FINANCIAL TIMES

ألمانيا .. التباطؤ يضغط على الحكومة للتخلي عن «الصفر الأسود»

ألمانيا .. التباطؤ يضغط على الحكومة للتخلي 
عن «الصفر الأسود»

التزام الحكومة الألمانية الثابت، حسبما يبدو، بموازنات متوازنة تعرض لضغوط متجددة أخيرا، بعدما أثارت أنباء عن تقلص أكبر اقتصاد في أوروبا في الربع الثاني جولة جديدة من المطالبات الموجهة إلى برلين لزيادة الإنفاق.
لقد انخفض إنتاج ألمانيا بنحو 0.1 في المائة في الربع الثاني مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، إذ أثرت التوترات التجارية في قطاع التصدير الكثيف للصناعات التحويلية، خاصة قطاع صناعة السيارات القوي.
مقاربة الموازنة المتوازنة -المعروفة باسم الصفر الأسود- كانت جزءا لا يتجزأ من سياسة الحكومة الألمانية طوال سنوات.
كانت الميزانية الفيدرالية تتمتع بفائض منذ عام 2014، وقد تم توثيق الالتزام بعدم قبول قروض جديدة رسميا في معاهدة الائتلاف بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل والحزب الديمقراطي الاجتماعي من يسار الوسط في العام الماضي.
في الأسابيع الأخيرة، واجهت منهجية "الصفر الأسود" انتقادات متزايدة من الاقتصاديين، ومجموعات الأعمال، وقادة المعارضة، بل حتى من جانب عناصر ضمن الائتلاف الحكومي.
أحد أبرز الهجمات على السياسة حدثت أخيرا من طرف اتحاد الصناعات الألمانية BDI، وهو عادة معقل للصرامة الاقتصادية الألمانية.
"نحن سنشهد بعض الشهور القاتمة التي يمكن أن تتحول إلى أعوام إذا لم يكن هناك استجابة سياسية قوية"، حسبما قال جواكيم لانج، المدير العام لاتحاد الصناعات الألمانية.
ودعا الحكومة إلى التخلي عن الالتزام بمنهجية الصفر الأسود، على أنه حث في المقابل على التمسك بمخصصات ما يسمى "كبح الديون" المترسخة في دستور ألمانيا.
كبح الديون يجبر الحكومة الفيدرالية على إبقاء عجزها الهيكلي عند مستوى أقل من 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي؛ الأمر الذي يمنح برلين مهلة بسيطة على الأقل قبل خوض العجز.
وأضاف: "بعد عقد من الزمان حيث كان لدينا اقتصاد قوي يتمتع بفرص عمل عالية وتمويل عام قوي، أمام ألمانيا لديها فسحة للالتقاط أنفاسها -على الرغم من كبح الديون"، حسبما قال لانج"، خاصة أن الدولة حاليا قادرة على الاقتراض بأسعار فائدة سلبية".
كبح الديون كان "أكثر أهمية من تحقيق ما يسمى بالصفر الأسود"، حسبما أضاف قائلا: "لقد حان الوقت لألمانيا كي تغير سياستها المالية".
وصدر نداء مماثل من حزب الخضر المعارض، الذي يحتل مركز الصدارة في استطلاعات الرأي، وتفوق على الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بصفته القوة الرئيسة ضمن اليسار الألماني.
"الأمر الأكثر إحباطا من البيانات الاقتصادية هو أن الحكومة حتى الآن لم تفعل أي شيء لمواجهة هذا التراجع الاقتصادي الذي طال انتظاره"، حسبما قالت أنجا هاجدوك نائبة زعيم المجموعة الخضراء البرلمانية.
ودعت إلى مزيد من الاستثمار العام في الاقتصاد ومزيد من التمويل لمواجهة تهديد تغير المناخ.
"إذا أرادت الحكومة اتباع سياسة اقتصادية تتطلع إلى المدى الطويل، فلن تتمكن من إعطاء الأولوية لمنهجية الصفر الأسود مقابل استثمارات لا غنى عنها في مستقبلنا"، على حد قولها.
بيد أنه في الوقت الحالي، ليس هناك ما يشير بوضوح إلى أن الحكومة تعتزم تغيير رأيها. أوضح كل من أولاف شولز، وزير مالية الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وميركل نفسها في الأيام الأخيرة، أنهما متمسكان بالالتزام بتوازن الموازنات.
ذلك الموقف أكدته مجددا متحدثة باسم الحكومة، إذ أخبرت صحافيين في برلين أن الاقتصاد الألماني على الرغم من انخفاض الربع الثاني في طريقه إلى النمو خلال عام 2019.
وبررت ذلك بالقول إن البطالة قد انخفضت والأجور تتزايد بالقيمة الحقيقية، مضيفة: "في ظل تلك الخلفية، لا ترى الحكومة في الوقت الراهن أي حاجة إلى اتخاذ تدابير لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. السياسة المالية على المستوى الفيدرالي موجهة بالفعل نحو التوسع".
مارسيل فراتشير، رئيس مركز أبحاث دي آي دبليو وأستاذ الاقتصاد الكلي والتمويل في جامعة هومبولت في برلين، كان أحد عديد من الاقتصاديين الألمان البارزين الذين انتقدوا تصميم الحكومة على الدفاع عن منهجية الصفر الأسود.
"النقاش يزداد إثارة، لكنني أرى أنه فات الأوان بالفعل، وما يفعلونه لن يكون كافيا، فلا يزال وزير المالية والمستشارة متمسكين بقولهما إن هذا الوقت ليس مناسبا لتحفيز مالي" حسبما قالا.
فراتشير توقع أن الحكومة ستعلن حزمة من خطط الإنفاق وخفض الضرائب الشهر المقبل تحت مظلة مساعدة ألمانيا لجعل اقتصادها أكثر خضرة، لكنه حذر من أن هذا ربما لن يكون كافيا.
"صناعة السيارات تتعرض لضغوط شديدة لتعديل أعمالها وهذا تحد طويل الأجل، لكننا لمدة طويلة لم نكن نمتلك سوى استثمارات قليلة جدا في البحث والتطوير والبنية التحتية في ألمانيا. نحن بحاجة إلى برنامج استثمار مدته من عشرة إلى 15 عاما في البنية التحتية الرقمية والبحث والتطوير والتعليم" حسبما أضاف. ثمة اقتراح آخر يدعمه بعض الاقتصاديين وهو خطة للتشجيع على شراء السيارات الجديدة مقابل بيع السيارات القديمة مثلما قدمت الحكومة بعد الأزمة المالية في عام 2008.
كاثرينا أوترمول، كبيرة الاقتصاديين في "أليانز" قالت: "هذا النمط مشابه تماما لما حدث في صناعة السيارات في عام 2008، لكنه لن يعود إلى وضعه الطبيعي سريعا هذه المرة. الجميع يدعون إلى مزيد من استثمارات القطاع العام وهذا ضروري إلا أنه لن يحل المشكلات الآنية". مثل هذه السياسة، التي يطلق عليها اسم "خصم نقدي مقابل استبدال السيارات القديمة"، يمكن أن تركز على تعزيز التنقل الإلكتروني وستكون سريعة نسبيا في التنفيذ.
واستدركت أوترمول أنه: "مع ذلك، وفي ضوء فضائح السيارات في الأعوام الأخيرة، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تكون مثيرة للجدل سياسيا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES