قبل نحو عامين، أشهرت شركة بيع السلع المنزلية الشهيرة "بد باث آند بيُوند" (Bed Bath & Beyond) إفلاسها، ودخلت في عملية تصفية لجميع متاجرها التي تبقت، لتشتري شركة "أوفرستوك دوت كوم" (Overstock.com) للبيع بالتجزئة الإلكتروني علامتها التجارية وأصولها الرقمية. 

لم تكن "بد باث آند بيُوند" أول المتأثرين بسطوع نجم التجارة الإلكترونية في سماء العالم الحديث، فقد سبقتها شركات كثيرة في إشهار الإفلاس وحتى الاختفاء عن المشهد، مثل "بلوك باستر" (Blockbuster)، التي كانت في يوم من الأيام علامة بارزة في عالم تأجير الفيديو قبل أن تفلس وتغلق جميع مواقعها تقريبا مع انتشار خدمات البث المباشر والتأجير عبر الإنترنت. 

تظهر أحدث البيانات إلى أن التجارة الإلكترونية استحوذت على نحو 20% من إجمالي حجم مبيعات التجزئة العام الماضي في أنحاء العالم. وتشير تقديرات إلى أن حجم التجارة الإلكترونية سيحقق نمو سنويا بنسبة 18.9% ليتجاوز 80 تريليون دولار بحلول 2030، وهو رقم ربما سيمثل أكثر من ربع حجم التجارة العالمية. 

لكن في ظل هذا الزخم الإلكتروني الكبير، المرشح للتزايد مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة وميل الأجيال الشابة أكثر إلى تجارب التسوق عبر الإنترنت، تبقى بارقة أمل للمتاجر التقليدية ضمن ما يعرف بنموذج البيع المتعدد القنوات. 

 بحسب مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، فقد ارتفعت نسبة المشترين عبر الإنترنت إلى 77% العام الماضي، مقارنة مع 59% فقط قبل نحو 10 سنوات.

بحسب استطلاعات المكتب، فإن نسبة الـ 77% هذه، التي تشمل من طلبوا واشتروا منتجات أو خدمات عبر المنصات الإلكترونية خلال العام الماضي، تغطي الفئة العمرية بين 16-74 سنة.

لا يقتصر التحول على السلع، مثل الملابس والأحذية والإكسسوارات، التي حظيت بـ 46% من المشتريات الإلكترونية، بل امتد إلى الخدمات، مثل  خدمات تأجير المنازل.

تظهر الإحصاءات أن واحدا من كل 5 مستخدمين للإنترنت في الاتحاد الأوروبي، قام باستئجار مسكنه عبر الإنترنت.

في السعودية، بلغ متوسط نمو التجارة الإلكترونية 38% خلال الأعوام الـ5 الماضية، وفقا لما ذكره لـ "الاقتصادية" في وقت سابق مدير إدارة التجارة الإلكترونية في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة عبدالعزيز العسيري.

من المتوقع أن يسجل القطاع نموا في السعودية بنسبة 32% هذا العام 2025، مع تجاوز عدد سجلاته التجارية 40 ألفا بزيادة 9% على أساس سنوي.

بينما يرى عبدالله الفوزان، خبير التجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، أن تغير سلوك المستهلك منذ جائحة كوفيد 19 كان سببا رئيسيا للنمو المطرد في الاعتماد على التجارة الإكترونية فإنه يؤكد أن وجود أدوات الذكاء الاصطناعي سهل توسع روّاد الأعمال في الاستعانة بالمنصات الإلكترونية.

تعد تجارة الأغذية، بما يشمل المطاعم، هي صاحبة النصيب الأكبر من حجم التجارة الإلكترونية، بحسب ما قاله الفوزان في لقاء سابق مع بودكاست "هللة".

واجهت شركة "تويز آر أص" ضغوطا كبيرة من التجارة الإلكترونية، خاصةً من شركة "أمازون"، وتقدمت بطلب لإشهار إفلاسها مرتين، حتى أغلقت جميع متاجرها في الولايات المتحدة أخيرا، وإن كانت تشهد جهودا لإحياء أعمالها.

مع تغير سلوك المستهلك، أعلنت سلسلة متاجر "ماسيز" (Macy's) خططا لإغلاق كثير من متاجرها للتركيز على التجارة الإلكترونية والمتاجر الأصغر حجماً. 

كانت "جيه سي بيني" (J.C. Penney) كذلك من المتاجر الكبرى التي عانت صعوبات مالية كبيرة بسبب منافسة منصات البيع الإلكتروني، دفعتها إلى إغلاق متاجر وإعلان إفلاسها. 

في 2020، أغلق متجر "جي إن سي" (GNC) المتخصص في بيع المكملات الغذائية 248 فرعا من فروعه على الفور، بعد أن تقدم بطلب لإشهار إفلاسه. 

بينما أدى انتشار التجارة الإلكترونية وتطور نماذج الأعمال عبر الإنترنت إلى اختفاء علامات تجارية عن مشهد تجارة التجزئة في العالم، فقد كانت قدرة بعض العلامات على التكيف مع الواقع الجديد سببا في بقائها. 

اختفت علامات مثل "بلوك باستر" و"سيرز" (Sears)، التي كانت عملاقاً في مجال البيع بالتجزئة قبل إشهار إفلاسها عام 2018 وإغلاق جميع متاجرها تقريبا بسبب المنافسة مع الأسواق الإلكترونية والمتاجر الكبرى 

في المقابل، ركزت علامات تجارية أخرى على التجارة الإلكترونية والمتاجر الأصغر حجما استجابة لتغير سلوك المستهلكين، بعد أن أعلنت خطط إغلاق العديد من المتاجر. وكانت علامات تجارية مثل "بست باي" (Best Buy) و"تارجت" (Target) و"وول مارت" (Walmart) من الأمثلة الناجحة على تعزيز عمليات التجارة الإلكترونية والحفاظ على قدرتها التنافسية. 

بينما تظهر الإحصاءات زيادة مطردة في الطلب على التجارة الإلكترونية، فإن هذا لا يعني بالضرورة فناء المتاجر التقليدية، إذ من المرجّح أن تشهد السنوات المقبلة نوعا من التكامل بين طرفي الصراع ضمن ما يعرف بتعدد القنوات.

وفقا لنموذج الاعمال، سيظل المتجر الإلكتروني نافذة للبيع والتسويق أقل كلفة، مع تغير في نمط الخدمة التي يقدمها المتجر التقليدي، كأن يكون مركزا لتجربة المنتج، أو تقديم الخدمة الشخصية والاستشارات للمستهلك، وربما حتى تقديم خدمات إضافية لا يوفرها المتجر الإلكتروني، مثل برامج الولاء ودعم بعد البيع.

العلامة التجارية "سيفورا" (Sephora) من أبرز الأمثلة على هذا النوع من التكيف للإبقاء على المتجر التقليدي. فبينما يستخدم متجرها الإلكتروني تقنيات الواقع المعزز للسماح للمتسوقات عبر الإنترنت بتجربة منتجات التجميل افتراضيا، توفر متاجرها التقليدية تقنيات لمسح البشرة والتوصية بأساسات مطابقة.