المجتمع المعرفي الكوني الذي نعيشه يتطلب هيئة سعودية لقياس الكفاءات

المجتمع المعرفي الكوني الذي نعيشه يتطلب هيئة سعودية لقياس الكفاءات

المجتمع المعرفي الكوني الذي نعيشه يتطلب هيئة سعودية لقياس الكفاءات

يعيش المجتمع السعودي الحديث اليوم واقع التحول إلى مجتمع معرفي مندمج مع العالم في كافة أوجه التطور التقني والاجتماعي. والاتصال الإعلامي هو واحد من أهم مظاهر الحراك الاجتماعي والاقتصادي أيضا. قال أحد الأدباء الإنجليز: ( إذا أردت أن تتعرف على ثقافة أحد الشعوب فانظر إلى إعلاناته).
صناعة الإعلان في السعودية منذ بداياتها لم تلق اهتماما من أبناء البلاد ما أدى إلى تراكم خبرات لدى مقيميــن عبر سنوات عديدة. المفارقة التاريخية هي أن تطور وسائل الاتصال جعل من تلك الخبرات المتراكمة مجرد عبء غير مفيد لتحقيق النجاح الاستثماري.
مع ظهور الإنترنت ووسائط الاتصال الجديدة تقاسي صناعة الإعلان وطأة التغييرات الكبرى في الأبعاد التاريخية للعلاقة بين المستثمر والمستهلك؛ تحول جذري من صوت الشركة الآحادي الاحتكاري إلى الحوار الديمقراطي مع المستهلكين. فجأة أصبح لكل فرد صوت.
واقع صناعة الإعلان في الخليج لايزال مرتكزا على المفاهيم الكلاسيكية القديمة، فداخل كل شركة وكالة إعلان داخلية خاصة بها. المفارقة التاريخية هي أن المفهوم الحديث للاتصالات التسويقية المدمجة لا يمكن تحقيقه من خلال هذه الوكالات الداخلية المنغلقة على صوت الشركة الآحادي الاحتكاري غير الديمقراطي.
من جانب آخر فإن الشركات المتخصصة في إنتاج المحتوى الرقمي المرئي لا تستطيع تبني مفهوم اتصالات تسويقية مدمجة ما لم تستطع استيعاب الميراث التسويقي وأدبيات التسويق الدولي إلى جانب استخدام جرافيك الحاسب الآلي والبعد الثالث والإنتاج السينمائي في عمليات تطوير المحتوى.
مراكز الوسائط الإعلامية الحديثة وتطوير المحتوى المرئي في الخليج ليست أكثر من ورش صغيرة لإنتاج مواد ملتيميديا متواضعة ومواقع ويب يستطيع المراهقون غير المكترثين بمشاعر الآخرين إنتاجها في بيوتهم على أجهزتهم الشخصية.
أهم ما يميز مراكز إنتاج المحتوى الرقمي في أمريكا هو وجود وحدات متخصصة لتسويق التجارة الإلكترونية والمشروع التجاري الإلكتروني إضافة إلى تفوقها في إنتاج محتوى بصري يستخدم تقنية البعد الثالث وتطبيقات "إنترنت تو" والحوسبة عن بعد.
نحن إما نتعلق بالمفاهيم القديمة لصناعة الإعلان أو نستخدم فقط مجرد الأسماء مثل الوسائط الإعلامية الجديدة وتطوير المحتوى المرئي الرقمي دونما أن يكون لدينا فرق عمل من أبناء البلدان الخليجية كي يقوموا بالدور الاستراتيجي والمهم لخدمة قطاعات الاقتصاد عبر الإنتاج الإعلامي الجديد والمتطور، فلا يبقى سوى خيار استقطاب خبرات أجنبية للعمل في قطاع الخدمات التجارية ومنها صناعة الإعلان فتتحول وكالات الإعلان إلى مراكز لا تخدم هويتنا الثقافية وحاجاتنا في الحياة وربما لخدمة اقتصادات منافسة.
كما ان المحتوى الرقمي المنشور حيا على الهواء في الوقت الفعلي إذا لم يكن منتجا من أبناء الثقافة السعودية فهو على مدى متوسط كفيل بتغيير أذواق الناس وجعلهم يدورون في فلك تكتلات ثقافية أخرى مما يفاقم الفاقد والخسائر في قطاع السياحة والخدمات التعليمية وقطاع الخدمات الطبية وربما المالية.
إنتاج المحتوى المرئي الرقمي هو مسألة هوية ثقافية وعدم وجود متخصصين في البرمجة التفاعلية وفن الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد في مراكز إنتاج المحتوى المرئي هو مؤشر يشي بعدم فاعلية وقدرة تلك الشركات في تلبية احتياج قطاع التجارة والصناعة في الخليج. كما الاستعارة الثقافية واستقطاب خبرات من اليابان وماليزيا لن يحقق معادلة النجاح بل سيفتح الباب على مصراعيه لتحويل كامل قطاع الخدمات التجارية في مجال الاتصال والإعلان والمعلوماتية إلى خارج بلدان الخليج وعلى مدى متوسط يجعلها تدور في نطاق تبعية وهيمنة ثقافية واقتصادية من تكتلات منافسة ومغايرة وهذا خطر استراتيجي ينبغي الانتباه إليه.
على العكس من واقعنا في الخليج تجد أن دولا مثل الولايات المتحدة تؤسس لهيئات موارد بشرية واستثمار رأس المال البشري مهمتها استقطاب الكفاءات العالمية في الحوسبة وجرافيك الحاسب الآلي والطب والمهن التي تتطلب كفاءات نادرة كي تدمجها في نسيج مجتمعاتها وتوطن بذلك تلك الخبرات بصورة دائمة. بينما (المديوكرز) أو متواضعو الكفاءة في تلك المجالات أصبحت وجهتهم التقليدية معروفة إلى الخليج العربي لمجرد تحقيق الكسب المادي ومنافسة أبناء الخليج ذاته بصورة تعتمد على تراكم الخبرات التقليدية الكلاسيكية غير المجدية لدى الأجانب في صناعة الإعلان.
المعلوماتية وتطوير المحتوى المرئي الرقمي هي الثقافة الحية واليومية لأبناء الخليج وإذا تم تجييرها بالكامل إلى هؤلاء المديوكرز من ضئيلي الكفاءة من أجانب فلن يبقى لنا سوى التطفل على نجاحات الثقافات العالمية في الحفاظ على هويتها وتميزها الحضاري واستقلالها الفكري والاقتصادي.

الأكثر قراءة