default Author

الحياة والمعايير المميزة «1 من 2»

|
أين نبحث عن إجابات لعديد من الأسئلة الوجودية التي نعاني من أجل الحصول على إجابات لها؟ يعد ديريك مثالا على التنفيذي الناجح. فلطالما كان طالبا متفوقا في المدرسة الثانوية لينتقل بعدها من دون جهد يذكر إلى إحدى الجامعات المرموقة. ليلتقي خلال سنوات الدراسة بزوجته المستقبلية ويتزوجا مباشرة بعد التخرج. وبعد أن عمل لبضع سنوات في شركة استشارات رائدة، قرر ديريك الحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من أحد أشهر الكليات. انضم بعدها إلى بنك استثماري شهير في «وول ستريت»، ليصبح شريكا خلال وقت قصير. خلال سنوات مسيرته المهنية الناجحة، أصبح أبا فخورا لثلاث فتيات. كان ديريك خلال مراحل حياته شخصا ذا تركيز عال، سواء في العمل أو المنزل. وعلى الرغم من عدم إفصاحه عنه بشكل واضح إلا أن هدفه في الحياة أن يصبح معيلا ممتازا. تغيرت الظروف، فعندما تركت ابنته الصغرى الجامعة، اضطربت مشاعره ما بين الشعور بالفراغ وعدم وجود هدف يعيش لأجله. وتساءل عما حل بثقته بنفسه التي لطالما كانت لديه، وشعوره بوجود هدف يعيش لأجله. شعر في أعماقه بالإحباط. وأدرك عندما استرجع شريط حياته أنه لم يقض الوقت الكافي مع بناته كونه كان منغمسا في العمل. ووجد نفسه بعيدا عن زوجته أيضا. باختصار، وجد ديرك نفسه متخبطا بعد انقضاء أهم فترات حياته. لم يكن ديريك الشخص الوحيد الذي يكافح لإيجاد معنى لوجوده. فهو موضوع يقلق كثيرين في مراحل متأخرة من حياتهم، فالحياة الخاوية تتطلب منهم إعادة النظر في حياتهم بما في ذلك زواجهم، وفي أغلب الوقت لا يعجبهم ما يرون. لا عجب أن تزيد معدلات الطلاق عند الأشخاص الذين تجاوزوا الـ50. مع تقدمنا في العمر نحتاج إلى إيجاد معنى جديد لحياتنا أنهى الرسام الفرنسي بول جوجان عام 1897 - وكان يبلغ من العمر آنذاك 49 عاما - لوحته التي حملت عنوان: من أين أتينا؟ ومن نحن؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ نستطيع أن نفهم من رسالته أن اللوحة عبارة عن تأملات في الولادة والحياة والموت، ومستوحاة من الأساطير التاهيتية. تناولت اللوحة أسئلة جوهرية حول جذور الإنسان ومعنى الوجود الإنساني. عد جوجان لوحته تحفة، ولا سيما كونها جاءت في مرحلة من حياته كان يعاني فيها عديدا من الضغوط. كما كتب فيودور دوستويفسكي: "لا يكمن سر الوجود الإنساني فقط في البقاء على قيد الحياة، بل في إيجاد شيء نعيش لأجله". بمعنى آخر، الهدف من الحياة هو العيش في سبيل هدف. فإذا علمنا سبب وجودنا، وإذا امتلكنا سببا لوجودنا - سنشعر بأننا أكثر ارتباطا وأننا على قيد الحياة. أي هدف أعظم يرتبط بنظرة إيجابية تجاه الحياة، وسعادة أكبر، فكلما زاد شعورنا بالرضا زادت ثقتنا بنفسنا. وقد تؤثر حالتنا النفسية في قدرتنا على محاربة الأمراض. فشعورنا بوجود هدف معين قد يكون عائقا أمام شعورنا بالشيخوخة. فكبار السن الذين يعيشون من أجل تحقيق أهداف ذات معنى، سيختبرون تلك المرحلة من حياتهم بشكل أفضل. وعلى العكس من ذلك، فإن عدم وجود هدف يجعلنا عرضة للاكتئاب والقلق والإدمان. وقد يتسبب في أزمة في الحياة الزوجية. لذا، من الضروري أن نسأل أنفسنا باستمرار: من أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وما المعنى الحقيقي للحياة؟ وما المغزى من حياتي؟ على الرغم من أننا سعينا لإيجاد إجابات عن تلك الأسئلة في مرحلة من مراحل حياتنا وشعرنا أنه ينبغي علينا فهم أسباب وجودنا. الهدف الرئيس للحياة من وجهة نظر تطورية، هو الاستمرار في العيش. برنامج بيولوجي من أجل البقاء والتكاثر يؤكد ماهية تعقيد دورات الحياة، التي يكون الموت فيها هو نقطة التعادل. ولكن حتى بعد موتنا ستنتقل جيناتنا إلى الجيل التالي، ليظهر السؤال الوجودي من جديد: ماذا بعد؟
إنشرها