default Author

أقدم طعام بشري

|


لا تتخيل أن تكون تلك الوجبة الصغيرة، ورفيقة دربك من الطفولة التي تلف بقطعة من الخبز، أو تؤكل دونه ألذ وجبة، ووجدت قبل معرفة البشر للكتابة، وقبل صناعة الفخار والأدوات المعدنية، وحتى الأسلحة، منذ أن كان البشر مجموعات متفرقة في الأرض بلا قرى أو مدن أو أقوام تحكمهم!
إنه الجبن أقدم طعام على وجه الأرض عمره يعادل عمر الحضارة نفسها، صنعه البشر قبل الميلاد بثمانية آلاف عام، حين كان مزارعو العصر الحجري الحديث يعيشون في منطقة الهلال الخصيب، ويتعلمون تربية الماعز والأغنام والاستفادة من حليبها الذي يسبب تركه في درجة حرارة مرتفعة نسبيا ولساعات عديدة، تحول الحليب الطازج إلى كتل لينة، قام المزارعون بتجفيفها. واكتشفوا أن الكرات المصفرة يمكن أكلها وجبة خفيفة قابلة للدهن. أصبحت هذه الكتل العنصر الأساس في تصنيع الجبن الذي من الممكن أن يعتق لاحقا، ويكبس، ويُنضّج، ويصنع منه أشكال ونكهات مختلفة!
كان هذا الاكتشاف سببا في بقاء الجنس البشري ومقاومة إنسان العصر الحجري مصاعب الحياة، فهو وجبة غنية بالبروتين والدهون والمعادن الضرورية لبقاء البشر. إضافة إلى ميزته العظيمة في قابليته للتخزين لفترات طويلة دون أن يتلف، فيكون وجبة مثالية أثناء فترة المجاعات وفصول الشتاء الطويلة. وأكبر دليل على وجوده في تلك الحقبة من الزمن أن البقايا الفخارية التي وجدت في تركيا، وتعود إلى الألفية السابعة قبل الميلاد لا تزال تحتوي على بقايا من الجبن والزبدة التي كانت تحفظ فيها!
ومع مرور الزمن أصبح الجبن سلعة أساسية في التجارة البحرية في كل أرجاء شرق البحر المتوسط. لدرجة أنه صار وجبة أساسية في بلاد الرافدين.
تطورت وسائل صناعة الجبن للحصول على أجبان أكثر تماسكا، على الرغم من رفض بعض الثقافات الغذائية المحافظة على منتجات الألبان، إلا أن ثقافات كثيرة تقبلت الجبن بأصنافه بل وأضافت النكهات المحلية الخاصة بها سريعا. فصنع المغول من حليب بقر الياك قطعا مجففة وصلبة من جبن بياسلاج، وأحب المصريون جبن القريش، وفي جنوب آسيا صنعوا أقراصا من جبنة بانيير، وأضافوها إلى أطباق الصلصات والكاري. وأنتج اليونانيون جبنة "فيتا" المملحة، وأنتجت صقلية جبنا أكثر صلابة يشبه البارميزان قابل للبشر، وأصبح غذاء لنحو 500 جندي مرابط يحرسون حدود الإمبراطورية الرومانية!

إنشرها