مجتمع مزدهر وطموحات تعانق السحب .. ولكن كيف؟

تشهد المملكة تغيرات تنموية، اقتصادية واجتماعية، كبيرة لم يخطر على بال أحد إمكانية تحقيقها في وقت قياسي. بدأ المجتمع السعودي يعانق السحب بطموحات نوعية جديدة وغير مسبوقة وفق رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني الطموحة، وما يتضمنه من استثمارات ضخمة في مشروعات تنموية عملاقة مثل "نيوم" إلى جانب الاستثمار في مجالات الطاقة عموما والشمسية خصوصا، وقبل ذلك الاستثمار في الإنسان. لقد أسهمت مبادرات برنامج التحول الوطني في رفع مشاركة القوى العاملة من الرجال والنساء وزيادة معدلات الإنتاجية، ما ينعكس إيجابا على الاقتصاد. ومن الإنجازات الرائعة والبارزة تمكين المرأة من الإسهام في المجتمع، وزيادة توظيفها في مجالات جديدة ومتعددة، وهذا لا يسهم في توفير العيش الكريم للنساء فقط، بل يحسن مستوى معيشة أسرهن كذلك. ومما يعزز وضع المرأة ويمكنها من المشاركة في التنمية بفاعلية صدور أنظمة تحافظ على كرامتها وتحد من سلوكيات التحرش بها أو العنف ضدها، وذلك من خلال تطبيق صارم وعقوبات رادعة. ولاكتمال منظومة تمكين المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع ورفع مستوى معيشتها، جاء القرار الشجاع والحاسم بالسماح لها بقيادة السيارة. ولكن من المثير عدم اندفاع النساء إلى الشوارع، الأمر الذي يؤكد أن المرأة السعودية عاقلة تقيّم الأوضاع والمخاطر عندما تكون لها ممنوحة والخيارات أمامها مفتوحة من جهة، ويعكس - كذلك - نضج المجتمع السعودي عموما بقيمه المجتمعية الراسخة من جهة أخرى.
لا شك أن هذه التغيرات والأنظمة الجديدة منحت المرأة الثقة التي جعلتها تسير في الأسواق باعتزاز وثقة، نتيجة شعورها بالأمان وبقدرتها على حماية نفسها من خلال الأنظمة والقوانين، بدلا من أن تكون تحت حماية الآخرين بحسب تقديراتهم الشخصية وتفسيراتهم.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك جهود شاملة لإصلاح سوق العمل، جاء ضمنها سعودة بعض الأنشطة ودخول خدمة "أوبر" التي أتاحت الفرصة أمام الشباب السعودي لتحسين دخولهم، كما أتاحت سعودة تجارة التجزئة مجالا أرحب لتوظيف الشباب، إلى جانب الحد من التستر والتوظيف الوهمي الذي يحدث آثارا سلبية في الأفراد والاقتصاد ويعزز ثقافة الكسل وعدم الاعتماد على الذات. ولولا التوسع المستمر في توظيف الشباب من الجنسين لتفاقمت معدلات البطالة، وذلك بسبب تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل سنويا، نتيجة النمو السكاني خلال العقود الثلاثة الماضية. ومن الملامح المهمة للتغير الإيجابي في المجتمع اعتدال الخطاب الديني وشموليته لقضايا وطنية ومجتمعية، لقد أصبح الخطاب واعيا وشاملا وأكثر قربا لهموم الوطن والمجتمع من خلال تناول قضايا العمل والتعليم وقيم المجتمع ونحوها. والسؤال المهم: كيف تمكن المجتمع السعودي من تحقيق ذلك في وقت قياسي وبخطوات ثابتة ومستقرة، خاصة مع طوفان الفوضى والاضطرابات في بعض الدول المجاورة ووجود سياسات عدائية وتوسعية لبعضها الآخر؟ لا شك أن الإرادة السياسية الطموحة لدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك الإدارة الواعية والمحفزة للتغيير الإيجابي، إلى جانب تنامي الوعي لدى معظم أفراد الشعب السعودي بضرورة التغيير القائم على تنويع مصادر الدخل ورفع تنافسية الاقتصاد السعودي من خلال تمكين المواطنين من الإسهام في التنمية بفاعلية وتخفيض الاعتماد على العمالة الوافدة، مستشعرين خطورة الأوضاع السياسية المحيطة وزيف الأفكار المنحرفة والتكفيرية، علاوة على وجود شريحة كبيرة من الشباب الذين يتقبلون التغيير ويدعمون الحراك الثقافي والاجتماعي لمواكبة التغيرات التي يمر بها العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي