Author

وحشية الحروب البيولوجية

|


عندما نسمع ونشاهد الأخبار المؤلمة عن وحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان المتمثلة في الإرهاب والصراعات المذهبية والطائفية، يبرز في الذهن تساؤل مهم ومحير عن مدى تقدم ورقي القيم الإنسانية لدى الإنسان خلال تاريخه الطويل على وجه الأرض، انتقالا من حياة الكهوف البدائية إلى عصور التقدم والتحضر والتقنية. أليس من المنطقي أن تزداد قيم الإنسان رقيا، مع التعليم والتحضر، وما ينتج عنها من زيادة مذهلة في التواصل بين بني البشر؟ من المؤسف أن الإجابة بالنفي، والأخطر من ذلك الخشية بأن الإنسان يتحول من الحروب التقليدية إلى الحروب البيولوجية الفتاكة التي لا ترحم الصغير أو الكبير، وهذا هو موضوع مقال اليوم.
في الحقيقة لم تكن الحروب البيولوجية أو الجرثومية جديدة كما يعتقد البعض، ولكنها أصبحت أكثر فتكا وتدميرا بعد إحراز التقدم العلمي المذهل في علوم الفيروسات والوبائيات وما يواكب ذلك من زيادة في التواصل بين الشعوب، نتيجة تقدم وسائل النقل الحديثة التي تستطيع نقل البشر والأوبئة بين أطراف العالم في ساعات قليلة. تشير المصادر إلى وجود ممارسة للحروب البيولوجية بأساليب بدائية في العصور القديمة، أي قبل الميلاد، تتمثل في نقل المصابين بأمراض معدية إلى أراضي العدو، أو إلقاء جثث الحيوانات النافقة أو جثث الموتى في مصادر مياه العدو لتسميمها ومن ثم إلحاق الضرر به. ويشار – أيضا – إلى استخدام الجيش البريطاني مرض الحصبة كسلاح بيولوجي ضد الهنود الحمر في أمريكا من خلال جلب بطاطين من مستشفى للحصبة وإهدائها إلى أحد زعماء القبائل الهندية. وازدادت الحروب البيولوجية تعقيدا مع مرور الزمن وتطور التقنيات البيولوجية مرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين استخدمت فيهما أنواع جديدة مثل الأنثراكس والجدري والطاعون. وهناك من يعتقد أن المختبرات الطبية المخصصة لبحوث الأسلحة البيولوجية مسؤولة عن أمراض نقص المناعة، وجنون البقر، وإنفلونزا الطيور، والجمرة الخبيثة، وفيروس إيبولا، وحمى الضنك، بل يرى بعضهم أن بعض الدول يقوم بتطوير ما يعرف بـالقنبلة العرقية التي تستهدف البشر الذين ينتمون إلى أصل عرقي معين.
ويمكن أن تستهدف الحروب البيولوجية الإنسان أو الحيوان أو النبات والمحاصيل الزراعية أو البيئة عموما، وذلك من خلال حمل الفيروسات والبكتريا ونشرها في أراضي العدو، بوضعها في أجهزة التكييف في الأماكن المزدحمة مثل مراكز التسوق أو صالات الألعاب أو على قضبان المترو في ساعات الذروة أو استخدام الحشرات والفئران والطيور لنشر الأمراض.
وتكمن خطورة الحروب البيولوجية في صعوبة أو استحالة السيطرة على الفيروسات بعد إطلاقها، ولا تقل عن ذلك أهمية صعوبة تحديد الجهة المسؤولة عن إطلاق الفيروسات أو الجراثيم، ما يلحق الضرر بالدولة المستهدفة بوجه خاص والعالم بوجه عام قبل اكتشاف العلاج المناسب لكبح انتشاره والحد من ضرره.
ويتبقى تساؤل أخير عن كيفية حماية الإنسانية من أخطار الحروب البيولوجية وتقنياتها المتجددة، خاصة أن الإنسان يزداد ضراوة وتفننا في الفتك بأخيه الإنسان. فمن الضروري أن يتم على الصعيد المحلي إنشاء المراكز المتخصصة وتعزيز البنية التحتية للبحث العلمي الجاد في مجال الفيروسات وعلوم الأوبئة ووضع ذلك ضمن الأولويات. أما على مستوى المجتمع الدولي، فلا بد من الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لدراسة المستجدات في هذا الموضوع ورصد الممارسات التي يشهدها العالم في هذا المجال من أجل تجديد الاتفاقيات بما يتواكب مع التغيرات العلمية والتقنية، ومن ثم وضع آليات متقدمة لتحديد المسؤوليات والحد من استخدام الأسلحة البيولوجية في المستقبل.

إنشرها