Author

مناطق الإيداع والتنافس التجاري

|


تتبنى خطط السعودية العمل بطريقة التجارة اللوجستية، ولذلك نلاحظ أن كثيرا من الجهات الحكومية ذات العلاقة بتطوير التجارة بدأت في تطبيق هذا المفهوم الجديد؛ حيث ظهر في كثير من المطارات والموانئ تحديد العمل بالمناطق اللوجستية والتجارة الحرة، التي تساعد كثيرا على تحريك النمو التجاري في المملكة. وهنا لا بد من سرد أرقام بارزة تتحدث عن التجارة العالمية؛ حيث يتجاوز حجم التجارة العالمية 24 تريليون دولار، منها 16 تريليون دولار على شكل صادرات من البضائع، وهي تجوب العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ومنها 13 في المائة يمر عبر البحر الأحمر؛ أي أن هناك ما يزيد على ثلاثة تريليونات دولار من الثروة العالمية تمر من أمام موانئ المملكة. ولقد أكد هذا الأمر الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، للاستفادة من هذا الحجم الهائل من الأعمال. ومن الجيد أن نجد استجابة قوية من جانب الهيئة العامة للجمارك، التي بدأت تحقق تقدما ملموسا على مستوى تيسير الإجراءات الجمركية والخدمات اللوجستية المرتبطة بها، وذلك بتطوير مناطق الإيداع، وهذا ما جعل كبريات الشركات العالمية تبدأ بنقل أعمالها اللوجستية ومراكزها التوزيعية إلى مناطق الإيداع في المملكة؛ للاستفادة من الخدمات اللوجستية المقدمة، وكذلك الموقع الجغرافي المميز للمملكة.
إن هذا التوجه من الشركات العالمية يعني أن منافذ المملكة أصبحت مناطق جذب لكبريات الشركات الدولية والإقليمية، وهذا بدوره يعزز موقع المملكة لتكون الخيار الأول كمركز لوجستي على مستوى المنطقة يربط بين القارات الثلاث.
من المعلوم بالضرورة أن أهم عنصر من عناصر التكاليف هو النقل، ولقد بذلت الدراسات، خاصة في مجال بحوث العمليات، كثيرا من الجهد؛ لتحليل هذا العنصر المهم جدا، الذي يؤثر بشكل كبير في ربحية الشركات وأيضا في قدراتها على المنافسة، لكن هذه الجهود تذهب سدى في التجارة العالمية إذا لم تجد هذه الشركات طرق نقل جديدة، ولم تقم الحكومات في مناطق المنافذ البحرية بتطوير البنى التحية لتسمح بالمرور والنقل السريع، وأوجدت معها تشريعات جديدة تعزز التجارة العالمية. لقد جاءت تحليلات منظمة التجارة العالمية بتوقعات انخفاض النمو والتحفيز، ما يحتاج إلى بذل جهود أكبر في تقليص تكلفة النقل بشكل جوهري. ويظهر هنا بشكل واضح أن الدول التي تستطيع أن تقدم خدمات لوجستية أفضل، وتسهم في خفض تكلفة النقل، ستفوز بحصة أكبر من قيمة التجارة العالمية، وإذا كانت المملكة بطبيعتها الجغرافية وموقعها الاستراتيجي تشهد مرور 13 في المائة من هذه التجارة، فإن أي تعديل بسيط في الإجراءات والخدمات سيصنع فارقا كبيرا، ويوفر فرصا اقتصادية ضخمة للمملكة.
وللحقيقة، فإن تصريحات هيئة الجمارك مبشرة إلى حد بعيد، فمع إنشاء مناطق الإيداع، التي تمكن الشركات العالمية العابرة من إيداع بضائعها ومن ثم إعادة تصديرها، تم تطوير برامج مثل الفسح خلال 24 ساعة، وهو ما سمح بتقليل فترة الفسح الجمركي إلى متوسط 24 ساعة مقارنة بـ14 يوما في السابق، وهنا يظهر مفهوم تخفيض تكلفة النقل على الشركات العابرة، ولهذا بالذات بدأت الشركات العالمية بنقل أعمالها إلى هذه المناطق أملا في الاستفادة من هذه الفرصة لتخفيض التكاليف، وتحقيق موقف تنافسي قوي. وقد يزداد هذا التدفق من الشركات العالمية زخما مع تحديث لائحة مناطق الإيداع، التي ستشمل خدمات جديدة، من ضمنها العمليات ذات القيمة المضافة، وعمليات التجميع والتصنيع البسيطة، والسماح للمصدرين باستخدام مناطق الإيداع، وإنهاء إجراءاتهم الجمركية من دون تحديد المقصد النهائي.

إنشرها