Author

الإسراع بالخروج من مشكلة تملك المساكن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

على الرغم من الانخفاض الذي سجله متوسط أسعار مختلف الأصول العقارية بنسب راوحت بين 20 في المائة و30 في المائة خلال الفترة بين 2014 - 2018، التي لا تقارن بالطبع بـ"رالي" تضخمها خلال العقد السابق لها بأضعاف تلك النسب من الانخفاض، وعلى الرغم من انخفاض تكلفة الإيجارات بنسب مقاربة لتلك النسب للفترة نفسها، وعلى الرغم من مئات آلاف المنتجات السكنية التي أعلنتها وزارة الإسكان طوال العامين الماضيين "568.5 ألف منتج سكني"، وعلى الرغم من زيادة شواغر المساكن إلى أعلى من 23 في المائة من الإجمالي، إما نتيجة ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، أو لخروج أكثر من 2.6 مليون وافد بأسرهم، إضافة إلى عديد من المتغيرات الاقتصادية والمالية المؤدية في مجموعها إلى الضغط على التضخم السعري الكبير لمختلف الأصول العقارية، إلا أن الشكل العام لمشكلة تملك المساكن لا يزال في غالبه محافظا على وضعه المعوق للتنمية الشاملة بشكل عام، والمعوق للأزمة الإسكانية بشكل خاص.
فلا تزال مشكلة تملك المساكن بالنسبة لغالبية شرائح المجتمع السعودي تتمنع على تفتيتها، رافضة أن تخرج مما هي عليه من مستويات سعرية تعد مرتفعة ومكلفة جدا، وبعيدة جدا عن قدرة أغلب أفراد المجتمع بالنسبة للقطاع السكني، ومكلفة أيضا حتى على منشآت القطاع الخاص.
لطالما تم الحديث سابقا طوال أعوام ماضية، أن السبب الرئيس وراء ذلك، تمثل في التضخم الكبير لأسعار الأراضي والمساكن، وأن ما قد يعتقده البعض من أسباب أخرى كشح الأراضي، أو ضعف التمويل العقاري، يقف خلف هذه العقبة التنموية الكأداء، ثبت أنه غير صحيح على الإطلاق، فلا يوجد شح للأراضي بقدر ما أنها عانت التشحيح، نتيجة ارتفاع أشكال الاحتكار والمضاربة عليها، جاء إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء ليحاربه ويكافحه، كما لا يعاني القطاع التمويلي أي نقص في السيولة ليقف عاجزا - كما يظن البعض - عن تمويل احتياجات شراء العقارات والمساكن عموما، جاءت ضوابط ومبادئ التمويل لتقيده وتربطه بدرجة أكبر بالمستويات الحقيقية للأجور المدفوعة للعاملين في مختلف القطاعات.
إن الطريق الوحيد للخروج من ذلك تملك الأراضي والمساكن، لا ولن يأتي عبر زيادة التمويل العقاري، وزيادة أعبائه على كاهل المواطنين والمواطنات، ما سيؤدي لاحقا إلى الإضرار بقدرتهم على الإنفاق الاستهلاكي محليا، والإضرار من ثم باستقرار الاقتصاد الوطني، وهو الطريق الذي قد يعتقد البعض أنه كفيل بالخروج من الأزمة، دون أن يستمر الانخفاض في الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، فكما تعكس أوضاع السوق العقارية المحلية من ركود طويل يقترب من دخوله العام الخامس على التوالي، جاء نتيجة عدم قدرة قوى الشراء المحدودة إما وفقا لمستويات الأجور الراهنة وغير القابلة للزيادة، وإما وفقا للقيود النظامية على التمويل العقاري غير القابلة أيضا للتنازل والتساهل، مقابل تمنع قوى العرض لأسباب غير مقبولة ولا مقنعة عن القبول بمزيد من انخفاض الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية، وعدم اعترافها بالعوامل الاقتصادية والمالية الراهنة المعاكسة لرغبات قوى العرض، التي لا يوجد في الأفقين القريب أو البعيد ما يدعم بأي حال من الأحوال طموحاتها ورغباتها الحالمة جدا، والبعيدة تماما عن الواقع.
كما يكمن الخطر الأكبر وراء تأخر معالجة تضخم الأسعار المبالغ فيها للأراضي والمساكن، خاصةً مع تسارع ارتفاع الارتباط بين السوق العقارية والقطاع التمويلي في ظل تلك الأسعار المتضخمة، وأمام غياب أي محفزات بكل أشكالها تضمن استقرار الأسعار قبل أن تضمن مواصلتها للارتفاع مرة أخرى، أن يأتي الانخفاض مفاجئا وقويا في الأسعار المتضخمة، لكنه هذه المرة لن يقف عند السوق العقارية التي كانت تنتظره، ويعد بالنسبة لها أمرا إيجابيا وصحيا، بل سيمتد إلى القطاع التمويلي الذي سيكون قد قطع شوطا بعيدا في تمويله للسوق العقارية المحلية، وهو القطاع الأهم في أي اقتصاد مهما كان، الواجب ضمان استقراره وحمايته من أي مخاطر تهدده، ولا يعلم ما الحلول التي ستبقى بيد مؤسسة النقد العربي السعودي للتعامل مع مثل هذه المخاطر. تتطلب هذه التحديات وضرورة التعامل بحذر شديد مع المخاطر المحيقة بها، أن يتم الإسراع في الوقت الراهن سواء من قبل وزارة الإسكان كونها الجهة المسؤولة الأولى عن تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي كان الهدف من إقراره من قبل الدولة - أيدها الله - محاربة احتكار الأراضي الذي تسبب بالدرجة الأولى في حدوث هذه العقبة التنموية ممثلة في صعوبة تملك المواطنين للأراضي والمساكن، لتتراجع الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية، وأن تعود إلى مستوياتها العادلة سعريا والمقبولة، قبل أن تزيد أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، وقبل أن تتدحرج الأسعار هبوطا بشكل مفاجئ وغير محمود، ستسحب معه القطاع التمويلي إلى مناطق غير محمودة ولا مأمونة العواقب.
ليس الأمر ببعيد عن وصفه بالوقوف الآن أمام جدار صلب، وأن الطريق الأكثر أمانا خلال المرحلة الراهنة، أن يتم الاستمرار في طريق مزيد من انخفاض الأسعار المرتفعة وغير المبررة للأراضي والعقارات، وهو الطريق الممهد دون مخاطر مرتفعة كغيره من الطرق الأخرى التي يتم التفكير فيها الآن، سواء من قبل وزارة الإسكان أو غيرها من الأطراف، وعدا ذلك سنصل إلى منعطف زمني تشتد وتجتمع عنده القوى الضاغطة على انخفاض الأسعار، لكنه سيحدث بشكل مؤلم جدا لعديد من الأطراف، في مقدمتها القطاع التمويلي المفترض حمايته ووقايته من أي مشاكل محتملة في السوق العقارية. والله ولي التوفيق.

إنشرها