default Author

هل تنجح مفاوضات الصفقات على طاولة الطعام؟

|

تقاسم وجبة طعام على طاولة المفاوضات، هل يؤثر في نتائج الصفقة سلبا أم إيجابا؟ الجلوس على المائدة لمناقشة أمور العمل يعد إجراء شائعا في جميع أنحاء العالم، ولا سيما تناول المشروبات على طاولة المفاوضات. وربما لا يوجد تنفيذي أو مسؤول لم يقم بذلك. وكون تناول الطعام يعد جزءا من حياتنا، فإنه يجب النظر بالكيفية التي يؤثر بها في مجرى المفاوضات. بدأ الباحثون أخيرا بدراسة الآثار المترتبة عن تناول الطعام خلال إجراء المفاوضات على النتيجة النهائية للصفقة. وفي حين يتوقع معظمنا أن يؤثر ذلك بشكل إيجابي في المفاوضات، تشير النتائج إلى احتمال أكثر استراتيجية ودقة. ففي الواقع، قد يختلف تأثير الطعام وطريقة تقديمه على نتائج التفاوض بحسب ظروف كل شخص. نظرت ورقة عمل لكل من كيفن نيفين، وبريان وانسينك، وكارول ديفاين، وجيفري سوبال من جامعة كورنبل، بتجربة مشاركة الطعام في مراكز الإطفاء، التي تتميز بثقافة خاصة بتحضير الطعام ومشاركته بسبب ساعات العمل الطويلة لرجال الإطفاء. وجدت الدراسة علاقة إيجابية قوية بين رجال الإطفاء الذين يتناولون طعامهم معا وبين أداء مجموعتهم. فالتعاون بين المسؤولين يزيد فقط عندما يحضرون الطعام سويا، أما مجرد تناول الطعام مع الآخرين فليس له أي تأثير. يحملنا ذلك للاعتقاد أن التعاون ليس على الأرجح السبب في كون مشاركة الطعام تؤدي إلى نتائج أفضل عند التفاوض. تورد دراسة أجرتها لاكشمي بالاتشاندرا من كلية كينيدي في جامعة هارفارد، تحت عنوان "هل يجب علينا تناول الطعام على طاولة المفاوضات؟" نتائج لعدة اختبارات أجراها 132 طالب ماجستير في إدارة الأعمال حول مفاوضات على مشاريع مشتركة. قارنت التجربة الأولى مجموعة من الأشخاص يجرون مفاوضات خلال تناولهم الطعام في مطعم، مع مجموعة أخرى أجرت المفاوضات في قاعة اجتماعات دون مشاركة الطعام. وتمحورت التجربة الثانية حول مجموعتين تتفاوضان في قاعة اجتماعات، إحدى المجموعتين تشاركت الطعام والأخرى لا. وكانت النتيجة أن المجموعات التي تشاركت الطعام حققت أرباحا أعلى بنسبة 11 و12 في المائة على التوالي من المجموعات الأخرى التي لم تتشارك الطعام. بادرت بالاتشاندرا مدفوعة بالنتائج التي توصلت إليها، إلى إجراء تجربة ثالثة بمشاركة 32 طالب ماجستير في إدارة الأعمال، للتأكد من أن النتائج التي توصلت إليها لم تتأثر بأي مهام مشتركة "على سبيل المثال، تناول الطعام مقابل التعاون لحل قضية". استعاضت بهذه التجربة عن الطعام بشيء آخر. تشارك نصف المشتركين حل أحجية خلال التفاوض. لم يتأثر مستوى الربح أو الثقة بين المجموعات. عندما يجلس المفاوضون على طاولة الطعام، لا يبدو أن الطبيعة المشتركة لهذه المهمة المنفصلة سبب في تحسين نتائج المفاوضات. ترى بالاتشاندرا أنه يوجد تفسير بيولوجي لذلك. فمشاركة الطعام من شأنها زيادة معدل الجلوكوز، الذي يؤدي بدوره إلى مستوى أعلى من التحكم الذاتي، وتقليل العدوانية والتعصب. تنعكس تلك التأثيرات الجانبية بشكل إيجابي على نتائج المفاوضات. كما تعتقد بالاستناد إلى دراسة أخرى بوجود تفسير آخر: عندما يتشارك الأشخاص الطعام ينشغلون بمحاكاة الحركات التي تؤدي إلى سلوك اجتماعي إيجابي، وتوجد مشاعر إيجابية تجاه الطرف الآخر. يبدو التفسيران منطقيين، وفوق ذلك يعتمدان على التعاون المعزز بسبب مشاركة الطعام كسبب للوصول لنتائج أفضل. مع ذلك دحضت الدراسة التي أجريت على رجال الإطفاء دور التعاون أثناء تناول الطعام كسبب لتحقيق نتائج أفضل خلال التفاوض. فما موقفنا من ذلك؟ توضح دراسة ثالثة أجراها كل من مارجريت نيل من جامعة ستانفورد، وبيتر بيلمي من كلية داردن للأعمال في جامعة فرجينيا، هذه القضية. تم تقسيم التجارب إلى مفاوضات تنافسية وأخرى تعاونية انطوت على مشاركة الطعام أو مجرد تناوله. قدم الباحثون أطعمة مالحة أو أخرى حلوة المذاق لمعرفة ما إذا ما يوجد لنوع الوجبة تأثير في نتائج التفاوض. كان من المتوقع أنه تولد مشاركة الطعام خلال المفاوضات التنافسية حالة من عدم اليقين، كون المنافسة مقرونة بالتلاعب والمراوغة ــ وهي نقيض للمشاعر الدافئة المرتبطة بمشاركة الطعام. وعلى الأرجح سيسهم الجزء المتعلق بحالة عدم اليقين في جعل المفاوضين أكثر يقظة وفطنة لطرح أسئلة قيمة "تقود بدورها إلى فرص لإيجاد قيمة". وعلى العكس، كان متوقعا أن تؤدي مشاركة الطعام في المفاوضات التعاونية إلى الشعور بالنعاس كون كلا الطرفين يشعر مسبقا بحالة من الأمان بسبب الإطار التعاوني. وبالنتيجة، مشاركة الطعام ستؤدي إلى خفض الحافز في محاولة للوصول لنتائج أفضل من حيث اكتشاف قيمة أو إيجاد صفقة أفضل. وجد الباحثون أنه خلال المفاوضات التنافسية "صفقات الاندماج" أسفرت مشاركة الطعام عن نتائج أفضل، مدفوعة بالمستوى العالي لحالة عدم اليقين. من جهة أخرى أظهرت المفاوضات التعاونية مستويات منخفضة من حالة عدم اليقين وقيمة أقل مقارنة بالمفاوضات التنافسية التي لم تتشارك الطعام. أخيرا لم يكن لأصناف الطعام "سواء المالح أم الحلو" تأثير يذكر على النتائج. وفقا لورقة العمل الأخيرة، أدت حالة عدم اليقين الناتجة عن مشاركة الطعام في المفاوضات التنافسية لدفع الطرفين للتفاوض آخذين بعين الاعتبار إيجاد قيمة كهدف. بالنسبة للهدف المتمثل بتعظيم القيمة، يعني ذلك أنه يجب عليك التفكير في مشاركة الطعام مع نظرائك في العمل. وفي حال كان الطرف الآخر ذا سمعة تنافسية، أو في حال وجود خلاف أو طريق مسدود، قد تثمر مشاركة الطعام معه عن نتائج أفضل ولا سيما في حال قدمت أطباق تتيح للأشخاص خدمة أنفسهم: على سبيل المثال أطباق آسيوية أو إثيوبية مشتركة. من جهة أخرى إذا كان يتوقع منك الطرف الآخر أن تتبع نهجا تعاونيا، فحينئذ يجب الابتعاد عن مشاركة الطعام، فمن المحتمل أن يشتت انتباهك وبالتالي يؤدي إلى صفقة دون المستوى. بالنسبة للأشخاص المهتمين بمشاركة الطعام على طاولة المفاوضات، لا يعني ذلك تجنب تناول الطعام أثناء التفاوض، فمجرد طلب وجبات منفصلة أو الحفاظ على مستوى الانتباه، قد يساعد على استبعاد أية مخاوف حول خفض حالة عدم اليقين، ويساعد الطرفين على المحافظة على التركيز المطلوب لتحقيق نتائج أفضل لكليهما.

إنشرها