أخبار

استقطاب المواهب .. حروب العالم المقبلة

استقطاب المواهب .. حروب العالم المقبلة

في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت سوق العمل محدودة للغاية في الفترة ما بعد الحرب، صنف مديرو الأعمال الأمريكيون مجال "الموارد البشرية"، بأنه الأفضل في مجال الأعمال. وكما يروي بيتر كابيلي، الذي يشتغل أستاذا في مدرسة وارتون، "شُغلت 90 في المائة من المناصب - وكلها تقريبا مناصب عليا - بأشخاص من داخل المؤسسات المعنية، وخصصت 96 في المائة من الشركات الكبيرة قسما كاملا، للتخطيط للاحتياجات فيما يتعلق بالقوى العاملة"، ويقول "إنه عندما تحتاج الشركات للمواهب، ترتفع هيبة الموارد البشرية، وعندما تتراجع أسواق العمل، تعود الموارد البشرية إلى إدارة الفوائد".
إن سوق العمل ضيقة جدا اليوم، بحسب تقرير الباحثتين آن ماري سلاوتر، المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية "2009-2011"، ومونيكا تشيلام، مسؤولة الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية السابقة، في مجال التكنولوجيا؛ إذ بلغت معدلات البطالة في الولايات المتحدة 4 في المائة أو أقل منها، منذ آذار (مارس) 2018، وفي كتابهما الشهير، الذي صدر عام 2018 Talent Wins "فوز المواهب"، حث دومينيك بارتون المدير العام السابق لـ"ماكينزي"، وشركاؤه في تأليف الكتاب، جميع الرؤساء التنفيذيين الطموحين على الحصول على تجربة مهمة في مجال الموارد البشرية، وحث كل مجلس إدارة شركة على قضاء وقت كبير في الأمور التي تتعلق بالمواهب، وكذلك خلص إيلي فيلر من شركة الاستشارات Korn Ferry "كورن فيري"، وDave Ulrich "ديف أولريتش"، من جامعة ميشيجان، إلى أن سمات الرؤساء التنفيذيين ذات الصلة تتوافق مع سمات رؤساء موظفي إدارة الموارد البشرية أكثر من توافقها مع سمات أي منصب آخر في الرئاسة؛ ويقولون "إنه تنبغي مراعاة رؤساء موظفي إدارة الموارد البشرية عند اختيار الرؤساء التنفيذيين".
ولا بد أن تكون هذه الحرب من أجل المواهب خبرا رائعا للنساء، لأن النساء يهيمنّ على الموارد البشرية، إذ في الولايات المتحدة، تشكل النساء أولات البشرة الملونة نسبة مئوية في الموارد البشرية أعلى من أي قسم آخر في الشركات.
وبصفة عامة، على الرغم من التقدم، لا تزال النساء يمثلن نحو 10 في المائة فقط من المناصب التنفيذية العليا في الشركات الأمريكية، وفقط 4 في المائة من القادة في المناصب العليا هن من النساء أولات البشرة الملونة، وفي المقابل تشكل النساء الأغلبية في الموارد البشرية: 73 في المائة من مديري الموارد البشرية، و55 في المائة من رؤساء موظفي الموارد البشرية، وما يقرب من ثلث المتخصصين في الموارد البشرية في الولايات المتحدة هم من غير البيض، وأكثر من 10 في المائة من رؤساء موظفي الموارد البشرية في شركةFortune 100، هن من النساء أولات البشرة الملونة.

إذن لدينا الحل لسد ثغرة القيادة النسائية.. أليس كذلك؟
لكن ليس بهذه السرعة؛ إن دراسة "ماكينزي" الرائدة التي تنبأت بأن الموهبة ستكون المورد الأكثر قيمة للشركات – وستكون نادرة - نشرت منذ أكثر من 20 عاما، كما أن تزايد التقدير لقيمة المواهب لم يقابله تزايد التقدير لقيمة الموارد البشرية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة تسمية المجال باسم "الأشخاص"، أو "تجربة الموظفين" أو ببساطة "المواهب"، إلا أن سمعة الموارد البشرية باعتبارها مأزقا وظيفيا ما زالت قائمة، وقد يكون لكبيري موظفي الموارد البشرية دور في اتخاذ القرارات، لكن من المستبعد أن من في هذا المنصب رئيس تنفيذي.
وفضلا عن ذلك، يحصل قادة الموارد البشرية على رواتب أقل بكثير من نظرائهم في مناصب الرئاسة، ما يشير إلى أنهم أقل قيمة بكثير. ووفقا لجمعية مجموعة الرؤساء التنفيذيين، يكسب رؤساء موظفي الموارد البشرية في الشركات العامة أقل من 10 في المائة مما يكسبه نظراؤهم في مناصب الرئاسة.
وباختصار، يحظى رأس المال البشري بقيمة عالية، لكن الأشخاص المسؤولين عن الموارد البشرية ليسوا كذلك، إن أحد الأسباب المحتملة هو أن المهنيين في مجال الموارد البشرية ينظر إليهم أنهم يفتقرون إلى الفطنة التجارية، وهناك بعض المزايا لهذا التصور، لقد أعطى التركيز التاريخي على وظائف مثل علاقات الموظفين، وإدارة المنافع، الموارد البشرية سمعة تتجاوز الخط الفاصل بين الهرب من المخاطر والدنيوية، وهي بالكاد الوظيفة التي ترغب في أن تقود الجهود الابتكارية، والتطلعية التي قد تحدد مصير الشركة، كما أن الأجور المنخفضة نسبيا جعلت من الصعب على الموارد البشرية – وهو توجه نادرا ما يختاره خريجو كليات إدارة الأعمال الكبيرة - جذب أفضل المواهب.
وتعد الموارد البشرية أيضا تجسيدا وظيفيا لـ"الأعمال المنزلية في المكتب". إنه مجال طُلب لتولي نصيب الأسد من المهام الإدارية، التي يصعب قياسها، التي تسهم في تقدم الشركة، وليس في تقدم مهن أولئك الذين يؤدونها. وليس من المستغرب إذن أن يكون المديرون التنفيذيون سعداء للغاية بزيادة التنوع "بشكل هامشي" عن طريق توظيف النساء، بما في ذلك عدد كبير من النساء أولات البشرة الملونة، في وظائف الأعمال المنزلية في المكتب، وهي وظيفة تتطلب كثيرا من التركيز على العلاقات الفوضوية بين الموظفين، وعلى غرار جميع المهن الأخرى التي تهيمن عليها النساء، فهي تحظى بأجر وقدر قليلين، ولأن الموارد البشرية تعاني نقص الموارد، وتغمرها أعمال متعلقة بالمعاملات، لطالما كافح القادة في الموارد البشرية من أجل أداء العمل الاستراتيجي المطلوب منهم.
ولحسن الحظ، إن دور الموارد البشرية يتغير، أولا، أصبح كميا أكثر، إذ أصبحت أداة تحليلات الناس، التي حظيت بشعبية من قبل لا زلو بوك المدير التنفيذي السابق لشركة جوجل، أداة راسخة، وتقوم إدارات الموارد البشرية بتوظيف علماء البيانات بشكل روتيني، لتوجيه قرارات الشركات المهمة، إضافة إلى ذلك، انفجر مجال تكنولوجيا الموارد البشرية، ما أوجد نظاما بيئيا يضم أكثر من أربعة آلاف من مزودي البرامج، الذين يلبون احتياجات محترفي الموارد البشرية، ويعيد هذا التطور - إلى جانب الاتجاه نحو إدارة فوائد الاستعانة بمصادر خارجية - تشكيل وظيفة الموارد البشرية بشكل جذري.
ولكن عندما يتعلق الأمر بمزيد من التكنولوجيا والبيانات، ما يتطلب مزيدا من المهارات الكمية، يلجأ الرؤساء التنفيذيون إلى الرجال، وبدلا من الاستفادة من مجموعة المواهب من النساء في الموارد البشرية، يميل قادة الأعمال نحو توظيف الرؤساء التنفيذيين للموارد البشرية "الاستراتيجية" من خلفيات غير الموارد البشرية، وتشير المتطلبات الوظيفية للأدوار القيادية للموارد البشرية بشكل متزايد إلى "الفطنة التجارية" كشرط ضروري.
واستجابت شركات أخرى إلى الفجوة التي لوحظت في المواهب في مجال الموارد البشرية، من خلال أخذ أجزاء من الوظيفة، وتوزيعها على الوظائف الأخرى التي يهيمن عليها الذكور، بما في ذلك إرسال كشوف الرواتب، والمزايا إلى المدير المالي، وإرسال التحليلات إلى مدير التكنولوجيا التنفيذي، وإرسال أنظمة البرمجيات إلى المدير التنفيذي... إلخ.
إن جلب مواهب جديدة إلى مجال الموارد البشرية، وزيادة المشاركة الوظيفية في الموارد البشرية ودعمها، ليس بالأمر السيئ، وقد يعني ذلك مزيدا من الموارد المخصصة للموارد البشرية، وإيلاء مزيد من الاهتمام إلى ما يقوم به قادة الموارد البشرية فعليا، ومزيد من التنافس على أهم الأدوار في قسم الموارد البشرية، لكن قد يعني ذلك أيضا أننا نهدر فرصة للتعرف على الموهبة الموجودة بالفعل بين قادة الموارد البشرية، الذين قلل من شأنهم بشكل منهجي، وتمكين مجموعة المواهب الحالية للموارد البشرية، وتنميتها.
وفي أغسطس الماضي، أعلنت طاولة مائدة الأعمال الأمريكية المستديرة عزم أعضائها على اتباع "اقتصاد يخدم جميع الأمريكيين"، والأهم في تلك الرؤية هو الاستثمار في تعزيز القوى العاملة المتنوعة والشاملة.
ومع احتلال المواهب مركز الصدارة، واكتساب رأسمالية أصحاب المصلحة الزخم، فإن معدل النساء في الموارد البشرية - وهي الوظيفة الأكثر تنوعا في الشركات الأمريكية - يسير نحو الارتفاع، والقرار يرجع إلى رؤسائهن في السماح بذلك.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار