Author

متى تتحقق للمواطن قدرة تملك السكن؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية


يكرر كثير من تجار وسماسرة العقار دائما نصيحة عقارية مبهمة للمواطن؛ متى ما توافرت لديه القدرة على أن يشتري مسكنا، فليتخذ قراره بالشراء! حسنا. ما هي محددات هذه القدرة من عدمها لدى المستهلك من وجهة أصحاب هذه النصيحة؟! الحقيقة التي تم تجاهلها عمدا من قبلهم، أنه لم يأت أحد من أصحاب تلك النصيحة على ما هي تلك المحددات لا من قريب ولا من بعيد.
الحقيقة المتجاهلة الأخرى هنا أيضا؛ أن أصحاب نصيحة الشراء تلك، لم ولن يمتلكوا محددات أو ركائز تتعلق بتحقق تلك "القدرة" من عدمها، بما يمكن أن يعتمد عليه المواطن أو المستهلك لمعرفة هل لديه تلك القدرة "المبهمة" أم لا، سواء من حيث القيمة السوقية للمسكن المناسب، ونسبتها إلى الدخل السنوي للمستهلك، أو من حيث قدرة المستهلك على التحمل غير المكلف للتمويل العقاري اللازم، في ظل استقطاع أقساطه الشهرية ما بين 50 في المائة و65 في المائة من الدخل الشهري للمستهلك.
ولو قام أصحاب تلك النصيحة، باختبارها تحت المحددات المشار إليها أعلاه، فسرعان ما ستذوب كقطعة ثلج فوق الصفيح الساخن لتضخم الأسعار غير المبرر للأراضي والمساكن! وفي الوقت ذاته؛ باختبار وفحص فحوى تلك النصيحة بالشراء دون قيد أو شرط، سرعان ما سنكتشف أنها صممت بحالتها المبهمة تلك لمصلحة البائعين فقط، وأن المشتري في ظل تجاهل الحالة الواسعة للتشوهات العقارية، سواء على مستوى ما وقف منها خلف التضخم غير المبرر للأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، أو ما وقف منها خلف أشكال الغش والتدليس في البناء والتشييد، أؤكد أن المشتري في ظل تلك التشوهات سيكون الضحية الوحيدة، وأن ما سيتعرض له من تحمل أعباء معيشية عالية جدا، ومكابدته مختلف أشكال الغش والتدليس في البناء، تعد جوانب لا محل لها من الإعراب لدى الناطقين صباح مساء بتلك النصيحة العقارية المبهمة!
هل الحل أن يبقى المرء مستأجرا وأسرته طوال حياتهم؟ بالطبع "لا"، لكن كما قيل "وش حدك على المر؟ قال اللي أمر منه". حينما تجد أغلب الخيارات المشروعة والمتاحة شبه مسدودة، أو مسدودة تماما، فلا بد أن تجد نفسك تحت رحمة الخيار الأقل أذى بالنسبة إليك! ذلك أن الخيار الاستهلاكي "المرن" بدفع أقساط إيجار مسكن معين، وأن تأتي تكلفته واستقطاعه من الدخل الشهري للفرد أقل بكثير من الأقساط المرتفعة لسداد التمويل العقاري اللازم لتملك المسكن، الذي قد يستغرق 20 إلى 25 عاما مقبلا، يظل الخيار الأقل تكلفة ومخاطرة.
كما لا ولن تجدي مقولة البعض؛ إن أعباء سداد التمويل العقاري طويل الأجل، وإن جاءت مرهقة جدا لميزانية رب الأسرة، سينتج عنها في نهاية الأمر أن الأسرة ستتملك أصلا عقاريا بيدها! ذلك أنها مقولة تتجاهل عن قصد وتعمد، أن رب الأسرة سيتحمل طوال الفترة الزمنية لسداد ذلك التمويل طويل الأجل، أعباء معيشية طائلة بدءا من المصروفات اللازمة لغذاء وملبس وتعليم وتربية وكافة أسباب معيشة الأبناء، وصولا إلى تلبية متطلباتهم الحياتية في سن الشباب والزواج، والارتفاع القسري لفواتيرها على كاهل الأسرة، دع عنك المواجهة الحتمية للمصروفات الطارئة والمتكررة! باختصار شديد؛ ماذا سيبقى لرب الأسرة من خيارات حياتية، إذا لم يبق له إلا أقل من 35 إلى 40 في المائة من دخله الشهري؟!
وحقيقة أخرى تم تجاهلها عمدا من لدن حاملي تلك النصيحة؛ حينما يتم سؤالهم عن مستويات الأسعار الراهنة؛ هل هي عادلة ومناسبة مقارنة بمستوى دخل الأفراد؟ لتأتي الإجابة بالإجماع التام من قبلهم على الفور "نعم" عادلة ومناسبة. فيأتي السؤال التالي مباشرة؛ لماذا إذا يواجه غالبية الأفراد صعوبة كأداء على مستوى شراء مساكنهم؟ لتتشعب هنا الإجابات؛ فمنهم من يقول إنه نتيجة انتظار غير صحيح من قبل المستهلكين لانخفاض الأسعار، وفي رأي آخرين أنه نتيجة التخطيط السيئ لتدبير المستهلكين لأمورهم المعيشية، وفي رأي آخرين أنه نتيجة لإفراط المستهلكين في التورط بتحمل مزيد من أعباء القروض الاستهلاكية، وتلك أغلب التفسيرات التي طالما يستمع إليها مجتمع المستهلكين، توبيخا لهم من قبل أصحاب النصيحة المبهمة، وهو ما يعني من وجهة أخرى، ألا تنتظر نتائج إصلاح الدولة لتشوهات سوق العقار "التشوهات المتجاهلة أصلا من قبل الناصحين بالشراء". وأن ينصب التخطيط المالي للأفراد على شراء المسكن الخاص، ولو تطلب ذلك استقطاع ثلاثة أرباع دخلك الشهري، دون الاهتمام بآثار ذلك القرار طويل الأجل في معيشة الفرد وأسرته، أو في الأداء الاقتصادي الكلي.
ختاما؛ واختصارا لكل ما تقدم استعراضه، إذا تمت مقارنة هذه النصيحة العقارية المبهمة، مع ما تضمنته الأهداف الاستراتيجية لوزارة الإسكان ضمن برنامج التحول الوطني 2020، تحديدا الهدف الثاني: تحفيز المعروض العقاري ورفع الإنتاجية لتوفير منتجات سكنية بالسعر والجودة المناسبة، وفقا للمؤشر الأول لأداء هذا الهدف: مكرر متوسط سعر الوحدة إلى إجمالي دخل الفرد السنوي "خط الأساس عشر مرات، المستهدف في 2020 أن ينخفض إلى خمس مرات"، فإن نتيجة المقارنة ستأتي صادمة جدا لأصحاب تلك النصيحة المبهمة، كيف ذلك؟!
في حال تحقق نمو سنوي لمتوسط دخل الفرد يراوح بين 2.5 و3 في المائة سنويا خلال الفترة 2016 ــ 2020، فإن انخفاض مكرر متوسط سعر الوحدة لإجمالي دخل الفرد السنوي من عشر مرات إلى خمس مرات، يقتضي أن ينخفض متوسط تكلفة السكن خلال تلك الفترة أعلاه بنسبة لا تقل عن 45 في المائة! "كمثال مسكن سعره 960 ألفا في 2016، يفترض أن ينخفض سعره إلى 530 ألف ريال في 2020"، وبالرجوع إلى الرقم القياسي للقطاع السكني للهيئة العامة للإحصاء، الذي يظهر انخفاض الرقم القياسي لكل من الفلل والشقق السكنية منذ 2016 "سنة الأساس" حتى الربع الأول من 2019 بنسبة 7.9 في المائة للفلل السكنية، وبنسبة 10.1 في المائة للشقق السكنية، وهو ما يعني أن مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية ما زال حتى العام الجاري يقع بين 8.2 و8.4 مرة، وأن متوسط الأسعار السوقية الراهنة لا يزال أعلى بنحو 63 إلى 67 في المائة، مقارنة بالأسعار المستهدف الوصول إليها بحلول العام المقبل 2020!
النتيجة النهائية: يقف أصحاب النصيحة العقارية بالشراء أمام حقيقتين رسميتين "أهداف وزارة الإسكان 2020، والتحركات الفعلية للرقم القياسي لأسعار العقارات للهيئة العامة للإحصاء"، اللتين تتعارضان تماما مع نصيحتهم! وواقعيا ليس من المنتظر على الإطلاق أن نشهد تراجعا من قبلهم، بقدر ما يتعين على المستهلكين أن يعلموا أمام النتيجة الأخيرة أعلاه، أن النصيحة العقارية المبهمة المقدمة إليهم خالية الوفاض تماما، ولا يوجد لها رصيد من الحياة، لا على مستوى واقع السوق العقارية، ولا حتى على مستوى ما تحقق حتى تاريخه من أهداف وزارة الإسكان. والقرار النهائي أولا وآخرا، يبقى بكل تأكيد بيد المستهلكين. والله ولي التوفيق.

إنشرها