الملك رمى الكرة الملتهبة باتهامات العدائية في ملعب الآخر
في الرابع من حزيران (يونيو) الماضي جمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مئات العلماء والمشايخ من جميع أنحاء العالم الإسلامي في العاصمة المقدسة مكة المكرمة قائلا لهم " إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا باعتزاز : إننا صوت عدل وقيم إنسانية أخلاقية وصوت تعايش وحوار عاقل وعادل ".
وأمس اعتلى الملك عبد الله منبر أعلى مظلة دولية ليقول للعالم أجمع ما جمع عليه أمر العلماء والمشايخ المسلمين في العالم كافة ليضع الكرة في ملعب الآخر، فإما سلام بسلام واحترام باحترام وإلا فإن صوت العالم الإسلامي قد ظهر في أكبر محفل دولي معلنا البراءة من استعداء الآخر وطالبا السلام للعالم .
ليست هذه المرة الأولى التي ينتهج فيها خادم الحرمين الشريفين أسلوب المبادرة بتقديم يد السلام, ورمي الكرة الملتهبة من اتهامات العدائية والتعطيل في ملعب الآخر, خصوصا بعد أن أتقن بعض العرب منذ منتصف القرن الماضي أسلوب المزايدة بالشعارات واستجلاب أصوات المعارك دون خوضها حقيقة, فهذا القائد الذي توقع له المراقبون حضورا سياسيا لافتا على المستوى الدولي منذ منتصف التسعينيات الميلادية زار في عام 1999 م عددا من دول العالم الغربية ودول أقصى شرق آسيا ووسطها الآخذة حينها مسارها نحو دور دولي أقوى ليعلن لها جميعا أن الدين الإسلامي لا يجوز أن يقرن بالأعمال الإرهابية التي يمارسها مسلمون .
وشهدت حينها تصريحات وخطب الزائر السعودي الكبير لتلك البلدان والتي ركزت في مضمونها على استنكار إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام كدين وشريعة حرص القيادة السعودية على حفظ سمعة الدين كما ركزت تلك الخطابات على محاربة استعداء الآخر لتشهد أن هذا الفكر التنويري للملك عبد الله ليس وليد حالة بعينها أفرزتها أحداث أيلول (سبتمبر) التخريبية في مطلع القرن الجديد وذلك بعد تلك الخطابات المشهودة بنحو عامين ولكنها رسالة أصيلة في عقيدة رجل أصيل.
تتميز هذه المبادرات التي قدمها الملك السعودي في العقد الماضي وفقا لأبرز المحللين الاستراتيجيين بكونها ذات طبيعة موجبة في كل الحالات وهي تشبه حركة الشوكة في لعبة الشطرنج والتي يتقنها اللاعب ويضمن من خلالها إصابة هدف محقق من بين هدفين مختلفي القيمة، إذ تقدم المبادرة الفكرة الأساسية منها بشكلها المقبول للجميع وبأهدافها العالمية الواسعة لتصيب في مقتل أهدافا مثل العداء للآخر والفقر والتخلف فّإما أن تصيب الهدف مباشرة لمصلحة العالم أجمع أو تتجه في حين اختلاف الرؤى لتؤكد للعالم كله البراءة من أسباب اشتعال الفتن والحروب والانسلاخ الاجتماعي المتصاعد عالميا.
تبدو الرغبة في عيش العالم بسلام إحدى أهم أولويات الملك عبد الله بن عبد العزيز بالنظر إلى تاريخ طويل من الدعوات التي أطلقها منذ زياراته التاريخية عددا من البلدان في نهاية القرن الماضي وحتى منتصف العقد الحالي إذ دعا خلال ندوة في مطلع عام 2002 م حول صورة الإسلام في الإعلام المعاصر إلى الحوار والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والحضارات، وفي مهرجان الجنادرية في شباط (فبراير) من عام ،2006 أكد" أن من واجب مثقفي ومفكري الأمة أن يبرزوا الوجه الحقيقي لأمتهم " وجه التسامح والعدالة والوسطية ".