Author

برنامج وطني للمتقاعدين وأسرهم وورثتهم

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

في الوقت الذي يواجه فيه أغلبية المنتسبين للقوى العاملة الآن، عديدا من التحديات المعيشية كمحدودية القدرة الشرائية، وضعف مواجهة غلاء أسعار تملك المساكن، أو تحمل أعباء تكاليف إيجار المسكن، وتزداد وطأة تلك التحديات في حال وجدت استقطاعات شهرية ثابتة وطويلة الأجل من دخل العامل، يؤمل بكل تأكيد أن تكون حدتها قد خفت بدرجة كافية، بالتزامن مع صرف بدل غلاء المعيشة، إضافة إلى ما يقوم به «حساب المواطن» من جهود تستهدف تخفيف الأعباء الإضافية عن كاهل المواطن وأسرته.
أقول والوضع كذلك بالنسبة للفرد العامل، إنه بكل تأكيد فيما يتعلق بالفرد المتقاعد أثقل وطأة من حيث تكاليف المعيشة، وتزداد أحمالها بحال ما زال يعول أسرة كبيرة أو متوسطة، وفي حال لم تسمح له أوضاعه المادية أن يتملك مسكنه، وأنه قياسا على ذلك ما زال يتحمل أعباء الدفع السنوي لإيجار مسكنه، وقس ذلك على بقية متفرقات سلة إنفاقه الاستهلاكي للنقل والكهرباء والمياه والصحة وتعليم الأبناء - إن وجد - التي تستنفد أغلب المعاش التقاعدي.
في حكم اليقين غالبا؛ تتضاءل الخيارات عاما بعد عام أمام المتقاعد، وقد تصل في وقت مبكر بعد التقاعد إلى قيمة الصفر! وهنا تبرز الأهمية القصوى لأحزمة الأمان الاجتماعي والمادي اللازم توافرها، سواء لشريحة المتقاعدين، أو لبقية الشرائح الاجتماعية من مطلقات وأرامل وأيتام مضافا إليهم الأسر التي تعولها مختلف تلك الشرائح الاجتماعية.
لقد كفلت الدولة - أيدها الله - الحماية الشاملة والقصوى ووجود حزام الأمان الاجتماعي للمواطن وأسرته، بدءا من ولادته حتى نهاية حياته، وهو ما نص عليه النظام الأساسي للحكم، وتحديدا ما ورد حرفيا في المادة الـ27 من النظام "تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية"، وهو الركيزة الأساسية التي يجب أن تبنى عليها أي برامج ومبادرات تستهدف الارتقاء بمتطلبات حماية المواطن وأسرته، على أي حال كانت حالته، ويأتي في مقدمة تلك الحالات بكل تأكيد المتقاعدون وأسرهم كافة، وأسر المتوفين منهم أيضا، الذين يكفل لهم التحقق الكافي واللازم لمتطلبات الحياة الكريمة، الواجب تحقيقه من خلال الأجهزة الحكومية ذات العلاقة المباشرة، وكونه ضمن أولى المهام والمسؤوليات الموكلة لتلك الأجهزة، وضرورة استمرار التنفيذ ومتابعته وتطوير أدائه، وفق منظومة عمل متكاملة تضم الأجهزة الحكومية ذات العلاقة كافة، التي تكشف الحالة الراهنة لما يواجهه المتقاعدون وأسرهم وورثتهم أنها غير موجودة حتى تاريخه، وأن الواقع يتحدث عن جهود متناثرة ومتفرقة، نجح القليل منها في الوفاء وتلبية احتياجات تلك الشريحة من المجتمع، فيما تأخر كثير منها عن الوفاء بالاحتياجات والمتطلبات المعيشية للمتقاعدين وأسرهم وورثتهم، ولهذا تجد هذه الشريحة المجتمعية الكبيرة في مقدمة الشرائح المتضررة من كثير من التحولات وتنفيذ عديد من الإجراءات، وما ذلك إلا لانخفاض أو انعدام المرونة والخيارات المتوافرة لدى هذه الشريحة المجتمعية.
إننا في مواجهة حديث شامل عن ضرورة إيجاد برنامج وطني، يستهدف النهوض والارتقاء وحماية الخيارات الحياتية لهذه الشريحة المجتمعية، ولأن عديدا من المرتكزات موجودة في الأصل بشكل متناثر ومتوزع بين أجهزة حكومية عديدة، إلا أنها لم تحقق الكفاءة المنشودة، وفي الوقت ذاته قد تجد أن كثيرا من خدمات تلك الأجهزة لم يصل إلى الشرائح المستحقة لأي سبب كان. أؤكد أنه أمام حالة كهذه الحال تتصاعد أهمية الحديث عن هذا البرنامج الوطني المأمول استحداثه، والدفع به بعد بناء منظومته وتحديده وإقراره إلى بقية البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030".
سيكون وجود برنامج متكامل كهذا البرنامج الوطني المأمول، عاملا مكملا بدرجة مهمة جدا لطموحات ومستهدفات بقية البرامج التنفيذية، وللأهداف العامة لـ"رؤية المملكة 2030"، ويكفي التأكيد هنا لإبراز الأهمية القصوى لوجود برنامج وطني "للمتقاعدين وأسرهم وورثتهم". يستهدف توفير حزام أمان اجتماعي لتلك الشريحة، أن نواته في الأساس هي الإنسان، وتركيز جهود ومسؤوليات هذا البرنامج حول شريحة مجتمعية واسعة العدد، كان لأربابها أدوار جوهرية ومهمة في إدارة دفة الحياة والتنمية قبل تقاعدها عن العمل، كما سيكون وجود مثل هذا البرنامج وبدء عمله على أرض الواقع، مصدر أمان مستقبلي لمن هم الآن على رأس العمل في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، وهو ما يرفع لدى الجميع جهود الدعم المتوقع لإنجاح الجهود الساعية للوفاء بمسؤوليات ومهام هذا البرنامج، وكون عوائدها ستعود بالفائدة - بإذن الله تعالى - على أكبر عدد من أفراد المجتمع وأسرهم.
لعل من أهم ما يؤمل أن يشمل التطلع لوجود برنامج وطني كهذا البرنامج، أن يمتلك القدرة على تحسين المعاشات التقاعدية، لأن تكون كافية أمام مستجدات الحياة فترة بعد فترة، والرفع بمقترحاتها لمتخذ القرار لإقرارها بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية بالغة التعقيد، وأن يكفل أيضا توافر الرعاية الصحية اللازمة لجميع من ينتسب إلى الشرائح المشمولة بالبرنامج، إضافة إلى متابعة القائمين على تنفيذ هذا البرنامج لكل متطلبات الحياة وجودتها، وابتكار الحلول والمبادرات اللازمة، وفتح وتطوير قنوات التواصل وعقد الورش اللازمة مع القيادات السابقة من المتقاعدين والمتقاعدات، حتى مع من تتوافر لديه أي مقترحات ورؤى متميزة، ومن ثم بلورة النتائج بعد الدراسة والفحص واستيفاء النقاش حولها، والعمل على تقديمها للأجهزة ذات العلاقة، ودراسة مدى الاستفادة من تلك الرؤى والمقترحات، وكونها جاءت نتيجة تجارب وخبرات طويلة قد لا تتوافر للأجيال الحالية قدرة التفكير فيها، أو الاهتمام بها. والله ولي التوفيق.

إنشرها