشركات، كما أن هناك سببا آخر لاختيارها كونها من في الواجهة، ولذا فهي تحتاج إلى العمل على تنمية المجتمع الذي تعمل فيه أكثر من غيرها. وهناك سبب ثالث هو أن أجهزتها ونظمها أكثر مرونة من أنظمة وأجهزة الحكومة التي تقيدها البيروقراطية ويخنقها الروتين.
كما أن هذا لا يعني إعفاء الحكومة من أي دور، بل لها دورها في المجالات التي لا تستطيع الشركات أن تلعبه أو تفعل فيه شيئا.
مثل ماذا ؟
مثل تطوير نظام التعليم ووضع مناهجه وربط مخرجاته بخطط التنمية واحتياجات سوق العمل لتلبيتها. كذلك مثل تشجيع التنافسية بين الشركات وتنظيمها وتحضير الشركات الأكثر التزاما في مشاريع مسؤولياتها الاجتماعية بالمعايير الموضوعة لذلك.
ما التحدي الأهم الذي يواجه المملكة في هذا الإطار؟
رأس المال البشري هو التحدي الأكبر الذي لا يواجه اقتصادي المملكة وحدها، بل كل دول المنطقة، ويرجع ذلك لعدة اعتبارات منها الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وتضخم أو التنامي في شريحة الشباب، إلى جانب الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، الأمر الذي يؤدي إلى تفشي البطالة، والحاجة إلى خلق فرص توظيف بشكل دائم وعاجل ومستمر.
وبما أن اقتصاد هذه الدول يعتمد بشكل أساسي على النفط وهو مورد غير متجدد وطاقة محدودة، فإن التحول إلى الاقتصاد المعرفي يصبح في حالتها ضرورة ملحة ما يفرض عليها التركيز للاستثمار في طاقاتها الشبابية.
أعتقد أن الشركات السعودية، وحسبما سمعت وشاهدت في منتدى التنافسية الأول الذي عقد في مطلع العام والذي كان فرصة للتواصل معهم. إضافة إلى دعم الحكومة التي كان واضحا ـ وهذا ما لمسته بشكل واضح عند قيادي الهيئة العامة للاستثمار - مدى حماستها وحرصها، قادرة على التصدي ومعالجة التحدي، وحريصة وراغبة في تطوير دورها لفتح أسواق آفاق جديدة.