Author

أتيلوفوبيا

|

أعرف زملاء وأصدقاء يملكون قدرات ومهارات نوعية لكنهم يخفونها ولا يظهرونها. يخشون ألا يكونوا جيدين بما فيه الكفاية.
قلقهم من تقييم الآخرين لهم يحرمهم ويحرمنا إبداعهم أحيانا. أغلب هؤلاء المبدعين يملكون قدرات استثنائية وغير تقليدية. لا يمكن أن تستكشفها إلا من خلال الاقتراب منهم. الاقتراب بشدة. وحينما تنتبه لتميزهم ستنبهر وسينبهرون من انبهارك. فهم لا يثقون بمنجزهم كثيرا. يعتقدون أنه غير جيد بما فيه الكفاية أو عادي بينما هو فريد وغير مكرر. وردة فعلك ستصيبهم بالدهشة. فهم لم يعتادوا الاستماع إلى التصفيق. أمضوا جل وقتهم في الاستماع إلى الأصوات التي تصطخب في رؤوسهم وتخبرهم بأنهم "غير جيدين". الفريدون لا يعلمون بفرادتهم. لذلك هم يواصلون التألق لحصد مزيد من النتائج واكتشاف كثير من المهارات. يواصلون العمل بصمت وقلق وتوتر. لا يجيدون استعراض ما يملكون لأنهم دائما يشعرون بالتقصير وتأنيب الضمير مهما بذلوا من مجهود وإخلاص.
هؤلاء ليسوا فئة طارئة ومحدودة. لهم صفة علمية. تدعى باللغة الإنجليرية Atelophobia.
أي الخائف من ألا يكون جيدا بما يكفي. وهي صفة مزمنة. قد لا يشفى هؤلاء من هذا الرهاب لكن دورنا أن نربت على أكتافهم ونشعرهم بعظمة ما يفعلون تقديرا وامتنانا وتحفيزا. هؤلاء هم أحوج بالإطراء والإشادة من المستلقين على شواطئ الأضواء ويستقبلون أشعة الشمس والنور بسخاء. مع مرور الوقت زاد إيماني بمهارات وبراعة هذه الفئة رغم اختلافي الكبير مع انكماشهم وانكفائهم. فالذي لا يعرف أن يسوق إبداعه فقد وفر طاقته وذخيرته للعمل وترك لغيره الحديث.
إذا رأيت شخصا مبدعا لا تتردد في إبداء إعجابك به. فهو ليس بالضرورة يعلم عن حجم براعته وكفاءته. كلماتك ستزيده شجاعة لمفاجأتنا أكثر. ابحث عن هؤلاء الذين لا يجيدون الحديث والعيش وسط الأضواء فهم أكثرنا عطشا لماء تشجيعنا. قد لا تستطيع تغيير عاداتهم وأسلوبهم ومنهجهم لكنك ستكافئهم بكلمات هم الأجدر بها. لدي قناعة راسخة بأنه كما أن الأنهار العميقة لا تحدث ضجيجا، فالمبدع العميق ينحاز إلى الهدوء والسكون. ينبغي ألا يخدعنا السكون، بل يدفعنا إلى إبداء جزيل الإعجاب. فالنهر حتى لو لم ينطق فيسره تحلقنا حوله. يسعده جدا فيرسم لنا مشهدا بديعا لا نمل من مشاهدته بلا ضجيج واستعراض.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها