"المبادرة التنافسية" تساعد القطاع الخاص على لعب دور في المجتمع
في زحمة انشغالاته إبان منتدى حوار القيادات الذي عقد في الرياض التقت "التنافسية المسؤولة" في "الاقتصادية" عبد المحسن البدر رئيس منتدى التنافسية الدولي، في حوار لإلقاء المزيد من الضوء على سير العمل في المشروع الوطني "التنافسية المسؤولة" من مختلف زواياه، فإلى نص الحور:
هل الوقت يعد ملائما ومناسبا لطرح مبادرة التنافسية المسؤولة على طاولة القطاع الخاص؟ وهل الشركات الوطنية مؤهلة للتعاطي مع طرحها في هذا الوقت؟
من ناحية الوقت - نعتقد في الهيئة العامة للاستثمار - أنه مناسب وملائم للغاية، خاصة في ظل الأزمة العالمية الراهنة التي أظهرت ضرورة عمل الشركات بطريقة مسؤولة. ومن جهة أخرى، نرى أن برامج هذه المبادرة وعلى رأسها مؤشر التنافسية المسؤولة تساعد القطاع الخاص على لعب دور أكبر في المجتمع من خلال تسليط الضوء على احتياجات الأخير من إدارة وتطوير الموارد البشرية داخل وخارج الشركة إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية وغيرها من القضايا. وكل هذه قضايا تهم التنمية الشاملة والمستدامة وحركة تحديث المجتمع والشركات بحالات الحياة في المملكة الآن، وللشركات كما يعلم الجميع دورها الكبير في التأثير في مسارات التنمية المستدامة. وسبب آخر هو العولمة وانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ذلك أنهما يأخذان هذه الأبعاد في الاعتبار عند تقييم هذه الشركات، لما لها من تأثير في العلاقة التجارية للشركة وسمعتها ومكانتها التنافسية.
وهل ينطبق هذا على التحديات التي تواجه تحقيق هدفكم في الهيئة العامة للاستثمار (10x10) في ظل العولمة؟
بالتأكيد، ففي ظل انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية وتطبيق اتفاقياتها سيكون من الضروري زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية، سواء من حيث الجودة، أو من حيث معدلات الأداء، أو من حيث الأسعار المرتبطة بتكلفة الإنتاج من جهة وضرورة تهيئة المناخ العملي لجذب الاستثمارات وتوفير الكوادر القادرة على إدارتها من ناحية أخرى. إذ ستكون لدينا طاقة بشرية عاملة، فاعلة، وتتمتع بقدر كبير من الانضباط والكفاءة العالية التي تتنافس في سوق العمل المفتوحة، وتعطي مردودا ً إنتاجيا ً عاليا ً من حيث الجودة والكم وقادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
ثالوث التحديات التنموية
هل تجدون أن هذه المبادرة بالقوة والفعالية التي تمكنها من تحقيق هذا؟
ما أحب التأكيد عليه أن نجاح برامج المبادرة في دعم خطة (10x10) الاستراتيجية هو مدى اقتناع والتفاف الجهات ذات الصلة، وهذا فيما أظن هو ضمانة النجاح الأولى، سواء ً كان الدعم والمشاركة من خلال جائزة الملك خالد للتنافسية المسؤولة، أو المؤشر، أو عبر حوار القيادات الذي تم تنظيمه مع جامعة هارفارد، ويجمع عددا ً من قادة الشركات والمسؤولين والإعلاميين حول طاولة المنتدى للاطلاع والتحاور، واكتساب الخبرات والمعارف والمهارات على دورات متواصلة الحلقات، لذا فإن المبادرة كما تدل كل القرائن في طريقها لأن تصبح واحدا ًمن أقوى أدوات ووسائل وآليات دعم القدرات التنافسية لشركات القطاع الخاص ومواجهة تحديات التنافسية العالمية، الأمر الذي سيساعد على تحقيق خطة الهيئة الاستراتيجية الوطنية التي ذكرناها. كما أن بعض الشركات بدأت تأخذ في الاعتبار هذا العامل التنافسي في الاقتصاد العالمي وقد جاء الوقت للأخذ بيدها في هذا المسار، ورفع مستوى الوعي لديها والتنبه إلى هذه الأبعاد، ومن هذا المنظور يعتبر المؤشر فرصة لوضع الأنظمة الداخلية للشركات للتعامل معها.
ما أبرز تحديات التنمية المستدامة في المملكة التي تستطيع برامج مبادرة التنافسية أن تلعب دورها في مواجهتها؟
الوعي الحقيقي بأبعاد مفهوم التنمية المستدامة وعدم اختزالها في أعمال أو خدمات اجتماعية تقدم هنا وهناك عند الضرورات القصوى، إذ يجب - كما يدلنا مؤشر التنافسية - أن يكون عطاء الشركات الاجتماعي عملا مؤسسيا وقائما على دراسات متعمقة لاحتياجات المجتمع. وهذا بالطبع لا يمكن أن يحدث ما لم يستند إلى قاعدة قوية من المعلومات، ثم هو لا يمكن أن يتخفف على أرض الواقع ما لم تتوافر له الكوادر البشرية المؤهلة لتنفيذه بالشكل الصحيح وعلى النحو المفيد. يكاد يكون هذا هو ثالوث تحديات التنمية: الوعي، المعلومة والكوادر البشرية المؤهلة.
مشكلة الهدر والعطاء الذكي
نسبة البطالة بين الشباب في المملكة في ارتفاع متزايد بين من هم في سن العمل مع ازدياد نسبة المواليد وارتفاعها سنويا، في الوقت الذي تشكو فيه منشآت القطاع الخاص من تسرب العمالة الوطنية وعدم الانضباط، ما الذي يمكن أن تقدمه مبادرة التنافسية المسؤولة لحل هذه المعادلة الصعبة التي تتسبب في هدر رأس المال البشري؟
أولا ً: مؤشر التنافسية وضع في معايير سبعة مسارات يحدد الالتزام الطوعي بها موقع الشركة التنافسي بين الشركات الأخرى. وبين سبعة المسارات مساران يعالجان على نحو مباشر مشكلة هدر رأس المال البشري، واستثماره بشكل جيد وفاعل في تحقيق التنمية المستدامة، حيث إن المسار الأول: هو "العطاء الذكي" الذي تنفذه الشركات في برامج مسؤوليتها الاجتماعية الذي يجب أن يكون عطاءا مطلوبا، ومدروساً بشكل جيد، ويشترط فيه أن يلبي احتياجات المجتمع في إطار الخطة التنموية المستدامة.
على أن يكون لهذا العمل علاقة عضوية مباشرة أو غير مباشرة مع النشاط الإنتاجي الرئيس للشركة والمجال الذي تعمل فيه. وفى جانب مسؤوليات الشركة نحو المجتمع أيضا، هناك مسار واتجاه يختص بالتزام الشركة العمل على حماية البيئة والمحافظة عليها نظيفة وصحية.
الهدف من هذا العطاء هو أن تعمل الشركة على الارتقاء بالمجتمع، وأن تساعد برامج المسؤولية الاجتماعية على تحقيق تنمية المجتمع، وتحقيق رفاهية الناس فيه، وأن تتحسن مستويات المعيشة وترتقي، وهذا بالطبع يضمن للشركة مكانة متميزة، وخاصة في المجتمع الذي تعمل فيه، ويكسبها احترام وثقة المستهلكين والمتعاملين معها، ويرتفع بمكانتها في نفوس أفراد المجتمع، ما يؤثر إيجابيا في إقبال الناس على منتجاتها، ويحقق لها أرباحا إضافية، ويعزز قدرتها التنافسية في السوق. وستكون في الوقت نفسه قد أسهمت هي من ناحيتها في تنمية المجتمع والارتقاء به وبأفراده، وهذا مردود اجتماعي جيد، سيكون له آثاره الإيجابية في مستويات رأس المال البشري وتنميته واستثماره.
عصفوران بحجر واحد
وما المسار الآخر الذي من خلاله يمكن أن تدفع التنافسية في اتجاه وقف الهدر في رأس المال البشري، وفى تنميته والاستثمار فيه؟
المسار الآخر يأتي عبر مسار بيئة العمل، أو يتحقق عبر معيار بيئة العمل.
صحيح أن دراسة المشروع الوطني للتوظيف تقول إن نحو 78 في المائة من المنشآت تشكو من تسرب العمالة السعودية وعدم التزامها بضوابط العمل فما الذي نفعله إزاء أوضاع مثل هذه ؟
الدولة من ناحيتها لم تدخر جهدا لحل هذه الإشكالية فقد وضعت خططا متنوعة لتنمية الموارد البشرية، وأنشأت المؤسسات التعليمية والتدريبية والتأهيلية لإعداد مخرجات تلبي احتياجات سوق العمل، ولكن ولأسباب كثيرة بعضها يخص المناهج وبعضها يخص العادات والتقاليد الاجتماعية وثقافة العمل لم تعالج هذه المشكلة بشكل جذري. وبطريقة أو بأخرى كلنا مسؤولون عن معالجتها.
من جانب الهيئة، فإنها وضعت ضمن مؤشر التنافسية معيار أو مسار بيئة العمل الذي يساعد كثيرا على تحقيق غايتين أولاهما استقرار العمالة الوطنية في الوظيفة وثانيتهما تطوير قدرات الموظفين ورفع كفاءاتهم الوظيفية من خلال التدريب وتهيئة المناخ العملي الملائم والالتزامات باستحقاقات الموظف المنصوص عليها في قوانين ولوائح العمل بالمملكة.
وهذا المسار، كما أشرنا يصيب عصفورين بحجر واحد، فهو كما ذكرنا يضمن استقرار العمالة وظيفيا، ويضمن أيضاً تطور قدراتها وتنمية مهاراتها الإنتاجية.
ومن ناحية ثالثة، فإن الشركة تكون قد اكتسبت سمعة جيدة في سوق العمل، وخلقت لنفسها وضعا ً تنافسيا مريحا من حيث التوظيف، لأنها ستكون جاذبة لذوي القدرات وأصحاب المواهب والكفاءات الذين سيسعون للانضمام إليها بسبب بيئة العمل الجذابة فيها.
هذا بالطبع عدا تعزيز موقعها الإنتاجي التنافسي، من حيث الكم والنوع, بسبب تفاني موظفيها وشعورهم بالانتماء للشركة ورغبتهم في الإبداع والإنتاج ، ولإحساسهم بالاستقرار والراحة فيها.
وتكاد تكون هذه هي المحاور التي تدور حولها كل النقاشات في حوار القيادات, الذي يكتسب قيمته وأهميته العالية من أنه استطاع أن يجمع حول طاولة الحوار كل القوى الفاعلة والمؤثرة والمستنيرة والمتخصصة في مجالات المسؤولية الاجتماعية من الهيئات العالمية والغرف التجارية والمؤسسات العامة والجهات التعليمية، حيث كان حوارا طلقا وشفافا وواعيا.