أكد تقرير حديث صادر عن نشرة "ميس" (MEES) أن الاتفاق الذي وقّعه وزراء "أوبك+" في 30 نوفمبر الماضي سيعزز الاستثمار بين الدول الأعضاء، ومن ثم تعزيز الطاقة الإنتاجية عل نحو يسهم في تلبية الطلب، المرشح للنمو في السنوات المقبلة.
ترى "ميس"، المتخصصة في أبحاث اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الاتفاق التاريخي يمهّد الطريق نحو إعادة هيكلة جذرية لكيفية تحديد التحالف النفطي خطوط أساس الإنتاج والحصص بدءا من يناير 2027.
تتوقع أن تكون لهذه التغييرات آثار ملموسة على أرض الواقع، عبر تحسين فاعلية إدارة التحالف للسوق.
كيف ستعمل الآلية الجديدة لتقييم الطاقة الإنتاجية؟
وفقا للآلية التي وافقت عليها دول "أوبك+"، سيتم التعاقد مع شركة استشارية خارجية لتقديم تقييم شامل للطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة "MSC" لكل دولة.
هذه الطاقة الإنتاجية سيتُستخدم بعد ذلك لتحديد خطوط الأساس التي سيتم خفض الإنتاج بناء عليها.
يستثنى من هذا الترتيب كل من إيران وفنزويلا وروسيا، التي تخضع لعقوبات، حيث تم الاتفاق على ترتيبات بديلة لكل منها.
ولضمان تحديث تقييمات الطاقة الإنتاجية، ستُكرر العملية سنويا لمراعاة الزيادة أو النقصان في الطاقة الإنتاجية للدول الأعضاء.
ستظل مخصصات الإنتاج الحالية سارية حتى نهاية عام 2026، ثم تُستبدل بأرقام جديدة مستمدة من عملية تدقيق الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة بدءا من 2027 فصاعدا.
كان المحرك الرئيس وراء هذه المبادرة هو وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي شهد بنفسه على مدى عقود من العمل في فريق أوبك السعودي تأثير الادعاءات غير الدقيقة بشأن الطاقة الإنتاجية في إعاقة جهود إدارة السوق.
الوزير كان قد قال عقب الاجتماع: "عشتُ مسيرة مهنية آملا أن أرى اليوم الذي نلتزم فيه بالتحليل الفني والتقييمات المستقلة والسعي نحو مزيد من الشفافية".

"أوبك+" نحو مزيد من الشفافية والدقة
ترى سارة فاخشوري، مؤسسة ورئيسة شركة "SVB Energy International" أن قرار "أوبك+" يمثل نقلة نوعية للتحالف النفطي، وأنه يُمهد الطريق نحو مزيد من الشفافية ودقة البيانات.
وتقول: "هذه مبادئ لطالما أكد عليها وزير الطاقة السعودي، باعتبارها أساسية لأمن الطاقة. القرار يُعزز تحالف أوبك+ كذلك، عبر تقليل الخلافات السياسية، ومنع المفاوضات المطولة، وتمكين اتخاذ قرارات أسرع وأكثر كفاءة".
تستند الآلية إلى الجهود السابقة لتنفيذ تدقيق شامل للطاقة الإنتاجية على مستوى المجموعة، جرى الاتفاق عليه في 2023.
بموجب ذلك، كان من المقرر أن تُقيّم ثلاث جهات مستقلة، وهي "IHS" و"Wood Mackenzie" و"Rystad Energy" الطاقة الإنتاجية العام الماضي، لاستخدامها في تحديد خطوط الأساس للعام الجاري.
اجتمعت وفود من الدول الأعضاء في ثلاث مناسبات منفصلة للعمل على عملية تقييم الطاقة الإنتاجية - في سبتمبر وأكتوبر ومرة أخرى في 24 نوفمبر - وكانت النتيجة تقييما شاملا يفوق بكثير خطة 2023 السابقة.
إطار غير مسبوق في قطاع الطاقة
يؤكد بوب ماكنالي، رئيس مجموعة "Rapidan Energy" أن الإطار الناتج غير مسبوق في هذا القطاع.
ويقول: "لم يسبق لأي مجموعة إدارة إمداد، بما في ذلك المجموعة الأكثر نجاحا على الإطلاق، والتي قادتها Texas Railroad Commission لمدة 40 عاما، أن طبقت مثل هذه العملية الشاملة، المُدارة من طرف ثالث، والقائمة على القواعد، لتحديد الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة للأعضاء".
بينما يرى ماكنالي أن الوضع الحالي فريد من نوعه تماما، فإن أمين عام "أوبك" هيثم الغيص يؤكد أن هذه مجرد بداية لجهد كبير من الأمانة العامة والدول الأعضاء الـ 22 خلال العام المقبل لضمان تنفيذ الآلية الجديدة.

ما خريطة الطريق للعملية الجديدة؟
تبدأ العملية في يناير المقبل، عندها تعمل الدول الأعضاء في "أوبك+" مع الشركة الاستشارية لتحديد القدرة الإنتاجية القصوى المستدامةلعام 2025، والتي ستكون بمنزلة خط أساس تاريخي.
بينما يُعد نحديد رقم دقيق للطاقة لعام 2025 أساسا ضروريا للعملية، فإن المرحلة التالية تشمل تقييما شاملا للأنظمة السطحيّة والأنظمة تحت السطح بما في ذلك تحديد الاختناقات المحتملة في البنية التحتية.
بمجرد اكتمال المرحلة الثانية، ستنتقل العملية إلى المرحلة الثالثة، التي تهدف إلى تقدير كيفية تغير الطاقة الإنتاجية خلال 2026 و2027. سيشمل ذلك تأثير المشاريع الجديدة التي تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية، إضافة إلى معدلات الانخفاض الطبيعي في الآبار الحالية، مع الاستناد إلى خطط الإنفاق الرأسمالي.
سيتم توزيع المكاسب المستقبلية من الزيادات الإنتاجية الجديدة بشكل متناسب، بحيث تتمكن الدول من الاستفادة من الزيادة، دون التسبب في أي تشوهات في السوق.
بمجرد اكتمال ذلك، ستقدم الشركة الاستشارية تقريرا بنتائجها إلى أمانة أوبك والدولة التي تم تقييمها. ومن المتوقع أن يتم ذلك في سبتمبر، بعد 9 أشهر من بدء العملية.
سيتيح ذلك وقتا لإجراء مراجعات متبادلة، في حال كان أي عضو غير راض عن حجم الطاقة القصوى الخاص به، قبل الاجتماع الوزاري لـ "أوبك+" في الشتاء المقبل في أواخر نوفمبر إلى أوائل ديسمبر.
ستبدأ العملية برمتها مرة أخرى في يناير 2027، عندما تبدأ الدول الأعضاء في إعداد البيانات لتقديمها إلى الشركة الاستشارية في مارس 2027 بهدف تحديد الطاقة الإنتاجية القصوى المستادمة لعام 2028.
تعزيز المصداقية والثّقة يزيد الاستثمارات
من شأن الانتقال إلى نظام تعتمد فيه التخفيضات على تقييمات موثوقة للطاقة الإنتاجية أن يعزز الثقة الخارجية بالمجموعة وبمصداقية قراراتها من منظور السوق، بحسب بول هورسنيل، رئيس مجلس إدارة "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة".
يوضح هورسنيل أن وجود مؤشرات مشتركة يسهل عملية اتخاذ القرار ويجعل السياسات أكثر عدلا. كما أن هذه التغييرات ستسهم في بناء الثقة من خلال إزالة الحواجز الناتجة عن البيانات والتعاريف المبهمة.
من المرجح أن تؤدي عملية تقييم الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامةالجديدة إلى زيادات كبيرة في مستويات الأساس لدول مثل السعودية والإمارات وكازاخستان. ويُتوقّع أن يكون عرض كيفيّة التعامل مع هذا الأمر خلال اجتماع شتاء 2026.
تعني الآلية الجديدة أن الدول التي تزيد طاقتها الإنتاجية ستستفيد سريعا من ارتفاع خطوط الأساس، وبالتالي من زيادة الحصص.يقول الأمير عبد العزيز إن الاتفاق: "يُكافئ المستثمرين" ويؤكد أنه دليل إضافي على توقعات المجموعة باستمرار نمو الطلب في المستقبل. لذلك، فإن هناك احتمالا حقيقيا أن تُؤدي الآلية الجديدة إلى زيادة الاستثمار بين الدول الأعضاء.

